تشكيل حكومة أمر واقع في السودان خيار ضعيف لحل أزمة معقدة
مكونات متناحرة تنتظر إحداث تغيير في موازين القوى لتحقيق أهدافها.
الخرطوم – صقر الجديان
أصبحت المعلومات المتواترة حول تشكيل حكومة كفاءات سودانية تحظى برضاء المكون العسكري تتصدر المشهد السياسي قبل أيام قليلة من الذكرى الأولى لقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر التي جرى بمقتضاها إزاحة المدنيين عن السلطة، وسط معارضة قوى ثورية تبدو على مسافة قريبة من إعادة ترتيب أوراقها.
ويتفق سياسيون على أن الذهاب باتجاه تشكيل حكومة لا يحظى برضاء القوى الفاعلة في الشارع ويعد من الحلول الصفرية التي تؤدي إلى مزيد من التأزم، ولن تستطيع الصمود مع عدم القدرة على كسب تأييد الشارع، ما يجعل البلاد تدور في دائرة من الفراغ التنفيذي تفسح المجال لتداعيات سلبية جديدة.
وفي الوقت الذي تستعد فيه لجان المقاومة للتحول إلى تحالف سياسي ووقعت ميثاقاً يقضي بتوحيد مواقفها، حرك المكون العسكري أذرعه السياسية ممثلة في قوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني) للتوقيع على إعلان تضمّن جملة من الترتيبات الدستورية، على رأسها تسمية رئيس وزراء وتشكيل حكومة جديدة.
وأعلنت لجان المقاومة الأحد عن تكثيف مساعيها الهادفة إلى تكوين ائتلاف يتولى الحكم بعد إسقاط الحكم العسكري، وأنها تستهدف تجاوز مرحلة التوقيع على “الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب” الأربعاء الماضي، والدخول في بناء التحالف بشكل مباشر، وتعهدت بإسقاط أي إعلانات سياسية تستهدف فرض الأمر الواقع.
أمين إسماعيل مجذوب: كل طرف لديه أوراق يستطيع أن يستخدمها لإعاقة الآخرين
ووقعت قوى إعلان الحرية والتغيير (التوافق الوطني) التي أيدت الانقلاب العسكري على السلطة المدنية في أكتوبر الماضي والمبادرة السودانية للترتيبات الدستورية بقيادة جعفر الصادق الميرغني نائب رئيس حزب الاتحادي الأصل، إعلاناً سياسيًا تضمن إلى جانب تشكيل حكومة تعيين مجلس تشريعي لا يقل عن 300 عضو، ومجلس أعلى للقوات المسلحة، وإصلاح المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وبناء جيش قومي يضم الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع في القوات المسلحة.
وتنتظر المكونات المتناحرة في السودان إحداث تغيير في موازين القوى الحالية لتحقيق أهدافها، إذ أن لجان المقاومة وغيرها من القوى الثورية تعول على مواقف دولية أكثر حسماً مع المكون العسكري القابع على رأس السلطة، وزيادة الضغط لإبعاد الجيش عنها بشكل نهائي وتدشين مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات، وهو أمر لن يقبل به العسكريون وشركاؤهم من الحركات المسلحة وبعض الأحزاب القريبة منهم.
ويأمل المكون العسكري وحلفاؤه في استمرار حالة التشظي في صفوف التيارات الثورية والقوى المدنية المؤثرة في الشارع، وصد محاولات إفساح المجال أمام تحقيق توافق عبر تقديم إعلانات سياسية ومواثيق دستورية موازية أو الارتكان إلى سلاح الهيمنة على السلطة لتوجيه الأحداث وفقًا لرؤية الجيش ومصالحه ومنع الحراك في الشارع.
وقال الخبير بمركز الدراسات الإستراتيجية والسياسية بالخرطوم اللواء أمين إسماعيل مجذوب إن التحالفات العديدة بين قوى متنافرة أفرزت تقديم خمسة مشاريع إعلانات دستورية، ومتوقع غياب الاتفاق على تشكيل حكومة أو اختيار رئيس وزراء، لأن كل تحالف أو جسم سياسي يمتلك أوراقا للضغط يستطيع أن يستخدمها لإعاقة الآخرين.
