حوارات وتقارير

تفاصيل فنية جديدة.. سد النهضة يتكون من سدين

الإغراق والتعطيش المتعمد مخاطر محتملة تثير مخاوف السودانيين

الخرطوم – صقر الجديان

ما إن أعلنت إثيوبيا عن بدء العمل في تنفيذ سد النهضة على النيل الأزرق، بالقرب من الحدود السودانية، حتى بدأت موجات من ردود الفعل ما بين المؤيد، الداعم بقوة للمشروع والمعارض، الذي يرى في المشروع تهديداً لوجود دولتي أسفل النهر (السودان ومصر)، وشرع كل طرف في تقديم المبررات التي تسانده وتؤكد صحة موقفه، وبما أن قيام السد بات أمراً واقعاً بعد أن شارفت أعمال تشييده على الانتهاء يظل التوافق على حلول منصفة للدول الثلاث (إثيوبيا، السودان، مصر) ضرورة يحتمها الواقع، وهو ماجعلها توافق على استئناف المفاوضات بعد توقف دام لأكثر من شهرين.

يقع سد النهضة الذي شرعت إثيوبيا عملياً في تشييده على مجرى النيل الأزرق على بعد 15 كيلومتراً من الحدود السودانية، وهو ما يجعل السودان الأكثر تهديداً إذا ما شابت عملية سلامة السد أي قصور فني قد يعرضه للانهيار بجانب تأثيره على السدود السودانية المقامة على النيل وغير ذلك من المهددات، ولكن قبل الولوج في المخاطر والمهددات ومستوى الأمان بالسد ذلك يتطلب الأمر الوقوف على بعض التفاصيل الفنية لسد النهضة.

سدان منفصلان

يقول أستاذ الجيوتقنية وميكانيكا التربة عضو اللجنة السودانية لمتابعة سد النهضة البروفسور أحمد محمد الشريف إن سد النهضة هو عبارة عن سدين منفصلين، أي أن سد النهضة مجمع سدين، حيث إن نهر النيل الأزرق يتسع في تلك المنطقة ليبلغ عرضه 12 كلم بين الجبال العالية، يتخلل السهل جبل كبير عال يقف منفرداً، عرضه حوالي 6 كلم ويجري النيل الازرق شماله (جغرافيا) أي بينه وبين سلسلة الجبال التي تقع على الضفة اليمنى للنيل الازرق، في هذا القطاع على مجرى النيل الازرق تم تشييد السد الاول (السد الرئيسي)، بينما متبقي السهل بين الجبل المنفرد وسلسلة الجبال جنوب السهل أرض مفتوحة يبلغ عرضها حوالي 5 كلم، في حالة التخزين أعلى من منسوب 601 متر تنفذ المياه عبر المنطقة المفتوحة رجوعاً لمجرى النيل الازرق أسفل موقع السد الرئيسي، لهذا تم قفل المنطقة المفتوحة بما يعرف بالسد الثاني (السد السروجي) لمنع خروج المياه وضمان زيادة سعة سد النهضة، بما يعادل 59 مليار متر مكعب.

من جهته، يشير الشريف الى أن السد الأول (السد الرئيسي) هو سد عالٍ كبير الارتفاع ويطلق عليه اسم السد الرئيسي ويقع على مجرى النيل الازرق، وهو عبارة عن سد خرساني من الخرسانة المدموكة ويبلغ ارتفاعه 156 متراً مقاسة من قاع النهر وطوله 1800متر، كما ان السد الرئيسي مشيد على صخور أساسية صلبة، وتوجد بجسم السد الرئيسي التوربينات وبوابات التصريف واثنان من المفايض (ترع الفائض).

اما السد الثاني (السد السروجي) أو ما يعرف بالسد الركامي ذي واجهة خرسانية، ويطلق عليه اسم السد السروجي حيث يأخذ شكل قوس محدب، وهو يقفل مسافة 5 كلم، وهي عبارة عن الفتحة بين الجبل المنفرد وسلسلة الجبال الجنوبية ويقع على بعد 2 كلم جنوب السد الرئيسي.

مخاطر محتملة

رغم أن المفاوضات التي جرت أخيراً برعاية ووساطة أمريكية بين الدول الثلاث تتصل بقواعد الملء والتشغيل للسد، بما يعني أن عملية بناء السد وآثاره البيئية والاجتماعية أصبحت من الأمور المفروغ منها، لا سيما مع إعلان اثيوبيا أن قرار ملء سد النهضة لا رجعة فيه، حيث أكد رئيس وزرائها أبي أحمد أمام برلمان بلاده خلال الايام الأخيرة أن بلاده لا تسعى لالحاق الأذى بالآخرين، كما أكد أن مشروع سد النهضة يتقدم وفق الجدول المحدد له، وتتزايد مع الاصرار الاثيوبي المخاوف السودانية من المخاطر المحتملة لسد النهضة على البلاد التي يتوقع أن تفقد نصف أراضيها الزراعية التي تروى من نهر النيل فيضياً، بجانب المهددات الامنية المتوقع حدوثها وتلك التي تعني بمدى أمان وسلامة السد.

ويرى مراقبون أن سد النهضة يمكن أن يشكل خطورة أمنية إذا قامت اثيوبيا بالإغراق المتعمد للسودان، وهو ذات الامر الذي يؤكده خبراء في مجال المياه، إذ يشيرون الى إمكانية استخدام إثيوبيا للسد كسلاح لتهديد أمن السودان من خلال الإغراق المتعمد، وذلك بالفتح الكامل للبوابات وإفراغ بحيرة السد من المياه بسرعة لإحداث فيضان في السودان، غير أن خبيرين بالمياه والسدود وهما البروفسور سيف الدين حمد المدير التنفيذي لمبادرة حوض النيل، والمهندس مصطفى عبد الجليل بشركة ستانتك الاستشارية تورونتو- كندا، يقللان  من خطر الاغراق المتعمد من قبل اثيوبيا للسودان، باعتبار أن حجم الفيضان الناتج عن الاغراق المتعمد سيكون محدودا ولا يشكل خطورة كبيرة لأنه محكوم أولا بسعة بوابات السد، وهي بوضعها الحالي ومناسيبها وقدرتها التصريفية لا تشكل خطورة عظيمة، بجانب أن قواعد سلامة السد تحد من خطورة الإغراق لأنها تمنع التغيير السريع في مستوى المياه ببحيرة الخزان، لأن ذلك يشكل تهديدا خطيرا لسلامة جسم السد.

ويؤكد الخبيران في معرض اجاباتهما في ورقة أعداها تحت عنوان ( السودان وسد النهضة أسئلة متواترة) أن تلك عوامل توفر للسودان الحماية من أي تهديد بالإغراق، بإعتبار أن المياه التي يمكن أن تطلق من السد ستكون محكومة بحد أعلى لا يمكن تجاوزه، اضافة لذلك، بامكان السودان إجراء مزيد من الدراسات من خلال النماذج الهيدروليكية والهيدرولوجية لتحديد أقصى تصرف للمياه من السد، وإقامة منشآت لحماية البلاد من أي تصرف زائد للمياه، إذا ما دعت الحاجة لذلك، وهو ما يسعى اليه بضرورة النص صراحة على ذلك في الاتفاق الذي يجري التفاوض حوله وحول آليات تنفيذه حاليا.

 

قنبلة موقوتة

ولكن حمد وعبد الجليل يحذران من خطورة المشاكل الحدودية بين السودان واثيوبيا، والتي وصفاها بأنها قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في اي وقت، ولفتا الى أن السودان، لن يكون في ظل وجود هذه المشاكل، مطمئنا لعدم استخدام سد النهضة كورقة ضغط على السودان، وشددا على أن التوافق والتعاون والعمل المشترك لتحقيق التكامل هو خط الدفاع الأول ضد أي تهديد، وهو ما يسعى السودان جاداً لتحقيقه وفقا لهما، ويضيفان «يمكن تعزيز ذلك من خلال تشغيل سد الرصيرص السوداني على مستوى أمان بتوفير سعة تخزينية معينة، تمثل مستوى أمان يساعد على امتصاص جزء كبير من أي مياه يتم اطلاقها من سد النهضة بهدف إحداث فيضان مدمر وأضرار أسفل السد».

بجانب خطر الاغراق المتعمد يتخوف آخرون من خطر التعطيش المتعمد من قبل اثيوبيا للسودان، وهو استخدام اثيوبيا للسد كسلاح لتهديد أمن السودان من خلال التعطيش المتعمد، وذلك بالإغلاق الكامل للبوابات لمنع وصول المياه للسودان، غير أن الخبيرين، استبعدا ذلك، وأكدا أن إثيوبيا لا تستطيع استخدام مخزون المياه بسد النهضة في اي استخدامات أخرى بخلاف الكهرباء، ولا يمكنها حتى اطلاقها في أي جزء من الأراضي الإثيوبية بسبب طبيعة الأرض والتضاريس التي تمثل حاجزاً طبيعيا يمنع تحويل المياه الا من خلال النيل الأزرق، ويضيفان «بما أن بحيرة سد النهضة تحتوي على 50 مليار م3 من المخزون الدائم والضروري لرفع منسوب المياه بغرض توليد الكهرباء،فان الكمية التي تستطيع إثيوبيا أن تحجبها لا تزيد على 24 مليار م3».

ويتابعان «إذا فعلت إثيوبيا ذلك فإنها سوف تفقد القدرة على توليد الكهرباء وبالتالي ضياع عائد استثماراتها، كما أنها سوف تكون مضطرة في العام التالي لتمرير الإيراد الطبيعي للنهر لنفاد السعة التخزينية»، ويؤكدان أن قيام إثيوبيا بإحداث التعطيش المتعمد هو أمر في غاية الصعوبة فنياً واقتصادياً وقانونياً ومحفوفاً بالمخاطر السياسية.

وبما أن الأطراف توافقت على الرجوع لطاولة المفاوضات مجدداً بعد حالة من الشد والتوتر كادت أن تعصف بكل ما تم الاتفاق عليه خلال جولات التفاوض التي استمرت زهاء السبع سنوات، فإن الهواجس لا تزال قائمة حول فشل جولة التفاوض الحالية التي انطلقت أمس الثلاثاء، وأن تلقى ذات المصير الذي ظل ملازماً لجلسات التفاوض حول الملف، ولتدارك ذلك يقول خبير المياه السوداني د. أحمد المفتي إن أمام الأطراف الآن فرصة التفكير خارج الصندوق من خلال دعوة عبر مجلس الأمن لحل القضية عن طريق تكامل إقليمي يحقق لكل دولة من الدول الثلاث طموحاتها، ويشير المفتي إلى أن إقامة ذلك التكامل لن يستغرق وقتاً لأن سد النهضة سيكون عموده الفقري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى