حرب السودان.. هل تنجح سياسة “النفس الطويل؟ (تحليل)
الخبير العسكري محمد خليل الصائم للأناضول: - "الجيش السوداني يعتمد خطة دفاعية لإنهاك العدو واستنزافه وقطع إمداداته العسكرية"
الخرطوم – صقر الجديان
تتسع دائرة القتال في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتنحسر أحيانا حسب المقتضيات العسكرية لكل طرف.
ومنذ اندلاع الاشتباكات منتصف أبريل/ نيسان الماضي، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، انحصر القتال في العاصمة الخرطوم ومدن في كردفان (3ولايات) ودارفور(5 ولايات).
وخلّفت الاشتباكات مئات القتلى وآلاف الجرحى بين المدنيين، بينما تواصل وساطات إقليمية ودولية محاولات التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
** امتدادات المعارك
وبحسب المراقبين فإن القتال في الخرطوم جاء بدافع السيطرة على المواقع الإستراتيجية ومعسكرات ومقار القوات والجسور ومداخل العاصمة الخرطوم.
وأدى هذا الي انتشار الاشتباكات على نطاق واسع في مدن العاصمة الثلاث “الخرطوم وبحري وأم درمان”، باعتبار أن هذه الأهداف العسكرية تتوزع على مساحات واسعة بالعاصمة، حيث أن المواقع التي يتقاتل عليها الطرفان تتوزع في وسط وجنوب وشرق الخرطوم، وشمال وشرق مدينة بحري، وشمال وغرب وجنوب أم درمان.
وهذا الوضع المعقد زاد من حدة المعارك بين الجيش والدعم السريع وجعل تأثيرها وضررها كبيرا على سكان العاصمة الذين فروا بمئات آلاف.
وفي الأيام القليلة الماضية دخل إقليم كردفان بولاياته الثلاث إلى القتال بشكل كبير، وشهدت مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان قتالا عنيفا.
وتمثل مدينة الأبيض بموقعها الإستراتيجي أهمية كبرى للطرفين فهي نقطة عبور إلى ولايات دارفور.
كما تتواجد بها قوات الهجانة التابعة للجيش السوداني وهي قوات ذات قتالية عالية، ودخلت في معارك مع قوات الدعم السريع التي تهاجم المدينة مرارا بغرض السيطرة عليها.
وبالإضافة إلى ذلك، شهدت مدن الرهد بشمال كردفان والدبيبات بولاية جنوب كردفان اشتباكات بين الطرفين.
إلا أن القتال في دارفور غربي السودان يبدو أخطر وأعنف، ويعود ذلك إلى أن الإقليم في الأساس يعاني من اضطرابات أمنية.
يضاف إلى ذلك أن لدارفور تاريخ طويل من القتال القبلي الذي يعود بالأساس إلى انتشار السلاح لدى قبائل الإقليم الذي تتصارع على الموارد الشحيحة فيه.
وبحسب المتابعين فإن القتال بين الجيش والدعم السريع أجج الصراع القبلي في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، التي شهدت معارك خلال الأيام الماضية سقط خلالها مئات القتلى والجرحى، ونزوح كبير من المدينة القريبة من الحدود التشادية، بحسب التقارير الإعلامية.
ولم تسلم مدن دارفور الأخرى من القتال فشهدت مدن “الفاشر” و”طويلة” و”كتم” بولاية شمال دارفور، ونيالا في جنوب دارفور معارك متفرقة وقابلة للانتقال إلى مناطق أخرى بشكل كبير في الإقليم.
وتكمن أهمية الإقليم بأنه يربط البلاد مع 4 دول “ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان”.
وبحسب تقديرات غير رسمية يبلغ عدد أفراد الجيش السوداني حوالي 105 آلاف جندي فاعل، ونحو 85 ألف جندي في قوات الاحتياط، فيما تقدر قوات الدعم السريع بأكثر من 100 ألف مقاتل.
ومنذ اندلاع القتال شاركت القوات الجوية السودانية في القتال بفعالية حيث يقدر عدد الطيارات الحربية التي يمتلكها الجيش بحوالي 191 طائرة حربية من بينها 46 مقاتلة، بالإضافة إلى 81 طائرة هجومية و23 طائرة شحن عسكري، و11 طائرة تدريب.
في المقابل يعتمد الدعم السريع على قواته التي تتحرك على سيارات الدفع الرباعي والتي تقدر بنحو 10 آلاف سيارة، مزودة بأسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة ومضادات للطائرات.
*حرب النفس الطويل:
يرى الخبير العسكري محمد خليل الصائم، أن الجيش السوداني “يعتمد خطة دفاعية لإنهاك العدو واستنزافه وقطع إمداداته العسكرية، ويحاول تجنيب البلاد أقل الخسائر خاصة وأن قوات الدعم السريع تحتمي بمنازل المواطنين، والمنشآت الحيوية داخل العاصمة الخرطوم”.
وأوضح الصائم في حديثه للأناضول، أن “الجيش السوداني ينفذ خططا حربية أساسها – النفس الطويل- لهزيمة ودحر العدو وطرده خارج العاصمة.”
وأضاف أن “قوات الدعم السريع ليس لديها استراتيجيات وتكتيكات في الحرب لفقدانها العقيدة القتالية، وتعتمد بشكل أساسي على النهب والسلب وتخريب منشآت ومؤسسات الدولة”.
وأشار الصائم إلى أن الدعم السريع “مجرد أداة لتنفيذ مخططات خارجية تقودها روسيا، ومرتزقة فاغنر، لتخريب البلاد ونهب مواردها”.
وبشأن مستقبل المعارك العسكرية في البلاد، يرى الخبير العسكري الصائم، “إمكانية استمرار الحرب، باعتبار أن الجيش السوداني لا يسعى إلى تدمير البلاد باستخدام الأسلحة المدمرة والفتاكة، خاصة وأن الحرب تدور داخل المدن والأحياء السكنية”.
** لا منتصر:
يقول الخبير الأمني والعسكري، الرشيد الطيب: “لا يبدو أن الجيش ولا قوات الدعم السريع، لديهما القدرة العسكرية لحسم المعركة على أرض الميدان.”
وذكر الطيب في حديثه للأناضول، “الجيش السوداني رغم الخبرة العسكرية الطويلة، لكنه تعرض للإنهاك وعدم التسليح المتطور مع سبق الإصرار والترصد من قبل الرئيس المعزول عمر البشير (1989-2019)، لصالح تمكين مليشيا قوات الدعم السريع لضمان حمايته الشخصية من أي خيانة ضد داخل صفوف الجيش.”
وأضاف: “الجيش لديه استراتيجيات وتكتيكات حرب، لكنها بدون جدوى باعتبار أن المعارك تدور داخل المدن والأحياء السكنية، ما يعرض المواطنين إلى القتل وتدمير مساكنهم.”
وأوضح أن “قوات الدعم السريع، تعتمد على الفر والكر وأسلوب المباغتة في الهجوم على قوات الجيش السوداني، دون استراتيجيات علمية أو تكتيكات مدروسة”.
وتابع: “في ظل مجريات الأحداث على الأرض، واضح ان لا حل عسكريا للأزمة السودانية طالما أن جوهرها سياسي. كما أن الطرفين ومنذ أول أسبوع من اندلاع المعارك وافقا على الجلوس إلى طاولة التفاوض، ونجحت الجهود الدولية والإقليمية في إقامة منبر جدة كمدخل لحل الأزمة”.
وأردف” كما هو متعارف في الحروب والداخلية منها بالأخص، إنها ومهما تطاول أمدها ستنتهي بالتفاوض”.
وترعى السعودية والولايات المتحدة منذ 6 مايو/ أيار الماضي محادثات بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” أسفرت في 11 من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين، وإعلان أكثر من هدنة وقع خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين المتصارعين، ما دفع الرياض وواشنطن لتعليق المفاوضات.