ويتحالف “التوافق الوطني” مع المكون العسكري الذي يملك القوة والسلطة ويقبع على رأس الدولة، لكنه لا يملك سيطرة على حركة الشارع، ويهيمن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير على الشارع وهو قادر على إضعاف أي حكومة وسيكون من الصعب تشكيل مجلس وزراء جديد من دون أن يكون ضمن حاضنته السياسية.
الحل يكمن في الاتفاق على تشكيل حاضنة سياسية مشتركة وإعلان شخصية تكنوقراط تقوم بتشكيل الحكومة
وبالتوازي مع هذين القوتين فإن الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام ممثلة في الجبهة الثورية والقوى المنضوية تحتها لديها حقوق بموجب الاتفاق وتتواجد في هياكل السلطة المختلة، وليس بالإمكان تشكيل حكومة لا تستوعب قواها وسوف يكون السودان أمام تهديدات جيوشها بالعودة إلى التمرد مرة أخرى.
وأضاف مجذوب في تصريح لـ”العرب” أن كل تحالف ينجح في الوصول إلى نقطة إيجابية تقرب من الحل السياسي يواجه بآخر يتبنى موقفا سياسيا يعرقل ما ذهب إليه الأول، وهو نوع خطير من المكايدات التي لا تخدم الوضع الحالي في البلاد.
وأشار إلى أن التسريبات الأخيرة بتشكيل حكومة جديدة بمثابة طمأنة من جانب المكون العسكري للمجتمع الدولي والآلية الرباعية وتقودها الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية، للتأكيد على نيته الذهاب إلى تشكيل حكومة مدنية، لكنها حكومة لن تصمد طالما لا تحظى بقبول واضح من المكونات الفاعلة في الشارع.
واعتبرت الناطقة الرسمية باسم تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) سلمى نور أن أي حكومة أمر واقع تقوم السلطة بتشكيلها “تعتبر جزءًا من الانقلاب وتزيد المشهد تعقيدًا وستقابل بالتصعيد من قبل التحالف”.
ويكمن الحل المناسب للتعامل مع الوضعية الراهنة، بعيداً عن الحلول الصفرية القاسية، في الاتفاق على حد أدنى مقبول لتشكيل حاضنة سياسية مشتركة وإعلان شخصية تكنوقراط ليس لديها علاقة بأحزاب تقوم بتشكيل الحكومة وانتقال السلطة من المكون العسكري إلى القوى المدنية شريطة أن يحظى ذلك بقبول المجتمع الدولي، لأن النجاح يرتبط بمدى القدرة على جذب الاستثمارات والإعفاء من بعض الديون.
المكونات المتناحرة في السودان تنتظر إحداث تغيير في موازين القوى الحالية لتحقيق أهدافها
وجرى ترديد اسم رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك الذي ترك منصبه وغادر البلاد منذ يناير الماضي للعودة على رأس الحكومة الجديدة، لكن هذه المرة تم التفاعل مع عودته بقدر كبير من السخرية من جانب مقربين منه بشأن إمكانية قبوله بالمنصب مجدداً في الوقت الحالي، فضلا عن عدم عرض الأمر عليه من الأساس.
وقلل المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم من إمكانية تشكيل حكومة جديدة، معتبراً أن حالة الفراغ تخدم قوى معادية للثورة، وفي القلب منها الحركة الإسلامية وأطيافها التي تستفيد من بقاء البلاد بلا حكومة لعدم إثارة مسألة محاسبتهم ومعاقبتهم أو الوقوف حائلاً أمام عودتهم مرة أخرى إلى المشهد عندما تتوافر الأجواء الملائمة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المكون العسكري فشل خلال الأسابيع الأولى عقب الانقلاب العسكري في تشكيل حكومة نتيجة الرفض الجماهيري واتساع رقعة الاحتجاجات، وكان بإمكانه تشكيلها في أي وقت على مدار العام، لكنه تجاوب مع مساعي الإسلاميين، فمن الأفضل لنجاح مخطط الانقلاب استمرار الوضع القائم.
ولفت إلى أن تشكيل حكومة بصبغة مدنية يقتضي أن يكون المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير على رأسها باعتباره الفصيل الأكبر والأكثر تماسكاً وله حضور واسع على الأرض، وهي الجهة الوحيدة التي لديها سيطرة على مجمل الأوضاع في الشارع، غير أن ذلك قد يؤدي أن تصبح كلفته باهظة على الانقلاب.
إقرأ المزيد