أخبار السياسة العالمية

“خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى “ثورة الملك و الشعب”، خطاب يمزج بين قوة التشخيص و القدرة على ابتكار الحلول الناجعة”.

الرباط – صقر الجديان

ماتزال المملكة المغربية تعيش إمتدادات ثورة الملك و الشعب، منذ 20 غشت من سنة 1953، بنفس روح التضحية وفلسفة التضامن و نكران الذات من أجل مغرب مستقل و موحد، ومازال مغرب اليوم مستمرا في العمل على تجديد وطن يتقدم و يزدهر رغم الاكراهات و المعيقات و التحديات الداخلية و الخارجية على وجه الخصوص.

إن العهد والبيعة على الولاء والوفاء الذي يجمع المغاربة بالعرش العلوي الشريف يتجدد عند كل احتفال بثورة الأجداد من أجل الاستقلال والكرامة في كل 20 غشت من كل سنة، و إن هذا لعمري ليعضد من لحمة الوطن و يعزز من قيم الجسد الواحد المتراص، العصي على الاختراق و التعدي و الاستلاب، و هذا ما عهد على المغاربة الأحرار الذين يتشبتون بأهداب العرش كثابت من ثوابت الامة لا حياد عنه و لا مناص.

و عليه فإن كل الإنجازات التي حققتها المملكة المغربية في عهد الملك محمد السادس، ما كانت لتبرز لولا قوة هذه اللُحمة الوطنية ووحدة الجبهة الداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة داخليا و خارجيا و بمختلف شرائحهم و على مختلف الأصعدة سواء في مجالات التنمية أو التصدي لمناورات الأعداء، خاصة في نا يتعلق بملف الصحراء المغربية الذي يعد القضية الأولى للمغرب، ملكا و حكومة و شعبا.

وهذا ما أكده خطاب الذكرى 69 لثورة الملك و الشعب الذي بث يوم أمس، إذ اعتبر جلالة الملك ان اللحمة الوطنية تمثل حجر الزاوية الأساس في الدفاع عن مغربية الصحراء، بل و تعزز بقوة ما تعرفه هذه القضية من ديناميكية متصاعدة، تميزت مؤخرا باعترافات دول وازنة دوليا كالولايات المتحدة الامريكية، ومحور الدول الصديقة و الشريكة التقليدية للمغرب في كل من أوروبا و أمريكا اللاتينية و إفريقيا، زيادة على دول عربية شقيقة، بادرت لافتتاح قنصليات أو لتوسيع اختصاصات العمل القنصلي التابع لسفاراتها في كل من العيون و الداخلة وباقي الجنوب المغربي.

و إن جلالة الملك في خطابه ليوجه رسالة جديدة و مباشرة و لا تقبل تأويلات متعددة، تتمثل في اعتبار ملف الصحراء النًظًارة التي ينظر بها المغرب و المغاربة قاطبة للعالم، بل إنها الحجر الأساس في ربط علاقات دولية متينة و متوازنة، كما ان هذه القضية هي الرائز الأبرز و المعيار الواضح الذي يقيس به المغرب نجاعة شراكاته دوليا و قاريا و حتى إقليميا، و ما على الدول التي تتبنى مواقف ضبابية في هذا الأمر إلا مراجعة مواقفها، فمغربية الصحراء لا تقبل تعدد المواقف الغير مجدية و التي لا تصب في صالح علاقات طبيعية و متطورة مع المغرب.

ولأن قضية الصحراء المغربية هي قضية كل المغاربة أينما كانوا، فقد حرص جلالة الملك على توجيه تحية إشادة و تقدير وتنويه بالخمسة ملايين من مغاربة العالم الذين يتواجدون في القارات الخمس، لدورهم المقدر و الفعال في الدفاع عن ملف الوحدة الترابية للمملكة بدول الإقامة، انطلاقا من مختلف مراكزهم و مواقعهم المهنية و الاجتماعية التي يتبوؤونها و التي أبانوا من خلالها عن علو كعبهم و عن رفعة مقامهم في تمثيل المغرب و الذود عن مقدساته و ثوابته.

فإشادة جلالته بأداء الجالية المغربية في مجال الدفاع عن المقدسات الوطنية وخدمة المصالح العليا للمملكة المغربية قد رفعت الارتباط القوي لمغاربة العالم بالوطن إلى مرتبة كبيرة و مستحسنة لدى جلالته، و هو ما يعكس قوة الروابط الإنسانية المتوارثة عن الجيل الأول من المهاجرين إلى الأجيال الجديدة و اللاحقة منها.

لقد عودنا جلالته في كل خطاباته على قوة فائقة في التشخيص وعُـمق كبير و عين فاحصة في قراءة الاحداث و المعطيات الحالية و استشراف مٱلاتها في السنوات القادمة، لذلك نجد في “خطاب ثورة الملك و الشعب” لسنة 2022 دعوة إلى إعادة قراءة تراكمات سنوات من تدبير ملفات مغاربة العالم، و دعوة لإنتاج أسئلة جديدة تتمحور حول انتظارات مغاربة العالم، و ملفات الهوية و التأطير الديني، والسياسات العمومية والإطار التشريعي، وملف الاستثمار والمساطر الادارية و غيرها من الإهتمامات المتعددة التي تشغل بال ابناء الجالية المغربية في الخارج، و تحث كل المكونات السياسية و الإدارية على تيسيرها و تذليل الصعاب التي تواجه الجالية، سواء تعلق الأمر بتحيين الترسانة القانونية أو تبسيط المساطر الإدارية.

إن الملك في خطابه يجدد تأكيده ان مغاربة العالـم شركاء أساسيون في الدفاع عن مغربية الصحراء وفي مسار تنمية البلاد بشكل عام، على اعتبار أنها خزان قوي لكفاءات عالمية مشهود بها في مختلف الاختصاصات، العلمية والاقتصادية والسياسية و الثقافية و الرياضية، الشيء الذي يفرض العمل على توفير الظروف و الإمكانات اللازمة من أجل تمكينها من سبل الإبداع و العمل و المساهمة بشكل فعال و مباشر في خلق فرص الشغل في وطنهم الأم.

إن دعوة جلالة الملك المتجددة إلى إقامة علاقة هيكلية دائمة مع الكفاءات بالخارج، و إلى ضرورة إحداث آلية خاصة لمواكبة ودعم مبادرات ومشاريع تلك الكفاءات، ودعوة الشباب وحاملي المشاريع من مغاربة العالم إلى الاستفادة من ميزات و تحفيزات ميثاق الاستثمار الجديد، ليدعو إلى وجوب اعتماد آليات الاحتضان والمواكبة والشراكة من قبل قطاع المال والأعمال الوطني كما أشار جلالته، و هو ما يستدعي المسارعة من أجل تنزيل هذه التوجيهات على أرض الواقع بما من شانه ضخ ثقة أبناء الجالية في مؤسسات بلدهم التي تعمل بدورها من اجل حوكمة أكبر لمختلف المساطر و تسعى للرفع من الفعالية و التكامل.

إنه لمن الفخر أن يرى المرء جالية مغربية تبصم على حضورها القوي و الإيجابي في كل الملفات المفصلية للوطن الام، سواء في الشق الاجتماعي التضامني، خاصة في زمن “كوفيد-19″، او في الشق الاقتصادي و الإنمائي من خلال أرقام غير مسبوقة من التحويلات والاستثمارات إلى المغرب، أو من خلال الشق الوطني والدفاع عن المقدسات الوطنية و الترابية في كل المحافل و الساحات العمومية بدول الإقامة، وهو ما استحق شرف الإشادة والاهتمام الملكي بفئة مغاربة العالم التي وصفها بالعزيزة و الغالية. رضا الحالم التيجاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى