جامعات السودان… رسوم عالية تفوق قدرة الطلاب والأهل
الخرطوم – صقر الجديان
خشى السودانيون احتكار طبقة الأغنياء فرص التعليم في البلاد على حساب الفقراء، في ظلّ التصاعد المستمر في التكاليف الدراسية. وكان آخرها فرض الجامعات الحكومية رسوماً مرتفعة على الطلاب.
وبدأت جامعة الخرطوم، كبرى الجامعات السودانية وأقدمها، فرض الرسوم الباهظة بقرار خلال الأيام الماضية وتحديداً في الكليات التطبيقية، وبمبالغ أقل بالنسبة للكليات الأدبية.
وبلغت الرسوم الدراسية في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان 550 ألف جنيه على سبيل المثال، يضاف إليها رسوم تسجيل وكشف طبي لتصل بجملها إلى حوالي ألف دولار، بينما كانت في العام الماضي بحدود 27 ألف جنيه فقط.
وتتفاوت الرسوم المالية في الكليات الأخرى بواقع 500 ألف جنيه (نحو 870 دولاراً) لكليات العمارة والقانون والتمريض، و400 ألف جنيه (700 دولار) للمختبرات الطبية والصحة العامة، و300 ألف جنيه (نحو 524 دولاراً) لمدرسة العلوم الإدارية والطب البيطري والحاسوب والرياضيات، بينما بلغت الرسوم الدراسية 250 ألفا (نحو 437 دولاراً) لبقية الكليات.
وانتقلت حمى الزيادة إلى جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، التي فرضت رسوماً بنسبة زيادة عن العام السابق تتراوح ما بين 300 إلى 1000 في المائة، وزيادات أخرى على الدفعات السابقة.
الأمر نفسه انسحب على جامعات سودانية أخرى. ولاقت الزيادات في الجامعات اعتراضات واسعة من الطلاب وأسرهم، ونُظمت وقفات احتجاجية بأكثر من جامعة، وقرر بعض الطلاب عدم التسجيل. كما تظاهر الطلاب في جامعة السودان وأضربوا عن الدراسة، فقرّرت إدارة الجامعة تعليق الدراسة بأحد المجمعات خلال الأيام الماضية.
ويقول محمد أحمد الحوري، وهو والد طالبة مقبولة بكلية الأشعة بجامعة السودان، إنه تفاجأ برسوم دراسية خيالية مفروضة على ابنته بلغت 300 ألف جنيه (نحو 524 دولاراً)، و40 ألفا (نحو 70 دولاراً) رسم تسجيل، و10 آلاف (نحو 17 دولاراً) للكشف الطبي.
ويشير إلى أن هذا المبلغ “لا يُراعي الأوضاع المعيشية في البلاد علماً أنّ راتبه الشهري لا يتجاوز 120 ألف جنيه (نحو 200 دولار)”. ويوضح في حديثه لـ “العربي الجديد” أنّه “نجح في إقناع إدارة الكلية بتقسيط المبلغ حتى يتمكن من تسجيل ابنته. لكنه لا يضمن كيف سيتمكن من تسديده خلال الأشهر المقبلة”.
ويشير إلى أنّه “خلال تسجيل إبنته، رأى الكثير من الطلاب العاجزين عن الاستمرار وينتظر أن ترحم الكلية بهم. هو أيضاً لا يضمن توفير ما لا يقل عن 3 آلاف جنيه (نحو خمسة دولارات) لوجبة واحدة في اليوم وغير ذلك”، معرباً عن أمله في أن تتفهم إدارات الجامعات الظروف وتخفض الرسوم الدراسية حتى لا يتخلى الطلاب وأسرهم عن فكرة الدراسة كلياً.
أما محمد، وهو والد طالب مقبول بكلية الطب بجامعة الخرطوم، فيقول إنّ “إدارات الجامعات أخطأت التقدير في الاعتماد على ما يدفعه الطلاب، لأن للجامعات موارد مالية أخرى مثل رسوم القبول على النفقة الخاصة الذي يصل في بعض الكليات إلى 5 ملايين جنيه (نحو 8 آلاف و750 دولاراً). وهناك مورد قبول الطلاب الأجانب الذي تتحصله الجامعات بالعملات الأجنبية”.
ويؤكد لـ “العربي الجديد” أنّهم سيقاومون القرار ولن يدفعوا المبالغ مهما كانت النتيجة، علماً أنّ لتلك الأسر التزامات تجاه أبنائها الآخرين في الجامعات أو المدارس.
من جهتها، تقول الطالبة في كلية الهندسة بجامعة السودان تسنيم الأرقم لـ “العربي الجديد” إن “الطلاب مصممون على التصدي لقرارات إدارة الجامعة، وقد أعلنوا إضراباً ليوم واحد في الأيام الماضية، وسيقررون خطوات تصعيدية أخرى”، مبدية أسفها لعدم استجابة الإدارة للمطالب العادلة والواقعية.
وتوضح أن الزيادات التي فرضتها إدارة الجامعة غير قانونية ومخالفة للوائح الجامعة التي تحدد نسبة الزيادة كل عام بما لا يزيد عن عشرة في المائة، مبينة أن الإدارة أبقت لهم كدفعات سابقة على الرسوم الدراسية ورفعت رسوم التسجيل.
وتشير إلى أنها كانت تدفع 7 آلاف جنيه (نحو 12 دولاراً) في السنة، واليوم مطلوب منها أن تدفع 50 ألفا (87 دولاراً)، في حين مطلوب من الطلاب الجدد دفع 400 ألف (نحو 700 دولار) بكلية الهندسة على سبيل المثال ومعها 40 ألفا (نحو 70 دولاراً) للتسجيل والكشف الطبي، وكلها لا تراعي الظروف الصعبة التي تعيشها الأسر السودانية.
ومع استمرار الرفض، أصدرت جامعتا الخرطوم والسودان بيانين منفصلين. وأوضحت الأولى أنّ الكلفة الحقيقية لتدريب الطالب خلال سنوات الدراسة تضاعفت مرات عدة، وأن رسوم القبول للعام الحالي تهدف إلى تحسين الأداء الأكاديمي للطلاب في كلياتهم المختلفة، لا سيما في ظل انعدام الدعم الحكومي للتعليم، مشيرة إلى أنّ الرسوم الدراسية لطلاب المستوى الأول لهذا العام أقرتها لجنة عليا للقبول والتسجيل بالجامعة لتغطية جزء من تلك التكاليف وليست كلّها.
وتعهدت الجامعة في بيانها بعدم حرمان أي طالب من المرشحين للقبول بالجامعة من مواصلة تعليمه بسبب الرسوم الدراسية، أو بسبب وضع أسرته الاقتصادي والاجتماعي.
أضافت أنها شكلت لجنة عليا بعمادة شؤون الطلاب للنظر في حالات الطلاب غير القادرين على تسديد الرسوم. وتنظر اللجنة في الطلبات بعد تقديم كلّ المستندات التي تبين الوضع الاقتصادي لولي أمر الطالب حتى يتسنى اتخاذ القرار المناسب بالتخفيض أو الإعفاء أو دعمه مادياً خلال سنوات الدراسة. وهدّدت بإرجاع قوائم الطلاب المرشحين الذين لم يكملوا إجراءات تسجيلهم بالجامعة إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي باعتبار أنّ المرشح لن يُعتمد طالباً إلّا بعد إكمال إجراءات التسجيل.
من جهتها، قالت جامعة السودان إنها واجهت تحديات عديدة خلال السنوات الأخيرة تتصل بتراكم الدفعات، وزيادة الإنفاق على العملية التعليمية مثل تدريب الطلاب، ودعم البنى التحتية، وإصحاح البيئة، وتوفير خدمات الكهرباء والمياه، وقبول 6 آلاف طالب هذا العام ما يزيد الأعباء.
وتشير إلى أنها وجدت نفسها أمام خيارات صعبة؛ إما أن تلتزم الدولة بتمويل كافة المتطلبات العملية التعليمية وتطبيق شعار مجانية التعليم كاملة، أو فرض رسوم دراسية تدعم بصورة جزئية متطلبات التعليم العالي، وإلا ستتوقف الدراسة اضطراراً، وهذا ما لا ترجوه الجامعة، طبقاً لبيانها.
أضافت الجامعة أنّه نظراً لحرصها على استمرار أدائها، عملت على وضع السياسات المالية لرسوم الدراسة عبر لجان متخصصة من أساتذتها لتحديد الكلفة الحقيقية لدراسة الطب، والتي تراوحت بين 450 ألف جنيه (نحو 787 دولاراً) و590 ألفا (نحو ألف دولار) في حدها الأعلى، وزادت رسوم التسجيل من 5 آلاف جنيه (8 دولارات) إلى 20 ألف جنيه (نحو 35 دولاراً) لطلاب الفصل الدراسي الخامس (المستوى الثالث) والفصل الدراسي الثالث (المستوى الثاني). وأكدت أنّها راعت الظروف الاقتصادية للعائلات، ورأت الجامعة أن تكون الرسوم الدراسية للطالب حوالي 50 إلى 100 في المائة من الحد الأدنى، علماً بأن الرسوم الدراسية للطلاب تمثل حوالي أقل من 20 في المائة من ميزانية الجامعة الكلية.
كما التزمت الجامعة بعدم حرمان طالب قبول عام من الدراسة أو الجلوس للامتحان بسبب عجزه عن سداد الرسوم، وأنّها لا تمانع تقسيط الرسوم الدراسية بحسب القدرة المالية للطالب، بالإضافة إلى وجود صندوق مساهمة من إدارة الجامعة وعمادة شؤون الطلاب والكليات لدراسة حالات الطلاب المعسرين والبت إما بالإعفاء أو التخفيض أو الإبقاء على الرسوم المقررة بحسب نتيجة الدراسة.
ويرى الصحافي طاهر المعتصم أنّ السياسات التي تمارسها الحكومة في مجال التعليم تجعله حكراً على طبقة الأغنياء، وأنّ الكثير من الناس يقفون هذه الأيام حائرين في ما يفعلونه وكيفية توفير رسوم الدراسة لأبنائهم. ويحذر في حديثه لـ “العربي الجديد” من النتائج المجتمعية لتخلي الطلاب عن الدراسة وإمكانية مغامرتهم في دروب الهجرة السرية لبلاد الغرب بحثاً عن وطن يهتم بتعليمهم وتأهيلهم.
ويحث الأستاذ الجامعي محمد خليف الصديق إدارات الجامعات على وضع اعتبارات كافية للطلاب الفقراء والقادمين من مناطق بعيدة، كما طالب ديوان الزكاة والجمعيات الخيرية التدخل وتقديم كلّ ما هو ممكن لتمكين الطلاب من مواصلة الدراسة.
ويقول لـ”العربي الجديد” إنّه من واقع وظيفته يدرك حجم كلفة العملية التعليمة في الجامعات وما تحتاجه من أموال لتصرفها عليها، مع ضعف الدعم الحكومي المقدم الحكومة.
ولا تنفق الدولة على التعليم العالي إلّا رواتب الأساتذة والموظفين والعمال وتترك للجامعات مهمة توفير أموال التسيير اليومي وتمويل مشاريع التوسع والتطوير، مشيراً إلى أنّ الكثير من الجامعات لجأت للاستثمار عبر فرص التعليم على النفقة الخاصة، ورسوم الدراسات العليا، وإنشاء هيئات استشارية ومشاريع زراعية كي لا ترهق الطلاب بفرض رسوم عالية.
ويؤكد أنّ أيّ جامعة تعجز بعد ذلك يعني أن هناك خللا في إداراتها. ويرى الصديق أنّ الخروج من النفق الحالي ضرورة التفريق بين الطلاب المقتدرين والطلاب غير المقتدرين عبر دراسات اجتماعية بواسطة باحثين، على أن تُعفى وتُدعم الفئة الأخيرة، وأن تنظر الجامعات لكلّ طالب بصورة فردية.
إقرأ المزيد