مقالات الرأي

رايشلت والكيل بمكيالين

 

كان من الممكن أن تمر صورة اللاعب الألماني أنطونيو روديغير بدون أي جدل، فالصورة التي نشرها لاعب ريال مدريد على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي مهنئاً بشهر رمضان، مثلها مثل الكثير من الصور التي ينشرها اللاعبون في أوروبا في المناسبات العامة ، لكن تعليق رئيس تحرير صحيفة بيلد الألمانية السابق يوليان رايشلت أثار الجدل، حين قال أن رفع السبابة بهذه الطريقة يسمى ” إصبع تنظيم الدولة الإسلامية”.

كان واضحاً أن رايشلت أراد أن ” يأخذ اللقطة” وهوالمعروف بقربه من اليمين المتطرف في ألمانيا ومعاداة الأجانب، صحيح أن روديغير ألمانياً  لكنه في نهاية الأمر من أصول إفريقية، بنى رايشلت شهرته من مثل هذه القصص، رغم أنه خلال فترة رئاسة تحريره لبيلد كان يؤكد أن الصحيفة لا تهدف لجذب قراء اليمين المتطرف، إلا أن كثيراً من محتوى الصحيفة كان يحمل طابع التمييز ضد الأجانب ، فالصحيفة تنشر بشكل مكثف ومستمر عن ” العشائر العربية” التي تحول عدد كبير من أفرادها إلى مافيات، وتسهم هذه القصص بشكل غير مباشر في تعزيز الصورة النمطية عن العرب في ألمانيا بتورطهم في الجرائم، يعرف رايشلت الكثير عن هذه العشائر فقد كان مراسلاً في بلاد الشام وبخاصة فترة الحرب في سوريا.

روديغير رفع دعوى ضد اتهامه بقربه من ” الإرهابيين” من قبل رايشلت، ووقف الاتحاد الإلماني إلى جانب اللاعب معتبراً أن تصريحات رئيس تحرير بيلد السابق “خطاب كراهية”، لكن لا أعتقد أن الأمر سينجح، بمعنى أن رايشلت ربما لن يعاقب، فهو يعرف جيداً أن مثل هذه القضايا لا تحسم بسهولة رغم أن وزارة الداخلية الألمانية أعتبرت أن ما قام به روديغير “حالة إيمانية” ولا يمثل مشكلة من جهة السلامة العامة، كما أن رايشلت لديه خبرة في التعامل مع الأزمات، ليس لكونه ولد لأبوين صحافيين فوالده هانز رايشلت ووالدته كاترين رايشلت عملا في المجال الإعلامي أيضاً، بل لأنه كاد ينقذ منصبه رئيساً لتحرير بيلد في العام 2021 بعد أن اتهمته موظفات بالتحرش واستغلال منصبه في السلطة من أجل اقامة علاقات جنسية معهن، الأمر الذي وضع نشاط عملاق الإعلام الألماني مؤسسة أكسل شبيرنغر التي تصدر عنها بيلد وصحف أخرى، تحت المجهر.

كانت القصة حديث الناس في ألمانيا، لكنها خمدت خلال إسبوعين فقط فقد أكتفت المؤسسة بتعليق عمل رايشلت لمدة إسبوعين بعد تحقيق داخلي، ثم عاد للعمل ، هنا تكمن حنكة رايشلت الذي نجح من خلال شبكة علاقاته أن يوقف نشر التحقيقات التي أجراها صحافيون استقصائيون في وسائل الإعلام الإلمانية حول القضية، لكن بعد فترة نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقاً حول ما سمي حينها ب” فضيحة بيلد” ما دفع مؤسسة أكسل شبيرينغر بإعفاء رايشلت من منصبه، كانت المؤسسة تخشى تسليط مزيد من الضوء على نشاطها من قبل الإعلام الأمريكي واسع الانتشار، فهي أكملت في ذلك الوقت صفقة شراء منصة الإعلام الأمريكي بوليتيكو مقابل مليار دولار.

عليه لا أجد أن مقاضاة رايشلت ستجدي نفعاً رغم قناعتي بأن ذلك هو المسلك الصحيح لنيل الحقوق، فهو نجح في مسعاه ووضع اللاعب في موقف قد يبدو محرجاً في ظل الظروف الحالية مع ارتفاع موجة التحريض ضد الأجانب في ألمانيا، قد لا يوافق بعض الألمان رايشلت الرأي، لكن بالمقابل هناك كثيرون وجدوا أن حديثه يمثلهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى