خبير: الحرب بالسودان تختلف عن سابقاتها وثمة أزمة صحية (مقابلة)
متحدث الخارجية السودانية السابق، الخبير الإعلامي العبيد أحمد مروح، بحديث للأناضول: الحرب الحالية مختلفة لأن المدنيين باتوا طرفا فيها بعد احتلال منازلهم والأعيان المدنية
وكالات – صقر الجديان
حذر متحدث الخارجية السودانية السابق، العبيد أحمد مروح، من أزمة صحية وغذائية تهدد بلاده جراء استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل/ نيسان 2023، مشيرا إلى أن الصراع الحالي في البلاد يختلف عن سابقيه.
جاء ذلك في مقابلة نشرتها وكالة الأناضول مع مروح، وهو خبير إعلامي، بشأن تداعيات الحرب بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، دون أن تفلح وساطات عربية وإقليمية بوضع حل سلمي لها.
ومشيرا إلى اختلاف الحرب الحالية عن الصراعات السابقة بالسودان بـ”دخول المدنيين طرفا أساسيا في النزاع عبر احتلال منازلهم ومرافقهم العامة”، نبّه مروح إلى أن وساطات الحلول الخارجية يمكن أن تنجح بشرط “الحياد والفهم العميق لطبيعة الصراع”.
حرب مختلفة
وقال مروح إن “الحرب التي اندلعت في السودان منتصف أبريل 2023 قلبت حياة الناس رأسا على عقب، خاصة سكان ولايات الخرطوم والجزيرة (وسط) وولايات دارفور الخمس (غرب) وهي الولايات التي تأثر سكانها بالحرب بشكل مباشر”.
وأرجع المسؤول السابق ذلك إلى أن الحرب الأخيرة مختلفة عن جميع سابقاتها التي شهدتها السودان، “ليس لأنها جاءت مفاجئة لهم فحسب وإنما أيضاً لكونها طالت المدنيين بشكل مباشر وغير مباشر”.
ولفت إلى أن “القوات التي تمردت (الدعم السريع) تعمدت احتلال منازل المدنيين والأعيان المدنية من مستشفيات وجامعات ووزارات وأجبرت الكثير من السودانيين على مغادرة منازلهم دون أن يحملوا معهم شيئا، ومَن رفض كان جزاءه الضرب وأحياناً القتل، ولذلك اضطر كثيرون إلى النزوح أو اللجوء”.
وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأن حرب السودان جعلت نحو 25 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، بينهم حوالي 14 مليون طفل.
وفي هذا الصدد، بيّن مروح أن “الأطفال كانوا من الفئات الأكثر تأثراً بالحرب، فقد أجبروا على مرافقة النازحين أو اللاجئين من أهلهم وعاشوا حياة من الرعب والهلع بسبب القتال الذي يدور فوق رؤوسهم، وكان بعضهم من ضحاياه”.
و”فقد كثير من الأطفال حياتهم بسبب المرض أو الجوع خلال رحلة النزوح أو اللجوء، وفقدوا فوق ذلك حقهم في تلقي التعليم بسبب استمرار القتال لأكثر من عشرة أشهر”، يضيف مروح.
نزوح واسع
وبشأن تأثير نزوح نحو 9 ملايين سوداني داخلياً، جراء الصراع، وفق تقديرات غير رسمية، قال إنه “خلال الشهرين الأولين للحرب، كان التأثير السلبي للنزوح محدوداً، ولم تضطر الدولة ومنظمات العون الإنساني إلى إقامة معسكرات في المناطق التي نزح إليها بعض سكان ولاية الخرطوم”.
وأوضح أن “الغالبية العظمى ممن نزحوا خلال هذه الفترة إما أنهم التحقوا بأقربائهم في المدن والمناطق التي نزحوا إليها أو أنه كان بوسعهم استئجار منازل والإقامة فيها”.
واستدرك: “لكن الحال بدأ يتبدل بمرور الوقت وتطاول أمد الحرب ووصول مجموعات جديدة من النازحين كانوا قد بقوا في منازلهم، فازدادت الأعباء على المجتمعات المضيفة واضطر القادرون على العمل من الرجال والنساء للبحث عن عمل ومصادر دخل وتركوا أسرهم في سبيل ذلك”.
وأكد أن “هذا الأمر بمجمله أثر سلباً على تماسك المجتمع واستقراره وهو أمر يزداد كلما زاد أمد الحرب”.
مخيف ومزعج
وتتحدث الأرقام غير الرسمية أيضا عن عدم قدرة أكثر من 20 مليون طفل على الانتقال إلى المدارس، وهو ما يصفه متحدث الخارجية السابق بأنه “أمر مخيف ومزعج إلى حد بعيد”.
وأوضح أن ذلك الأمر ستكون له آثار سلبية على المديين المتوسط والطويل، سواء على الأطفال الذين فقدوا حقهم في مواصلة التعليم أو على أسرهم أو على المجتمع والدولة.
وأشار إلى أن “المشكلة التي ستواجه هذه الفئة الضعيفة من المجتمع هي مشكلة مركبة، فالحرب لها آثار نفسية سيئة على الأطفال، وحين تتوقف ويجدوا أن مدارسهم وجامعاتهم قد لحقها التدمير فسوف تتعمق الآثار النفسية السلبية”.
أزمة صحة وغذاء
الوصول إلى الرعاية الصحية في السودان في ظل الصراع الحالي يراه مروح “أمرا صعبا”، وذكر أن عدم توفر الرعاية الصحية للكثيرين، أو محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية، فاقم من الأوضاع الصحية الهشة لقطاعات واسعة من السودانيين.
وأضاف: “تسببت الحرب في تضاؤل الخدمات المقدمة إما بسبب احتلال الدعم السريع للعديد من المستشفيات أو بسبب هجرة الكوادر الطبية، وما زالت هذه الأزمة تزداد خاصة وقد أضيف لها ندرة الأدوية بعد أن تمّ نهب المخازن الرئيسية في ولاية الخرطوم وسرقة الصيدليات”.
كما تشير تقديرات غير رسمية، بأن الأمن الغذائي بالسودان، يشهد أزمة لنحو 37 بالمئة من السكان، أي حوالي 17.7 مليون شخص، يعانون من الجوع الحاد.
مروح أكد بهذا الصدد، أن “الأمن الغذائي في السودان أصبح مهدداً بشكل أخطر، على خلفية وصول قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة (بها أكبر مشروع زراعي بالبلاد) واحتلال عاصمتها وعدداً من المدن الصغرى والقرى، وبسبب نهبها مخازن الغذاء أصبح المزارعون غير قادرين على مواصلة نشاطهم وبالتالي الإنتاج”.
ومنذ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023 سيطرت “الدعم السريع” على عدة مدن بولاية الجزيرة بينها مركزها مدينة ود مدني المتاخمة للخرطوم من الجنوب، وتعد ذات كثافة سكانية عالية، وكانت قِبلة للنازحين من القتال في العاصمة.
وتابع: “بسبب الحرب أيضاً لم تتمكن المنظمات الإنسانية من الوصول إلى كل المحتاجين وبالتالي تقديم الحد الأدنى من العون الغذائي، وقد ثبت بالفعل أن هناك مَن ماتوا بسبب الجوع”.
تحد كبير
وبشأن جهود المنظمات الطوعية بمواجهة الأزمة، أجاب: “يجب أن نقر أولاً أن الظروف التي تعمل فيها منظمات العمل الإنساني غير مواتية، فطبيعة الحرب التي تشنها قوات الدعم السريع لا تراعي الجوانب الإنسانية ولا حقوق المدنيين”.
وأضاف: “حدّ ذلك من قدرة المنظمات على الوصول إلى المحتاجين، فضلاً عن أن الميزانيات التي رصدها المانحون والمجتمع الدولي لتوفير الغذاء في السودان أقل من الاحتياج الفعلي ولم يتم الوفاء بها كلها”.
وتابع: “هذه الأمور وغيرها من شأنها أن تفاقم من الأزمة الإنسانية خاصة وأن الدول المؤثرة في العالم أصبحت منشغلة بحروب أخرى استجدت في العالم والمنطقة”.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023 يشهد قطاع غزة حربا إسرائيلية خلفت آلاف الضحايا والمصابين، بينما تشهد منطقة البحر الأحمر أزمة ملاحية حادة مع منع الحوثيين مرور سفن دعما للقطاع، فضلا عن المواجهات اليومية بين “حزب الله” اللبناني والجيش الإسرائيلي على الحدود.
وحول استجابة دول جوار السودان والمجتمع الدولي لأزمات تدفق اللاجئين السودانيين، أجاب مروح: “البلدان المجاورة لديها من الأزمات ما يكفيها، ومع ذلك أضيفت إليها أزمة اللاجئين من السودان”.
وأضاف: “تعاملت أغلب هذه الدول بشكل معهود مع تدفق اللاجئين وأتاحت للمنظمات الإنسانية الوصول إليهم وتقديم العون العاجل، لكن مع استمرار تدفق اللاجئين وضعف العون الدولي المقدم أضحت بعض هذه الدول تحاول الحد من دخول السودانيين إليها”.
وأردف: “يبقى التحدي الأكبر هو حصر اللاجئين بشكل دقيق وتهيئة الظروف المناسبة لإقامتهم سواء في معسكرات منفصلة أو مع المجتمعات المضيفة بغرض تقديم الخدمات الأساسية لهم وبالتحديد العلاج والتعليم، مع رصد ميزانيات تفي بذلك”.
دور منتظر
وبشأن المنتظر من المجتمع الدولي تجاه السودان، قال إن “الدبلوماسية والمجتمع الدولي يمكن أن يلعبا دورا مهما في وقف الصراع عن طريق الوصول لحلول مستدامة”.
وأضاف: “كما يمكن لهما أن يلعبا دوراً فاعلاً في جهود الإعمار، لكن ذلك كله لن يتأتى ما لم تستوعب الأطراف التي تقوم بأدوار الوساطة طبيعة الصراع بشكل عميق، وتلتزم جانب الحياد في الأزمة القائمة”.
وطالب أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطاُ على تلك الدول التي دعمت “التمرد”، مؤكدا أن “جهود الإعمار يمكن أن تجري بسهولة نسبيا لكون السودان من البلاد ذات الموارد المتعددة والثروات الضخمة”.
وتابع: “بإمكان السودان أن يدخل في شراكات استراتيجية بعد الحرب مع الدول ذات السمعة الجيدة في مجال الإعمار وفقاً لخطط واضحة وبالتالي يمكن ألا يستغرق إعادة الإعمار وقتاً طويلا”.
ولم تتمكن مفاوضات رعتها السعودية والولايات المتحدة في مدينة جدة خلال الفترة الماضية، بين الجيش و”الدعم السريع”، من إحراز اختراق يقود لوقف الحرب التي دخلت شهرها الحادي عشر.
كما لم تنجح مساع إفريقية تقودها الهيئة الحكومية للتنمية شرق إفريقيا “إيغاد” بالجمع بين البرهان و”حميدتي”، تمهيدا لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات للمحتاجين بالسودان.