تونس .. سقوط آخر معاقل “الإخوان”
تونس – صقر الجديان
إذا نجح الرئيس التونسى قيس سعيد، والقوى المؤيدة له، فى إخراج جماعة الإخوان ممثلة فى حركة النهضة من المشهد السياسى التونسى، وتقديم نموذج سياسى بديل ومقنع شعبياً، فإن ذلك سيمثل تحولاً سياسياً مهماً ومدوياً فى المنطقة العربية عموما، والمغاربية خصوصا، وسيقود إلى تحولات كثيرة أهمها إخراج جماعة الإخوان من آخر حصونها القوية فى المنطقة، وطى صفحة كل ما حققته منذ عام 2011م، بل وربما تهديد وجودها نفسه.
جماعة الإخوان هى أكثر من إستفاد من ثورات الربيع العربى والتى إنطلقت شرارتها الأولى من تونس، وأسقطت حكم زين العابدين بن علي فى ديسمبر 2011م.
نجحوا أيضا فى الحصول على مكاسب سياسية كثيرة فى العديد من البلدان العربية الأخرى، لكن ظلت تونس هى الجائزة الأكثر لمعانا بالنسبة لهم، بإعتبارها نموذجاً يحظى برضاء وتأييد غربى.
كان كثيرون يقولون إن «الإجابة هى تونس»، إعتقاداً أنه تم إيجاد حل للمعضلة التاريخية الخاصة بكيفية التوفيق بين الحداثة الغربية والاستبداد الشرقى. وبالتالى فإن فشل التجربة التونسية ينهى هذا الجدل أو على الأقل يحسمه لفترة طويلة من الوقت.
إخراج جماعة الإخوان من المشهد التونسى، أو حتى تقليم أظافرها، فإن ذلك سيعنى وقف المد الإخوانى فى المنطقة العربية لسنوات طويلة خصوصا فى المغرب العربى.
التجرية التونسية هى التى مثلت الإلهام لصعود الإخوان والإسلام السياسى فى ليبيا المجاورة قبل أن تنهار التجربة بالكامل، ويكتشف الجميع أنهم كانوا مجرد ميليشيات، وهى أيضا التجربة التى ألهمت إخوانهم فى الجزائر فى الحصول على نسبة كبيرة فى أخر إنتخابات برلمانية جرت هناك قبل شهور.
إضافة بالطبع إلى أن قوى الإسلام السياسى هى الأكثر تأثيراً فى البرلمان المغربى طوال العقد الماضى، وإن كانت التجربة المغربية لها سمات خاصة للغاية، ومختلفة إلى حد كبير عما حدث فى بقية بلدان شمال أفريقيا.
نهاية هذه التجرية تعنى أن الرهانات القطرية على نشر النموذج التونسى قد سقطت، وبالتالى فإن هذا السقوط سيزيد من عزلة أمير قطر، وكل القوى والتنظيمات التى دعمت جماعة الإخوان المسلمين فى المنطقة طوال السنوات الماضية.
نجاح قيس سعيد، سيعنى أيضاً أن جماعة الإخوان قد فشلت فى المنطقة العربية بأكملها، بعد أن سقطت كل تجاربها تقريباً فى المنطقة، وصار قياديوها وكوادرها ورموزها إما فى السجون أو لاجئين ومطاردين فى الخارج.
سقوط هذه التجربة سيعنى أيضا نهاية قدرة الإخوان على خداع الشعوب العربية بالشعارات الدينية البراقة، وأنه من دون تحسين مستوى حياة الناس المعيشية والإنسانية، فإن كل الشعارات سوف تسقط، مهما كانت جاذبيتها ودغدغتها للمشاعر.
إذا كان الشعب التونسى هو صاحب الفضل الأول فى كشف جماعة الإخوان، وأيدت قوى كثيرة منه قرارات قيس سعيد، الأخيرة بصورة عملية.
سقوط التجربة الإخوانية فى تونس سيعنى أيضا رد الإعتبار للدولة الوطنية، لكن على هذه الدولة أن تدرك أنه إذا كانت الشعوب العربية قد أسقطت جماعة الإخوان، فإن ذلك لا يعنى التسليم بالحكم المستبد وبالتالى فعلى الحكومات والشعوب العربية البحث عن نموذج حداثى وعصرى يقوم على التنمية الاقتصادية من جهة، واحترام حقوق الإنسان من جهة أخرى، وإلا فإن شبح عودة المتطرفين يظل قائماً مهما طال وقت غيابهم. ولدينا نماذج عودة الأحزاب النازية والفاشية فى أوروبا، بعد أن ظن الكثيرون، أنهم انتهوا إلى غير رجعة.