مظاهرات في إقليم درافور غرب السودان رافضة للتدخل الفرنسي في الإقليم
دارفور ينتفض ضد التدخل الفرنسي في شؤونه الداخلية اقتداءا بمالي وتشاد والجزائر وبوركينافاسو
الخرطوم – صقر الجديان
إن السياسة التي تحاول فرنسا الآن ممارستها في إقليم دارفور هي نفسها تلك التي مارستها من قبل في دول غرب وشمال إفريقيا التي كانت مستعمرات سابقة لها، حيث فرضت علي 12 دول إفريقية عملة الفرنك الإفريقي بحيث صارت فرنسا تتحكم في اقتصادات هذه الدول بشروط التبعية النقدية التي تفرضها على عملتهم الفرنك كنوع من العبودية النقدية.
كما اشترطت عليهم طبع الفرنك الأفريقي فقط في فرنسا وفرضت عليهم ربط الفرنك الأفريقي باليورو مما جعل هذه الدول لا تملك حق التدخل في سعر صرف عملتها وحتى صادراتها ووارداتها أصبحت مرتبطة بفرنسا.
وعلى الصعيد الثقافي والإقتصادي تبنت فرنسا في مستعمراتها القديمة سياسة الغزو الثقافي وطمس الهوية عن طريق دعم وإدماج تعليم اللغة الفرنسية في النظام التعليمي لها، وتهيئة أجيال فرنكوفونية متبنية للحضارة الفرنسية الإمبريالية.
ولكن مؤخراً بدأ النفوذ الفرنسي يتقلص في القارة الإفريقية بشكل كبير، وصار تواجد فرنسا في إفريقيا غير مرحب به، فالكل يعلم أنها المسؤولة الوحيدة عن نهب ثروات القارة السمراء، وخاصة المستعمرات القديمة لها، فبعد أن تم طردها من مالي، هاهي تشاد تنتفض ضد التدخل الفرنسي في شؤونها الداخلية عبر مظاهرات حملت شعار “فرنسا تسرق خيرات بلادنا” وبوركينافاسو أيضا شهدت العام المقبل مظاهرات شعبية كبيرة تحت شعار “نريد خروج فرنسا”، وكذلك الجزائر التي شهدت رفضاً واسعاً من قبل الشعب الجزائري لزيارة ماكرون لها، حيث ردد الشعب الجزائري أثناء تواجد ماكرون، في شوارع مدينة وهران عبارات رافضة لوجوده ومطالبة برحيله عن الجزائر، ومطالبة أيضاً بوقف نهب ثروات الوطن، ومن هنا نستنتج أن الدور الفرنسي في إفريقيا انتهي ولن تقوم له قائمة بعد الآن.
فبعد أن تقطعت السبل بفرنسا في القارة السمراء، أعلن رئيسها منذ أيام أن البلاد مقبلة علي أزمة اقتصادية كبيرة وأنه علي الشعب الفرنسي أن ينسي الترف الذي كان يعيشه من قبل، لذا أصبح من الضروري لفرنسا البحث عن موارد أخري في إفريقيا لتغطية العجز الإقتصادي الذي تعاني منه، وعليه تم التركيز الآن علي السودان وخصوصاً علي إقليم دارفور الذي هو بدوره يشهد الآن مظاهرات عارمة ضد السياسة الإستعمارية التي تريد فرنسا ممارستها في المنطقة، وذلك بإدماجها تعليم اللغة الفرنسية في النظام التعليمي للإقليم في محاولة لتشكيل حاضنة فرنكوفونية لها هناك ومن ثم طمس هوية وقيم المجتمع الدارفوري وتهيئته لتقبل الثقافة والحضارة الفرنسية.
ويعد السبب الثاني الذي دعا الشعب الدارفوري إلي الخروج هو سياسة فرض عملة الفرنك الإفريقي علي إقليم دارفور مقابل تقديم دعم مالي له وبناء مستشفيات ومدارس فيه، وهي كما قلنا سابقا سياسة تهدف لفرض تبعية اقتصادية على الإقليم ونهب ثرواته.
وقد علق المحلل السياسي عبد الحميد محمد نور، على هذه السياسة التي يريد الإيليزية تطبيقها في السودان قائلاً أن سياسة دمج اللغة الفرنسية في التعليم هي سياسة كانت قد مارستها فرنسا من قبل في عدة دول إفريقية لغزوها ثقافياً وإنشاء حاضنة اجتماعية فرنكوفونية لها في هذه الدول، وهي
وسيلة من وسائل التأثير علي الأجيال الصاعدة وغسل عقولهم بنزع روح الوطنية منهم وغرس القيم الفرنسية فيهم، وبالتالي تهيئتهم لتقبل الحضارة
والثقافة الفرنسية والتخلي عن مبادءهم وقيمهم الوطنية، وكل هذا يصب في مصلحة فرنسا، فسيأتي اليوم الذي ستستخدم فيه هذه الأجيال للتحكم في السلطة في هذه الدول.
وأما بالنسبة لممارستها سياسة التبعية الإقتصادية علي إقليم دارفور من خلال العرض المشروط الذي قدمته لمساعدته والذي ينص على فرض عملة جديدة في هذا الإقليم والمعروفة بالفرنك، الذي تتعامل به دول الجماعة المالية الإفريقية مقابل بناء مستشفيات ومدارس ومنشآت مدنية أخري، فيرى المحلل السياسي عبد الحميد، أنها من خلال هذا فهي تسعى لوضع يدها علي هذا الإقليم بالذات لما يعانيه من تشتت وانفلات أمني كبير جراء الصراعات الطويلة الأمد التي مر بها، وبالتالي فالهدف واضح وهو التخطيط لفصل الإقليم عن السودان كما حدث مع جنوب السودان، وبالتالي ستجد فرنسا أن المناخ مهيء بما فيه كفاية للإستحواذ علي ثروات الإقليم من الذهب واليورانيوم وغيره من المعادن النفيسة، لا سيما وأن الإقتصاد الفرنسي الآن يمر بمرحلة حرجة بعد طردها من بعض الدول الإفريقية التي كانت تنهب ثرواتها.
إن هذا الغضب الإفريقي علي فرنسا هو نتيجة لتورطها في نهب ثروات القارة السمراء وتمويلها للجماعات المتطرفة والمتمردة فيها لزعزعة الأمن والإستقرار فيها، وهو ما جعل العديد من الآفات الإجتماعية تنتشر فيها علي غرار الفقر والمجاعة والأوبئة والجهل وغيرها من مخلفات السياسة الإمبريالية لفرنسا.