أخبار السياسة المحلية

رياح روسية في الأزمة السودانية.. ممر جديد للحل أم التصعيد؟

بورتسودان – صقر الجديان

ظهور مفاجئ لروسيا في بورتسودان، حرك كثيرًا من التكهنات حول السبب والأهداف، لكنه وضع حقيقة جديدة على الأرض: روسيا لاعب جديد في الأزمة السودانية.

وفد روسي رفيع المستوى برئاسة نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف أجرى زيارة رسمية إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، استغرقت يومين، لتعزيز آفاق التعاون المشترك بين البلدين.

صور الألم بالسودان.. «العين الإخبارية» في مخيم نازحين شمال دارفور
ووفق بيان صادر عن إعلام مجلس السيادة السوداني، اطلعت عليه “العين الإخبارية”، فإن رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، أكد رغبة السودان في ترقية وتعزيز علاقاته مع روسيا بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين.

سر الزيارة المفاجئة

وعن هدف الزيارة ودلالتها، قال الكاتب والمحلل السياسي، الهضيبي ياسين، إن “التحركات الروسية نحو السودان تُقرأ في سياق حالة التنافس بين موسكو والغرب؛ حول منطقة وسط وشرق أفريقيا بحثا عن الموارد والسيطرة على منافذ المياه الإقليمية، وكذلك الإدراك التام لحجم أزمة الحرب السودانية التي تحولت مؤخرا إلى مسرح لصراع قد يجعل الدولة سوقا للسلاح”.

وأوضح ياسين في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن “زيارة نائب وزير الخارجية الروسي لمدينة بورتسودان تدل على انتقال الحرب السودانية بعد عام إلى مربع التدويل، بينما هناك مخاوف روسية من إرهاصات التحركات الأوكرانية نحو السودان والاستفادة من موارد معدن الذهب في مقابل توفير السلاح المتطور”.

وأضاف: “روسيا تسعى إلى كبح التحركات الأوكرانية في أفريقيا والتي ربما تهدف إلى جعل السودان مدخلا لذلك حال تجاوزت محطة الحرب في أقرب فرصة ما يجعل العاصمة كييف بديلا لدول مثل الصين وروسيا وتركيا في إطار علاقتها مع السودان التي تمتلك مخزونا من الموارد الطبيعية”.

حلبة صراع دولية

واتفق معه الكاتب والمحلل السياسي، عبداللطيف أبوبكر، قائلا إن “زيارة نائب وزير الخارجية الروسي محاولة من موسكو لتثبيت وجودها في أفريقيا، في ظل التنافس المحموم على منطقة البحر الأحمر”.

وأشار أبوبكر، في حديثه لـ”العين الإخبارية”، إلى أن “السودان أصبح حلبة صراع دولية للتنافس على الموانئ والموارد الكبيرة في البلاد”.

وفي 8 مارس/آذار الماضي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن “قوات أوكرانية خاصة تقوم بتدريب عناصر في الجيش السوداني”.

وأشارت في تقرير مطول إلى أن “قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، عندما وجد نفسه محاصرا من قبل قوات الدعم السريع في عاصمة البلاد، الصيف الماضي، اتصل بحليف غير متوقع للمساعدة، هو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي”.

وروت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أوكرانيين، أن “زيلينسكي، كان لديه من الأسباب لأخذ طلب البرهان على محمل الجد، خصوصا أن البرهان كان يزود كييف بهدوء بالأسلحة منذ فترة وجيزة، بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2022″، وفق الصحيفة الأمريكية.

وبعد أسابيع قليلة من المكالمة، هبطت قوات “الكوماندوز” الأوكرانية في السودان، وبدأت القتال لطرد «قوات الدعم السريع» من العاصمة الخرطوم، وفق كثير من الجنود الأوكرانيين المشاركين في العملية. تضم نحو 100 جندي، معظمهم من وحدة “تيمور” التابعة للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، على متن طائرة مستأجرة في السودان، في منتصف أغسطس/آب الماضي، بحسب المصدر ذاته.

والأسبوع الماضي، قدم السفير الأوكراني المقيم بالقاهرة ميكولا ناهورني، نسخة من أوراق اعتماده لوزير الخارجية السوداني السابق، سفيرا لبلاده ومقيما بالقاهرة أيضا، وأعلن ناهورني، أن أوكرانيا ستفتح سفارة مؤقتة في بورتسودان خلال الأشهر القليلة المقبلة.

محاولة للحل؟

بدوره، قال سفير السودان لدى موسكو محمد الغزالي التيجاني إن روسيا “مؤهلة بدرجة كبيرة” للعب دور مهم في إيجاد حل للصراع في السودان.

وأضاف التيجاني، في تصريحات لإعلام محلي، أن “هذه زيارة تعتبر مهمة جدا من دولة كبيرة فاعلة في المجتمع الدولي وفي القضايا الإقليمية”.

لكن السفير السوداني لدى موسكو أكد أن اضطلاع روسيا بدور وساطة في الأزمة السودانية غير مطروح على الطاولة حاليا.

ومضى قائلا: “لم تتبلور فكرة معينة ولكن روسيا دائما على استعداد، كما يصرح المسؤولون الروس، أن تقوم بمبادرات بناء على رغبة من الحكومة السودانية، حيث أن روسيا لها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.

تعزيز التعاون

وعن الزيارة، قال وكيل وزارة خارجية السودان بالإنابة حسين الأمين، في تصريحات إعلامية، إنها “تمثل رسالة تضامن مع السودان حكومة وشعبا، وتحمل في طياتها دعم القيادة الروسية للسودان”.

وأوضح وكيل الخارجية السوداني، أن المبعوث الروسي أكد “دعم روسيا للشرعية القائمة في البلاد ممثلة في مجلس السيادة، وأن الزيارة سيكون لها ما بعدها في فتح آفاق التعاون بين البلدين”.

ونوَّه إلى أن “الزيارة أكدت أيضا وقوف روسيا مع السودان في كافة المحافل الدولية، خاصة وأن البلاد تواجه تحديات داخلية وخارجية وتحاك ضدها المؤامرات التي تستهدف أمنها واستقرارها”.

من جانبه، قال المبعوث الروسي في تصريحات إعلامية، إن “بلاده تتطلع لمزيد من التعاون في مختلف المجالات مع السودان”.

وأشار إلى أن “روسيا تنطلق في علاقتها مع السودان من مبادئ أساسية تتمثل في المحافظة على وحدة وسيادة السودان وسلامة أراضيه”.

وأكد عزم روسيا “تطوير الشراكة مع السودان في المجالات الاقتصادية والتجارية وتدريب الكوادر، وأن بلاده تمتلك تجارب وخبرات واسعة يمكن أن تتبادلها مع السودان وذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين”.

اتفاقيات سابقة

وفي مايو/أيار 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين.

وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إنشاء قاعدة بحرية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية، وفق موقع قناة “روسيا اليوم” (حكومية).

وفي 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص الاتفاقية حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، لـ”تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، وفق الجريدة.

وتنص الاتفاقية على إقامة منشأة بحرية روسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكري ومدني.

ويمكن للقاعدة استقبال 4 سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.

ويتمتع السودان بساحل على البحر الأحمر يمتد على مسافة تتجاوز 700 كلم، ويوجد عليه ميناء بورتسودان، وهو الميناء الرئيسي للبلاد ويمثل منفذا بحريا استراتيجيا لعدة دول مغلقة ومجاورة مثل تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان.

كما يقع السودان في منطقة تتسم بالاضطرابات بين القرن الإفريقي والخليج العربي وشمال أفريقيا، ما يمثل أهمية لمساعي كل من واشنطن وموسكو للحفاظ على مصالحهما في تلك المناطق الحيوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى