مقالات الرأي

زايد.. إنسانية الفكر ومكارم العطاء

زيارة الشيخ زايد لمدينة الأبيض

بقلم : عماد الدين فاروق محمد

ونحن نستذكر رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أعود بالذاكرة إلى العام 1972م عندما شرف المغفور له بإذن الله، السودان بزيارة تاريخية وبالتحديد عندما زار مسقط رأسي مدينة الأبيض حاضرة إقليم شمال كردفان التي تبعد حوالي 588 كيلومتراً، جنوب غرب الخرطوم عاصمة السودان، وتلقب بعروس الرمال، وهي واحدة من أكبر مدن السودان وتشتهر بأكبر سوق للمحاصيل النقدية في السودان، وبها أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم.

كنت وقتئذ تلميذاً بالمرحلة الابتدائية (الصف السادس)، وأذكر أن مدير المدرسة، أعلن في المدرسة من قبل يومين أن هناك زعيماً عربياً اسمه الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة سوف يزور مدينة الأبيض وقد تقرر مشاركة جميع تلاميذ المدارس في الاستقبال وأعطيت لنا التعليمات بأن نرتدي الزي المدرسي الأبيض وأن نصفق ونلوح بالأعلام التذكارية لكل من الإمارات والسودان تحية للزعيمين زايد ونميري.

لم أنم تلك الليلة من شدة الفرح برؤية زعيم عربي في قامة الشيخ زايد وأخيه الرئيس نميري عليهما رحمة الله، واستيقظت في ذلك الصباح مبكراً وتوجهت إلى المدرسة ومنها تم نقلنا مع بقية التلاميذ إلى شارع المطار حيث اصطف جميع التلاميذ على جنبات الطريق انتظاراً لموكب الزعيمين.

وعند وصول الموكب بدأنا في التصفيق والتلويح بالأعلام والهتاف الحار بحياة الرئيسين، وكان الرئيسان يردان علينا التحية بالتلويح بأيديهما، تلك كانت هي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها الشيخ زايد عن قرب وقد رأيت فيه شيخاً جليلاً وزعيماً عربياً واثقاً له ابتسامة عذبة ويشع من وجهه الوقار والطيب والكرم، وكم كنت سعيداً في ذلك اليوم وكنت أحكي لزملائي بزهو شديد ما رأيت من وقائع الاستقبال؟

كان الاستقبال حافلاً ولائقاً وقد أقيمت للشيخ زايد سباقات للهجن والفروسية، ويقال إنه قد أعجبه فرس عربي أصيل تخطى جميع الخيول في السباق الذي نظم بمضمار سباق الخيل بالأبيض، فطلب الشيخ زايد مقابلة صاحب الحصان المميز فلما مثل أمامه تحدث إليه الرئيس نميري وأخبره بأن الشيخ زايد قد أعجب بحصانه ويريد أن يشتريه بالثمن الذي يطلبه، فاعتذر صاحب الحصان للشيخ زايد وقال له يسعدني ويشرفني ويزيدني فخراً أن أقدمه لك هدية، فزيارتك لنا لا تقدر بثمن، فسر الشيخ زايد وشكر صاحب الحصان على كرمه.

كما نظم للشيخ زايد سباقاً للهجن العربية الأصلية وأهدي له عدد من الهجن، وعند انتهاء السباق وعودة موكب الرئيسين إلى بيت الضيافة حيث مقر إقامة الشيخ زايد، مر الموكب بالقرب من مستشفي المدينة، ورأى الشيخ زايد بجوار المستشفي مباني متهالكة فسأل عن هذه المباني فقيل له بأنه «مركز الدم» الذي يغذي المستشفي بالدم للمرضى، فأبت نفس الشيخ زايد الكريمة إلا أن يتبرع بإقامة منشأة متطورة بمقاييس ذلك الزمان ليكون «بنك الدم» الذي أطلق عليه بنك زايد للدم.

ولا يزال أهل المدينة يتذكرون الشيخ زايد بمزيد من الشكر والعرفان لما قدمه لهم من هدية قيمة، ولذلك فإن للشيخ زايد مكانة راسخة في نفوس أهل الأبيض ونشأت بينهم وبينه وشائج من المحبة والتقدير والاعتزاز، ولا يزال الأهالي يتذكرون تلك الزيارة التاريخية بمزيد من الفخر.

وأذكر أيضاً أنني كنت ذات مرة بإحدى المدن النائية في شمال أميركا، ووقع نظري على مصحف مغلف بغلاف أبيض فأخذت المصحف وبدأت أتصفحه فإذا بي أجد مكتوباً عليه أنه قد طبع على نفقة الشيخ زايد فقبلت المصحف ودعوت للشيخ زايد بدوام الصحة وطول العمر، فقد كان عليه رحمة الله سباقاً في كل أعمال الخير.

مكارم وكرم الشيخ زايد معين لا ينضب من الأعمال الإنسانية ويذكر الشيخ زايد حين يذكر الكرم وقد عم عمل زايد الإنساني كل أرجاء الدنيا عطاء وأعمالاً نافعة خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، فالعمل الإنساني مبدأ ثابت في فكر زايد استمر من بعده ليشكل مرتكزاً راسخاً في توجهات دولة الإمارات العربية المتحدة الخارجية التي تحتل مرتبة عالمية متقدمة في مجال المساعدات الإنسانية.

وذلك بفضل فكر زايد الذي سارت على نهجه حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة تحت ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، ندعو الله عز وجل أن يرحم الشيخ زايد ويغفر له وأن يدخله مدخل صدق مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.

كما نسأل الله أن يحفظ دولة الإمارات وأن يوفق قيادتها الرشيدة لما فيه خير ورفعة ورفاهية شعبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى