جدل حول شرطة المجتمع في السودان… تمهيد لعودة قانون النظام العام
الخرطوم – صقر الجديان
يتواصل القلق في الأوساط المجتمعية والحقوقية منذ قرار وزارة الداخلية السودانية تشكيل الشرطة المجتمعية، خوفاً من عودة قانون النظام العام بثوب جديد، والذي عُرف بانتهاكه للحريات الشخصية.
وأصدرت وزارة الداخلية، الشهر الماضي، قراراً بإنشاء إدارة عامة تحت مسمى “الإدارة العامة للشرطة المجتمعية”، وأوكلت إليها مهمة حفظ الأمن والاستقرار وتنفيذ القانون عبر التركيز على العمل المنعي والوقائي والكشفي بمشاركة المجتمع.
وتضمن القرار إنشاء آلية فعالة في سياق المصالحات، ومعالجة آثار أعمال العنف ضد المرأة والطفل، وغيرها من الجرائم التي تفرزها الحروب والنزاعات، وتتطلب عملاً اجتماعياً توعوياً لمعالجتها بطرق تعتمد على العرف والإرث والتقاليد المحلية، وجبر الضرر أو التعويض من دون اللجوء إلى الفصل فيها بالعقوبات القانونية حفاظاً على ترابط المجتمع.
وأوضح القرار أن “الشرطة المجتمعية احتياج حقيقي وعملي مطلوب، وذراع من أذرع الشرطة في كل البلدان، وهي آلية أساسية من آليات الأمم المتحدة لحفظ الأمن في كل دول العالم”.
لكن تلك التوضيحات التي قد لا يظهر خلاف حولها، تعرضت مصداقيتها لضربة قوية بعد تصريحات للمتحدث باسم الشرطة، العميد عبد الله بشير البدري، والذي علق على قرار تكوين الشرطة المجتمعية، قائلاً: “نحن مجتمع لديه تقاليد وأعراف لا تقبل اللبس الفاضح، ولا الظواهر الدخيلة على السودان”.
وأثار التصريح جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية، وانتقدته منظمات المجتمع المدني والجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، والتي رفضتها وصنفتها باعتبارها مقدمة خطة لاستعادة العمل بقانون النظام العام الذي ظل سارياً طوال فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير، وكانت الشرطة تطارد على أساسه الفتيات والشباب في الشوارع بسبب المظهر أو الملبس أو قصة الشعر، وهو القانون الذي تم إلغاؤه بعد أشهر قليلة من سقوط نظام البشير في عام 2019.
ويرى عضو البرلمان السابق حسن عبد الحميد، أن “أحد أكبر أخطاء ما بعد الثورة كان إلغاء قانون النظام العام، لأنه أحدث فراغاً برزت معه مظاهر سلبية ودخيلة على المجتمع، وعلى العادات والتقاليد السودانية”، مؤكداً لـ”العربي الجديد”، تأييده لقرار وزارة الداخلية بإنشاء الشرطة المجتمعية لسد هذا الفراغ.
واستنكر عبد الحميد، ما اعتبرها حملة سياسية وإعلامية ضد القرار من مجموعات ترغب في تصدير الثقافة الغربية إلى البلاد، ما قد يؤدي إلى انحلال المجتمع، وانهيار المنظومة الأخلاقية والقيمية، وهو تدبير سبقه التوقيع على اتفاقية سيداو المرفوضة من معظم السودانيين، مشدداً على ضرورة الاستفادة من تطبيق قانون النظام العام، وتجاوز الأخطاء بعدم تسييس عمل الشرطة المجتمعية، وتجنب انتهاك حرمات المنازل، أو فرض غرامات جزافية.
في المقابل، ترى “هيئة محامي الطوارئ”، في بيان، أن “تكوين الشرطة المجتمعية في الإطار الراهن مع سريان مرسوم الطوارئ، يُعد شرعنة لمزيد من الانتهاكات الحقوقية، وإذكاء للانقسام المجتمعي، فضلاً عن عدم وجود المشروعية الدستورية والقانونية لمثل تلك الإجراءات”.
يقول المحامي مشعل الزين لـ”العربي الجديد”، إن “قرار تكوين الشرطة المجتمعية أقرب إلى بالونة اختبار لقياس رد فعل الرأي العام الداخلي والخارجي، وهناك تضارب كبير في تصريحات الشرطة حول الموضوع، وخصوصاً حول مهام الشرطة المجتمعية وواجباتها، وأرجح نجاح الحملة الحالية ضد القرارات في دفع السلطات للتراجع، وأعتقد أن الحملات التي قامت بها الشرطة بعد أيام من إعلان تشكيل الشرطة المجتمعية، والتي شملت مطاردة الشباب وبائعات الشاي وعدد من الأجنبيات، كانت مجرد اجتهادات لأفراد من الشرطة، وليست قراراً متفقاً عليه”.
من جهتها، قالت مبادرة “لا لقهر النساء”، إن “الحديث عن عودة قانون النظام العام مصدره قوى الظلام التي تواصل محاولاتها البائسة والعاجزة لعرقلة مسيرة التغيير”، مشيرة إلى أن الكلام حول كون الشرطة المجتمعية وسيلة لقياس الرأي العام الذي تكرره منابر غير رسمية، هو “مجرد أوهام ممن يرغبون في عودة بعض مظاهر قبح النظام السابق”.
وتوضح المسؤولة في المبادرة، تهاني عباس، لـ”العربي الجديد”، أنه “رغم ما ذكرته الشرطة من توضيحات خلال الفترة السابقة، فإنه من الجلي أنهم يحاولون الالتفاف على الموضوع لاسترجاع قانون النظام العام في قالب جديد. حققت النساء بعد الثورة العديد من المكاسب، ومن بينها إلغاء ذلك القانون، وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وكان الأمل في الحكومة الانتقالية أن تجري تعديلات على قوانين أخرى، من بينها القانون الجنائي الذي ينص على مواد شبيهة بقانون النظام العام، ولم يحدث ذلك حتى وقع الانقلاب العسكري الأخير، والذي يحاول أن يرتد عن كل المكتسبات”.
وأضافت عباس، أن “الانقلاب العسكري يريد استخدام الشرطة المجتمعية في سياق سياسي، خاصة ضد النساء لدورهن المستمر في الثورة السودانية، والملاحقات الأمنية أثرت سلباً على عمل منظمات المجتمع المدني عموماً، والمنظمات النسوية بصورة خاصة، لكن النساء سيواصلن بكل الأدوات مناهضة التوجهات الحالية، كما حدث في السابق مع قانون النظام العام”.
ولم ينحصر الرفض في الأجسام الرافضة للانقلاب العسكري، لكنه امتد داخل مجموعات مؤيدة للانقلاب، ومنها إعلان الأمين العام لتحالف الحرية والتغيير التوافق الوطني، مبارك أردوك، أن “عودة قانون النظام العام سيئ الذكر أمر خطير وغير مقبول، ولا يمكن السكوت عليه”، منبهاً إلى أن “الشرطة كجهة تنفيذية لا تملك حق التشريع، أو تحديد كيفية اللبس وطريقة حياة المواطنين، فهذا عمل البرلمان والجهات التشريعية التي يفوضها الشعب. النظام السابق جرب التضييق على حياة الناس بهذه الطريقة، وكانت النتيجة سقوطه المريع”.
ولما وجدت الشرطة نفسها تحت ضغط هجوم يومي، اضطرت إلى كتابة بيان توضيحي، تراجعت فيه عن تصريحات متحدثها الرسمي، مؤكدة أن “الشرطة المجتمعية ليست لها علاقة بقانون النظام العام، وليست أداة تنفيذية، بل وسيلة إسناد لتطوير علاقة الشرطة بالمجتمع، والتجربة تحكمها معايير وتجارب دولية تتطلب إشراك المجتمع في معالجة بعض القضايا بأساليب تختلف عن الضبط والعقوبات”، وأقرت بأن التشريع هو سلطة البرلمان في القوانين الاتحادية، ومجالس الولايات والمحليات في القوانين الولائية والأوامر المحلية التي لا تخالف الدستور.
إقرأ المزيد