حرب السودان تطال كنز الحياة البرية في محمية الدندر
مخاوف من هجرة حيوانات نادرة إلى الخارج أو انقراض أخرى؛ بسبب الأعمال القتالية
الدندر – صقر الجديان
يسود القلق الشديد وسط المهتمين في السودان تجاه محمية الدندر الطبيعية، التي باتت في مرمى نيران الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط مخاوف من هجرة حيوانات نادرة إلى الخارج أو انقراض أخرى؛ بسبب الأعمال القتالية المتواصلة، على نحو ما حدث مع محميات أخرى في البلاد خلال حروب سابقة.
ومع توسع نطاق الحرب نحو الدندر التي تعد إحدى أكبر المحميات الطبيعية في أفريقيا، أصبحت حيوانات السودان بتلك الحظيرة على موعد مع رحلات لجوء، وتواجه المصير نفسه الذي لقيه سكان هذا البلد الذين تتقطع بهم السبل بين نازحين ولاجئين في الدول المختلفة، نتيجة للصراع المسلح المستمر لأكثر من عام.
ولم تكن الحيوانات مثل البشر الذين يعودون إلى تعمير بلداتهم مجدداً بعد توقف الحرب، فهجراتها ربما تكون أبدية، بحسب ما يقوله الناشط في الحياة البرية محمد إسماعيل، الذي يرى استحالة عودة الحيوانات المهاجرة إلى البلاد، الشيء الذي يهدد بضياع محمية الدندر كأحد الكنوز الطبيعية التي يذخر بها السودان.
ويشعر إسماعيل الذي تحدث لـ(عاين) بقلق شديد حيال تمدد أعمال القتال نحو حظيرة الدندر، لما يمثله من تهديد كبير لهذه المحمية الطبيعية، الشيء الذي يستوجب المواجهة وإطلاق إنذار مبكر حيال هذه المخاطر، لتفادي مصير محميات أخرى في السودان دمرتها الحروب خلال الخمسة عقود الماضية.
ويقول: “فقد السودان كميات كبيرة من الحيوانات بسبب القتال، ولم تعد مجدداً، والحرب الحالية تشكل تهديداً أكبر على محمية الدندر عن الصراع المسلح السابق، فالحيوانات مهددة بالقتل والصيد الجائر، أو الهروب إلى الدول المجاورة، كما يمكن أن يتغير سلوكها وبيئتها، وهذا أمر خطير ينبغي لفت انتباه واسع بشأنه”.
كنز طبيعي
وتعد حظيرة الدندر أحد أكبر المحميات الطبيعية في أفريقيا، أنشأت في العام 1935م، وهي تمتد على مساحة 10 آلاف كيلومتر في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان على الحدود مع إثيوبيا، ويحيط بها نهرا الدندر والرهد، بجانب العديد من الممرات والبرك المائية، وتمثل موردا سياحيا كبيرا للبلاد.
محمية الدندر تعد واحدة من عشر محميات عالمية مصنفة من محميات المحيط الحيوي، لاحتوائها على ثلاثة نظم بيئية، وعلى أندر سلالات الحيوانات والطيور، وهي غنية بغابات كثيفة.
ووصل الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى مدينة الدندر شرق سنار، ورغم أن هذه المنطقة تبعد عن عمق محمية الدندر الطبيعية، بمسافة يستغرق قطعها نحو 7 ساعات، إلا أن المخاوف حاضرة من تمدد أعمال القتال إلى هناك، خاصة في ظل الرغبة الملحوظة لقوات الدعم السريع في فتح خطوط إمداد عبر الحدود الشرقية.
وتضم مدينة الدندر المطلة على نهر الدندر حديقة كبرى بها حيوانات نادرة كانت تتخذ مزارا من السياح للتعرف على محتويات المحمية الطبيعية، وشهدت هذه المنطقة عمليات قتال ضارية بين الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه، وقوات الدعم السريع خلال الأسبوع الماضي في محاولة كل طرف للسيطرة على المنطقة الاستراتيجية التي تضم جسرا للعبور شرقاً، مما أدى إلى مغادرة جماعية للسكان، ولم يعرف مصير الحيوانات بحديقة المدينة.
وفي ليلة من الأسبوع الماضي تعالت أصوات الرصاص، وظن البعض تجدد المعارك في مدينة الدندر، لكن ناشطين ذكروا أن ضرب النار كان نتيجة محاولات مسلحين من قوات الدعم السريع اصطياد غزالة، بينما أكد قائد متحرك قوات الدعم السريع التي اجتاحت ولاية سنار عبد الرحمن البيشي في مقطع مصور أنهم سيحمون حظيرة الدندر وما بها من حيوانات.
ويقول مدير حديقة السودان للحياة البرية، عثمان صالح في مقابلة مع (عاين): إن”الأخبار الواردة بشأن اقتراب أعمال القتال من محمية الدندر، مزعجة، لأن الحرب ستحدث تأثيرات كارثية على الحياة البرية في الحظيرة، مثلما ظل يحدث منذ سبعينيات القرن الماضي على المحميات الطبيعية في دارفور وإقليم النيل الأزرق، وجنوب السودان قبل الانفصال”.
ويضيف: ” واجهت محمية الدندر مسبقاً مشكلة التوسع السكاني نحوها؛ بسبب الحرب في إقليم النيل الأزرق والجنوب، مما أدى إلى تقليص مساحتها بصورة كبيرة إثر القطع الجائر للأشجار والزراعة والرعي، بجانب الصراع بين الإنسان والحيوانات المفترسة تحديدا، الأمر الذي تسبب في هجرات واسعة إلى الخارج”.
وبحسب صالح، فإن محمية الدندر تعد واحدة من عشر محميات عالمية مصنفة من محميات المحيط الحيوي، لاحتوائها على ثلاثة نظم بيئية، وعلى أندر سلالات الحيوانات والطيور، إذ تضم 27 نوعاً من الثدييات الصغيرة و200 نوع من الطيور و32 نوعاً من الأسماك وغيرها من الزواحف وأنواع مختلفة من البرمائيات، وهي غنية بغابات كثيفة تحتوي على نحو 176 نوعا من الأشجار والأعشاب النباتية والعطرية.
دمار سابق
وتسببت حرب دارفور في تدمير محلية الردوم الطبيعية التي تقع في أقصى غرب ولاية جنوب دارفور، فهربت حيواناتها إلى دول الجوار، بعد أن شهدت ما يشبه الإبادة للغطاء النباتي نتيجة القطع الجائر للأشجار، والصيد الجائر للحيوانات، مما أدى إلى خسائر كبيرة للسودان في الحظيرة الطبيعية، التي غادرتها حيوانات نادرة في هجرة أبدية، وهو مصير يخشى مهتمين تكراره في محمية الدندر التي باتت في مرمى نيران الحرب.
“أصوات الرصاص والمدافع ستؤدي إلى تغيير في سلوك الحيوانات، وتدفعها لمغادرة مناطقها الطبيعية، والحرب البنية التحتية، وكل ما هو مخصص لحماية الحياة البرية والسياحة في حظيرة الدندر”.
مدير الحياة البرية: عثمان صالح
وألحقت أعمال القتال في وقت سابق أضراراً على محمية جبل الداير في ولاية شمال كردفان، وهي متاخمة إلى إقليم جبال النوبة المضطرب، مما قاد إلى تشريد العديد من الحيوانات، وما تزال هذه المحمية تواجه مخاطر كبيرة، ففي أبريل الماضي أطلق ناشطون من المنطقة نداء عبر المنصات الرقمية، قالوا خلاله إن قوات الدعم السريع تحاصر المنطقة من جميع الاتجاهات، وتمنع الغذاء عن السكان الذين لم يجدوا غير سفوح الجبال للاحتماء فيها.
كما تفككت حديقة الحيوان للحياة البرية التي تأسست عام 2021 بمبادرة من مدير حديقة السودان للحياة البرية، عثمان صالح، وعدد من المهتمين في منطقة الباقير جنوبي الخرطوم، لإنقاذ حيوانات نادرة كان يحاصرها الجوع في حظائر في العاصمة، وتم نقل بعض الحيوانات مثل الأسود إلى خارج البلاد، وجرى توزيع أخريات على ولايات السودان الآمنة.
ويرى عثمان صالح، أن “ما حدث لمحمية الردوم يمكن أن نشهده في حظيرة الدندر، ففي ظل غياب سلطات حماية الحياة البرية يمكن حدوث صيد جائر للحيوانات بواسطة المسلحين، وقطع للأشجار، الشيء الذي يقود إلى انقراض حيوانات نادرة وهجرة أخرى للخارج، وهذا يؤدي إلى خلل كبير في النظام البيئي في المحمية”.
ويقول “أصوات الرصاص والمدافع ستؤدي إلى تغيير في سلوك الحيوانات، وتدفعها لمغادرة مناطقها الطبيعية، إلى أماكن آمنة، كما ستدمر الحرب البنية التحتية، وكل ما هو مخصص لحماية الحياة البرية والسياحة في الحظيرة، لذلك يجب لفت الانتباه تجاه هذه المخاطر، والعمل على حماية هذا المورد الهام وحفظه للأجيال القادمة”.