جهود سودانية مضنية لتخطي عراقيل زيادة محصول الصمغ العربي
منظمة فاو تمنح عشرة ملايين دولار لوزارة الزراعة السودانية من أجل مساعدة مزارعي الأكاسيا.
الخرطوم – صقر الجديان
يكافح منتجو الصمغ العربي، الذي يدخل كمادة خام في العديد من الصناعات، لزراعة نبتة الأكاسيا في المناطق القاحلة في السودان، حيث تقاوم الشجرة درجات الحرارة المرتفعة بشكل متزايد رغم قسوة الجفاف.
ويقول خبراء إنه على الرغم من أهمية هذا المنتج ودوره المفترض في دعم الاقتصاد السوداني، لا تزال السلطات غير قادرة على اعتباره موردا رئيسيا للإيرادات وتوفير العملة.
وتوضح فاطمة رملي، منسقة جمعية منتجي الصمغ في الهيئة القومية للغابات، التي تضم سبعة ملايين عضو، للوكالة الفرنسية للتنمية أن الأكاسيا “نبتة مهمة لمكافحة التصحر، إذ تقاوم الجفاف وتزيد خصوبة التربة، وهو أمر ضروري لزيادة الإنتاج الزراعي”.
وهذا الصمغ المصنوع من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا، هو مستحلب ذو أهمية كبيرة في الصناعات العالمية من المشروبات الغازية إلى العلكة مرورا بالمستحضرات الصيدلانية وغيرها.
وفي الأساس يستخلص من أغصان وجذوع شجرتي الهشاب والطلح، وهو مادة شفافة بيضاء تميل إلى اللونين البني والبرتقالي، وتتحول إلى قطع صلبة تتكسر كالزجاج.
100
ألف طن متوسط الإنتاج خلال ثلاثة عقود، ما يشكل أقل من 15 في المئة من الطاقة الممكنة
وتحتوي القطع على الكثير من المواد الغذائية والدوائية، كما أنها تحتفظ بخصائصها على مدى عدة قرون قد تصل إلى خمسة آلاف سنة دون أن يطرأ عليها أي تغيير.
ويشكل إنتاج الصمغ الغربي مفخرة للسودان، الذي يحتل صدارة البلدان المنتجة له عالمياً ويستحوذ على نحو 70 في المئة من تجارته العالمية.
وبقي الصمغ السوداني معفى من العقوبات الاقتصادية الأميركية على مدى عقود، حيث تعرف الصناعات الغذائية والدوائية بالولايات المتحدة نهماً كبيرا على هذه المادة التي تشكل مكونا رئيسياً من مكونات المشروبات الغازية.
ولكن لحصاد هذا الصمغ الثمين يجب على المزارعين أن يتحملوا الظروف المناخية القاسية نفسها مثل الأكاسيا، إحدى أفضل الأشجار تكيفا في العالم مع الجفاف وتغير المناخ.
ويقول محمد موسى، الذي يجمع الصمغ من أشجار منتشرة في غابة الدموكيه المملوكة للدولة، “نعمل لساعات تحت الشمس الحارقة” للحصول في نهاية المطاف “على ما يكفي بالكاد لشراء الماء حتى حلول موسم الأمطار”.
ووفق منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، فإن ارتفاع درجات الحرارة المسجلة في منطقة كردفان ضعف المتوسط العالمي، أي درجتان إضافيتان في أقل من ثلاثين عاما.
ويكافح البشر للتكيف مع المناخ الجاف والتصحر، وتضاف إلى الجفاف تقلبات الأسعار العالمية للصمغ العربي. ولذلك يفضل الكثير من المزارعين قطع أشجار الأكاسيا وبيعها لصنع الفحم، من أجل الحصول على دخل أكثر استقرارا، أو العمل في مناجم الذهب القريبة.
ومن بين هؤلاء أربعة من أبناء عبدالباقي أحمد الخمسة، الذين اختاروا العمل الشاق في مجال التعدين بدلا من الاهتمام بأشجار الأكاسيا الخاصة بوالدهم.
والأمر نفسه حصل مع عبدالله بابكر، إذ فضّل أبناؤه الثلاثة التنقيب عن الذهب على تسلق الأكاسيا. ويقول الرجل البالغ 72 عاما إنهم “يريدون وظيفة ذات أجر أعلى”.
وأمام هذا الوضع يعمل السودان، الذي صدر 88 ألف طن من الصمغ العربي عام 2021 مقابل 110 ملايين دولار بزيادة 6 في المئة على أساس سنوي، بحسب البنك المركزي، على استبدال أشجار الأكاسيا المقطوعة للحطب أو البناء.
وبلغ إنتاج البلاد للصمغ العربي خلال العقود الثلاثة الأخيرة معدلا أقل من 100 ألف طن سنويا، وهو ما يشكل أقل من 15 في المئة من الطاقة الممكنة، كما أن عمليات المضاربة في السوق تجعل منه سلعة فاقدة القيمة رغم أهميتها الصناعية والتجارية.
وتقول رملي، التي تعمل في وزارة الزراعة والغابات، “لقد حاولنا إعادة زرع الأشجار في المناطق التي تدهورت، وذلك لمنع انحسار حزام الصمغ العربي”.
ويقصد بذلك الحزام المنطقة التي تبلغ مساحتها نحو 500 ألف كيلومتر مربع وتمتد من دارفور على الحدود مع تشاد إلى القضارف قرب إثيوبيا.
وخلال الآونة الأخيرة منحت فاو عشرة ملايين دولار لوزارة الزراعة من أجل مساعدة مزارعي الأكاسيا في الحفاظ على سبل عيشهم.
وتهدف المساعدة أيضا إلى تمويل “السور الأخضر العظيم”. وهو مشروع ضخم من المفترض أن يغطي بالأشجار منطقة شاسعة من الساحل الأفريقي إلى القرن الأفريقي، بهدف احتواء التمدد المتواصل للصحراء.
ويشرح الباحث في هيئة البحوث الزراعية مدني إسماعيل لوكالة الصحافة الفرنسية أن “الجفاف هو أحد الصعوبات الرئيسية التي يواجهها السكان” الذين يعيشون في المناطق المزروعة بأشجار الأكاسيا.
وليس عبدالباقي أحمد غريبا عن هذا الوضع، إذ دأب على قطع لحاء أشجار الأكاسيا منذ أكثر من ثلاثة عقود لإزالة السائل الذي يتجمد بسرعة ويتحول إلى كرات بلون الكهرمان.
ويقول الرجل البالغ 52 عاما والمالك لما يقرب من 30 هكتارا من أشجار الأكاسيا في قرية البوطي على بعد 55 كيلومترا من الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان وسط السودان، “عائلتي هي التي علمتني هذا العمل الجاد”.
أما محمد موسى فقد علّم أبناءه مهنته “حتى لو لم يكونوا مهتمين بها. بهذه الطريقة على الأقل، إذا لم يكن لديهم أمر آخر (لامتهانه)، يمكنهم الاستعانة بها”.
وكان رئيس مجلس الصمغ العربي مصطفى الخليل قد طالب في أكتوبر الماضي بإنشاء بنك للأصماغ من أجل تطوير إنتاج وتسويق هذه المادة.
وقال آنذاك إن “بنك تنمية الصادرات لديه فروع في مناطق إنتاج الصمغ العربي يمكن الاستفادة منها في دعم المنتجين”.
إقرأ المزيد