أخبار السياسة المحلية

حسابات سياسية وعرقية تعيق نجاح ملف الترتيبات الأمنية في دارفور

البرهان ينشّط الملف الأمني لتثبيت تحالفاته مع الحركات المسلحة.

الخرطوم – صقر الجديان

في ظل الخلافات التي تعصف بالمكون المدني في السودان وحالة الانقسام التي تغلب على تصوراتهم لسبل حل الأزمة السياسية، يعمل قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على عدة جبهات لتثبيت تحالفاته الداخلية وتلميع صورته في الخارج.

يعمل مجلس السيادة السوداني على ضخ دماء جديدة في شرايين ملف الترتيبات الأمنية في دارفور الذي يمثل مدخلا حيويا لتحسين صورته في الداخل والخارج، بينما تنهمك القوى السياسية بالسودان في مظاهرات بالشارع والتشكيك في مبادرة الأمم المتحدة وعدم التوافق حول أجندة محددة لحلحلة الأزمة السودانية التي تزداد تعقيدا.

وبدأ المكون العسكري يبني سياسيا على نتائج الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) وعدد من قادة الحركات المسلحة في مدنية الفاشر بدارفور، الأربعاء.

وجرى توظيف الخطوة كعلامة من قبل الموقعين على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020 لتأكيد رغبتهم في توفير الهدوء والأمن والاستقرار داخل إقليم دارفور، الذي شهد توترات الفترة الماضية شككت في شروع مجلس السيادة تنفيذ بند الترتيبات الأمنية التي يراها كثيرون عنصرا مهما لمنع الانفلات في غرب البلاد.

وكانت الأجواء العامة في السودان وتداعيات الأزمة السياسية تشير إلى صعوبة التطرق إلى قضية الترتيبات الأمنية في دارفور لما يكتنفها من تعقيدات عسكرية، غير أن اجتماع الفاشر الأخير خرج من رحم هذه المعاناة لأن قادة الجيش والحركات المسلحة أرادوا تثبيت تحالفهم الذي تزايدت ملامحه بتنشيط هذا الملف.

وجاء الاجتماع المشترك الأخير حاملا رغبة الأطراف المعنية في تنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية في اتفاقية جوبا للسلام التي نصت على تشكيل قوات مشتركة تحت اسم (القوى الوطنية لاستدامة السلام في دارفور) مهمتها حفظ الأمن وحماية المدنيين ونزع السلاح في الإقليم.

وتتكون هذه القوات من عناصر تنتمي إلى الجيش والشرطة وقوات الدعم السريع، وقوات من الحركات المسلحة، وتحصل على دعم لوجيستي وتسهيلات من بعثة حفظ السلام الدولية لسد الثغرات التي يمكن أن تفتح الباب لاستمرار الصراعات في دارفور.

ويبدو هذا الاتجاه مريحا لمجلس السيادة والحركات المسلحة معا، ويؤكد أن التقارب بين قادة الفصائل المسلحة والمؤسسة العسكرية له انعكاسات إيجابية على المناطق التي لا تزال تشهد توترات ويوفر دعما نوعيا لكليهما.

ويدعم تحركات البرهان ونائبه حميدتي في مجال تحسين الأوضاع في أقاليم الهامش دون الحاجة إلى وجود حكومة تديرها قوى مدنية مناكفة، والتي يمكن أن يحملها تدشين ملف الترتيبات الأمنية ونجاحه جزءا من مسؤولية التقاعس السابق، وربما تتحمل الجانب الأكبر في عدم تقدم هذا الملف طوال الفترة الماضية.

وأراد اجتماع الفاشر قبل أيام تعزيز الخطوات التي يقوم بها البرهان منفردا أو مع حلفائه الجدد، والإيحاء بأن الحكومة المدنية التي رأسها عبدالله حمدوك وكانت مدعومة من قوى الحرية والتغيير لم تفعل شيئا في أكثر القضايا أهمية، وهي الترتيبات الأمنية التي ظلت معلقة ومعطلة منذ التوقيع على اتفاق جوبا، وينتظر تطبيقها سكان دارفور باعتبارها الباب الذي يمكن أن يقوض الكثير من التوترات.

ملف الترتيبات الأمنية في دارفور يمثل مدخلا حيويا لتحسين صورة قائد الجيش السوداني في الداخل والخارج

وتتجاوز أهمية الترتيبات النواحي الأمنية المباشرة لأن تنفيذها يمثل إشارة كبيرة على طي الصفحة القاتمة التي شهدت معارك وجرائم حرب خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، ويفتح المجال نحو البدء في غلق ملف المظالم التي يريد سكان الإقليم تعويضات بشأنها، ويمنع تجاوز بعض الميليشيات التي لا تزال تنشط في دارفور.

ويحمل الاقتراب جديا من ملف الترتيبات مكاسب عديدة إذا تم تنفيذها بصورة صحيحة، حيث ينهي ظاهرة الحركات المسلحة التي تحتفظ بمعداتها العسكرية حتى الآن، في ظل استمرار الهواجس حيال نوايا القيادة المركزية في الخرطوم، ويوفر لمناطق الهامش أملا بأن الثورة على نظام البشير أخذت تجلب بشائر لهم عقب فترة من التجاذبات شككت في إمكانية تغيير الأوضاع.

وإذا كان مجلس السيادة الانتقالي وقادة الحركات المسلحة عازمين على تطبيق الترتيبات الأمنية بطريقة شاملة، من الضروري أن يتم الإعلان سريعا عن البدء في تنفيذ بنودها كاملة كي لا يتحول التطور الأخير إلى خطوة تكتيكية مهمتها التلويح بأن مجلس السيادة في غياب القوى المدنية قادر على حل الأزمات المستعصية.

وتكمن التحديات التي تواجه استكمال الترتيبات الأمنية في توسيع أطر السلام واستيعاب متطلباته، فهناك حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور النشطة في دارفور لم تنضم إلى قوافله، ما يقلل من أي نجاحات يمكن أن تتحقق على الأرض مع وجود عناصر هذه الحركة بعيدا عن عملية السلام.

ويخفف تشكيل القوات الأمنية المشتركة وممارسة دورها فعليا المنغصات التي تتسبب فيها الميليشيات التابعة لقبائل معينة، عربية وأفريقية، في إقليم دارفور، والتي يحملها الكثير من السكان مسؤولية التوترات التي تنشب في الإقليم من وقت إلى آخر.

ويحتاج الأمن والاستقرار في دارفور وغيره من أقاليم السودان إلى إنهاء إشكاليات الحركات المسلحة والكف عن وجود السلاح خارج نطاق المؤسسات النظامية التابعة لجهازي الجيش والشرطة، لأن استمرار وجود السلاح في يد جماعات وحركات وفصائل غير نظامية يكفي لتعطيل الكثير من المسارات السياسية في السودان.

الاقتراب جديا من ملف الترتيبات يحمل مكاسب عديدة إذا تم تنفيذها بصورة صحيحة

ويعد غلق ملف الترتيبات الأمنية مهما جدا لمجلس السيادة، لأنه يجري اتخاذه كدليل على رغبته في التهدئة ويصلح للقياس عليه في قدرته على مدى الالتزام بالمواثيق والعهود الموقعة، فبعد خرق البرهان لبنود عدة في الوثيقة الدستورية التي تدار بها الفترة الانتقالية تعرضت الثقة فيه والمؤسسة العسكرية للاهتزاز.

ويوفر التركيز عليه جانبا من الهدوء المطلوب لمجلس السيادة ويجعله يتفرغ لمعركته مع قوى الحرية والتغيير التي أصبح التفوق فيها يتم من خلال تسجيل النقاط، وكلما قطع شوطا كبيرا في ملف الترتيبات الأمنية اكتسب مساحة من الثقة في تصوراته.

وتأتي أهمية النجاح الذي يمكن أن يتحقق من تخفيف حدة الضغوط الخارجية النابعة من اتهامات للشق العسكري في مجلس السيادة بسعيه الدائم للاستئثار بالسلطة في السودان وتنحية القوى المدنية.

ويقول مراقبون إن التعامل مع ملف الترتيبات الأمنية بشكل تكتيكي وعدم الوصول إلى نتائج فعلية تقنع الحركات المسلحة والمواطنين في دارفور بجدواه سوف يتحول إلى نقطة ضعف ويقلل من رصيد الجيش الذي يسعى إلى زيادته في خزانته السياسية.

ويضيف المراقبون أن انكسار المعادلة التي يريد قادة الجيش تشييدها في الإقليم ستكون لها ارتدادات على مكانته في كافة ربوع البلاد التي يعمل على ترميمها منذ محاولة الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي، وقد نجحت مرة وأخفقت مرات، وهو ما يفرض عليه أهمية تخطي العقبات المتناثرة في ملف الترتيبات الأمنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى