أخبار السياسة العالمية

سفير المملكة المغربية بالخرطوم يصرح في ذكرى ثورة الملك والشعب … “هذه الذكرى، ملحمة مغربية عظيمة و خالدة، لبناء صروح الوطن وصيانة وحدته الترابية”

الخرطوم – صقر الجديان

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته سعادة السفير، الدكتور محمد ماء العينين….

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته، و مرحبا بكم مرة اخرى…

نسعد بلقياكم و محاورتكم من جديد سعادة السفير و المغاربة قاطبة يخلدون و يحتفلون بذكرى غالية على القلوب و هي ذكرى “ثورة الملك و الشعب” الموافقة ل 20 غشت من كل سنة، ونود في هذا الإطار ان نسألكم عن هذه الذكرى و عن دلالاتها و رمزيتها ؟

شكرا مرة اخرى و أسعد أيما سعادة بهذا الحوار الصحفي الذي يتزامن كم اشرتم إلى ذلك مع تخليد المملكة المغربية للذكرى 69 لثورة الملك و الشعب، والتي تشكل، عطفا على سؤالكم، مناسبة مهمة لدى المغاربة، ملكا و حكومة و شعبا، لاستحضار معاني ثورة وطنية متجددة لبناء و إعلاء صروح الوطن وصيانة وحدته الترابية و أمنه و استقراره، تحت القيادة المستنيرة و المتبصرة لمولانا امير المؤمنين، محمد السادس حفظه الله و سدد خطاه.

فهذه الذكرى تشكل ملحمة وطنية غراء لكل نساء ورجال الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، و التي جسدت و ما تزال أروع صور التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي الوفي بقيادة العرش العلوي الأبي في سبيل حرية الوطن واستقلاله ووحدته.

ولفهم سياق هذه الذكرى، فيمكن القول ان هذه الملحمة المباركة اندلعت ساداتي الكرام يوم 20 غشت 1953 حينما امتدت أيادي المستعمر الغاشم إلى رمز السيادة الوطنية والوحدة وبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه لنفيه وأسرته الملكية الشريفة وإبعاده عن عرشه ووطنه، متوهمة أنها بذلك ستخمد جذوة الكفاح الوطني وتفكك العرى الوثيقة والترابط المتين بين عرش أبي وشعب وفي، إلا أن هذه الفعلة النكراء كانت بداية النهاية للوجود الاستعماري وآخر مسمار يدق في نعشه، حيث وقف الشعب المغربي صامدا في وجه هذه المؤامرة الدنيئة، مضحيا بالغالي والنفيس في سبيل عزة وكرامة الوطن، وصون سيادته وهويته وعودة الشرعية والمشروعية بعودة الملك الشرعي، مظفرا منتصرا، وحاملا لواء الحرية والاستقلال في أبهى صوره.

وكانت بهذا ثورة الملك والشعب محطة تاريخية بارزة وحاسمة في مسيرة النضال الوطني الذي خاضه المغاربة عبر عقود وأجيال لصد التحرشات والاعتداءات الاستعمارية، فقدموا نماذج رائعة وفريدة في تاريخ تحرير الشعوب من براثن الاستعمار، وأعطوا المثال على قوة الترابط بين مكونات الشعب المغربي، بين القمة والقاعدة، بين الشعب و العرش، واسترخاصهم لكل غال ونفيس دفاعا عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية وهويتهم المغربية.

ومن ثم، فإن ملحمة ثورة الملك والشعب لها في قلب كل مغربي مكانة كبيرة ومنزلة رفيعة لما ترمز إليه من قيم حب الوطن والاعتزاز بالانتماء الوطني والتضحية والالتزام والوفاء بالعهد وانتصار إرادة العرش والشعب.

سعادة السفير، حتى نقرب القارئ و المتتبع من هذه الملحمة المغربية الوطنية، هل يمكن ان تسردوا لنا و تحدثونا عن اهم المحطات التاريخية التي تؤرخ لهذه الملحمة ولأهم معالمها البارزة ؟

هذا سؤال مهم و ملهم في الحقيقة، بل و ذو شجون، إذ انه يحيي فينا كمغاربة جملة من الاحداث التي ترزح في اكنافنا ووجداننا بقوة، بل و تجعلنا متيمين بذكرها و الحديث عنها في كل فرصة سانحة.

وبه اقول ان المغرب واجه الأطماع الأجنبية وتصدى بإيمان وعزم وقوة وإصرار لإنهاء الوجود الاستعماري على ترابه، ونستحضر في هذا المقام روائع وأمجاد مقاومة المغرب لقوات الاحتلال بكافة جهة المملكة.

ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914 ومعركة أنوال بالريف سنة 1921 ومعركة بوغافر بورزازات ومعركة جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، لتتواصل المقاومة بأساليب العمل الوطني والفعل السياسي التي ظهرت أولى تجلياتها في مناهضة الظهير الاستعماري سنة 1930 الذي كان من أهدافه شق الصف الوطني والتفريق بين أبناء الشعب المغربي لزرع التمييز العنصري والنعرات القبلية والطائفية، وتلا ذلك تقديم سلسلة من المطالب الإصلاحية ومنها برنامج الإصلاح الوطني وإذكاء روح التعبئة الوطنية وإشاعة الوعي الوطني والتشبع بالقيم الوطنية والدينية والتعليم الحر الأصيل وتنوير الرأي العام الوطني وأوسع فئات الشعب المغربي وشرائحه الاجتماعية بالحقوق المشروعة وعدالة المطالب الوطنية.

وتكلل هذا العمل الدؤوب بتقديم الوثيقة التاريخية، وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 التي جسدت وضوح الرؤيا والأهداف وعمق وقوة إرادة التحرير، والتي تمت بتنسيق تام بين بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه والحركة الوطنية.

وشكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال منعطفا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل حرية المغرب واستقلاله وطموحاته المشروعة وتطلعاته لبناء مستقبل جديد وإنجاز مشروعه المجتمعي والتحرري في ظل العرش العلوي المجيد وفي يوم 9 أبريل 1947، قام جلالة المغفور له محمد الخامس بزيارة الوحدة التاريخية إلى مدينة طنجة حيث ألقى خطابه التاريخي الذي حدد فيه معالم مرحلة النضال القادمة.

وقد كانت تلك الزيارة الوحدوية محطة كبرى جسدت إرادة حازمة في مطالبة المغرب باستقلاله وتأكيده على وحدته وتشبثه بثوابته ومقوماته الحضارية والثقافية وتمسكه بانتمائه العربي الإسلامي وتجنده للدفاع عن مقدساته الدينية والوطنية.

وكان كذلك من تداعيات هذه الزيارة الملكية احتدام الصراع بين القصر الملكي وسلطات الإقامة العامة التي وظفت كل أساليب التضييق على رمز المقاومة المغربية محاولة الفصل بين الملك وشعبه وطلائع الحركة الوطنية والتحريرية، ولكن كل ذلك لم يثن العزائم والإرادات الوطنية فتأججت جذوة التحدي والصمود أكثر وأكثر وبقوة واستماتة موصولة، وهكذا، وأمام التحام العرش والشعب والمواقف البطولية لجلالة المغفور له محمد الخامس الذي ظل ثابتا في مواجهة مخططات الإقامة العامة الفرنسية، لم تجد السلطات الاستعمارية سوى التطاول على رمز الأمة وضامن وحدتها ونفيه رفقة أسرته الملكية في يوم 20 غشت 1953 متوهمة بأنها، بذلك، ستقضي على روح الوطنية والمقاومة، لكن المقاومة المغربية تصاعدت وتيرتها واشتد أوارها لتبادل ملكها حبا بحب ووفاء بوفاء مثمنة عاليا الموقف الشهم لبطل التحرير الذي آثر المنفى على التنازل بأي حال من الأحوال عن عزة وسيادة الوطن.

كما اندلعت أعمال المقاومة غايتها المثلى وهدفها الأسمى عودة الملك الشرعي وأسرته الكريمة من المنفى وإعلان الاستقلال، وعمت المظاهرات وانتشرت الاحتجاجات وأعمال المقاومة السرية والفدائية، وتكللت مسيرة الكفاح الوطني بانطلاق عمليات جيش التحرير بشمال البلاد في فاتح أكتوبر سنة 1955.

وبفعل هذه الثورة المباركة والعارمة لم يكن من خيار للإدارة الاستعمارية سوى الرضوخ لإرادة العرش والشعب فتحقق النصر المبين وعاد الملك المجاهد وأسرته الشريفة في 16 نونبر 1955 لتعم أفراح العودة والاستقلال وتبدأ معركة الجهاد الأكبر لبناء صروح المغرب الحر المستقل وتحقيق وحدته الترابية.

وتواصلت مسيرة التحرير واستكمال الاستقلال الوطني بعودة طرفاية إلى الوطن سنة 1958 واسترجاع المغرب لمدينة سيدي افني سنة 1969 لتتكلل هذه الملحمة البطولية بتحرير باقي الأجزاء المغتصبة من الصحراء المغربية بفضل التحام العرش والشعب وحنكة وحكمة مبدع المسيرة الخضراء المظفرة جلالة المغفور له الحسن الثاني، تلك المسيرة الغراء التي مثلت نهجا حكيما وأسلوبا فريدا في النضال السلمي لاسترجاع الحق المسلوب وحققت المنشود منها بجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية في 28 فبراير 1976 والتحاق إقليم وادي الذهب بالوطن في 14 غشت 1979.

كما قلتم سعادة السفير، فإن للحديث شجون حينما يتعلق الامر بالوطن، بتاريخه و بأمجاده الخالدة، فهنيئا للشعب المغربي على هذه الروح النضالية و على هذا التكاثف و التلاحم المقدر مع العرش العلوي، و هذا يحيلني على سؤالكم عن الحاضر عن وجود مؤسسات مغربية تعنى بتخليد هذا التاريخ و جعله حيا في وجدان المغرب و المغاربة ؟

توجد العديد منها في الحقيقة، و لكني اذكر دور المندوبية السامية لقدماء المقاومين وجيش التحرير، والتي تحيي هذه الذكرى سنويا، كما تسعى إلى تنوير أذهان الناشئة والأجيال الصاعدة بقيم هذه الملحمة الكبرى واستلهام معانيها ودلالاتها العميقة في مسيرات الحاضر والمستقبل تمشيا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى التزود من ملاحم قيم كفاحنا الوطني المليء بالدلالات والدروس والعبر.

ولا يفوتني أن أذكر أنه بمناسبة هذه الذكرى الغالية، فقد ذكر بلاغ للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أن المغرب والمغاربة واجهوا الأطماع الأجنبية وتصدوا بإيمان وعزم وإصرار للتسلط الاستعماري على الوطن، مستحضرا في هذا المقام أمجاد وروائع المقاومة المغربية في مواجهة الاحتلال الأجنبي بكافة جهات الوطن، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر كما سبق الإشارة لذلك، معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، ومعركة أنوال بالريف من 1921 إلى 1926، ومعركة بوغافر بورزازات، ومعركة جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، إلى غير ذلك من الملاحم والمعارك البطولية، زيادة على تواصل العمل السياسي الذي ظهرت أولى تجلياته في مناهضة ما سمي بالظهير البربري الذي كان من أهدافه شق الصف الوطني والتفريق بين أبناء الشعب المغربي الواحد لزرع بذور التمييز العنصري والنعرات القبلية والطائفية.

زيادة على ذلك واحتفاء بهذه المناسبة الوطنية الخالدة بما يليق بها من مظاهر الاعتزاز والإجلال والإكبار، وإبراز دلالاتها الوطنية وأبعادها الرمزية وإشاعة قيمها النبيلة في أوساط الناشئة والأجيال الجديدة، ستنظم المندوبية برحاب الفضاء الوطني للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالرباط، مهرجانا خطابيا ستلقى خلاله كلمات حول هذا الحدث التاريخي الخالد والطافح بالدروس والعبر التي يتوجب استحضارها لتنوير أذهان الناشئة والأجيال الجديدة بمضامينها وعظاتها ورسائلها النبيلة في مسيرات الحاضر والمستقبل.

في الاخير سعادة السفير، نود ان نسألكم عن تجليات هذه الذكرى في مواصلة النضال و الذود عن حياض ووحدة المملكة المغربية، خصوصا فيما يتعلق بالصحراء المغربية، القضية الأولى للمغرب، ملكا و حكومة و شعبا ؟

نعم ساداتي الكرام، فاستحضار قضية المغرب الوطنية الأولى، قضية وحدته الترابية في هذه المناسبة العظيمة للذكرى 69 لملحمة ثورة الملك والشعب، ليدعو ويستحث القوى الحية وسائر الأطياف السياسية والنقابية والحقوقية والشبابية والنسائية المغربية على تقوية الجبهة الداخلية الوطنية وتعزيز التوجهات والاختيارات التنموية التي تستجيب لانتظارات وتطلعات سائر فئات وشرائح المجتمع المغربي إلى تحقيق أسباب رغد العيش والتقدم الاقتصادي والرفاه الاجتماعي في وطن ينعم فيه أبناؤه بالعزة والكرامة والرخاء والازدهار.

وهذه الذكرى توجه سنويا رسالة نبيلة و تلقي بمسؤولية جسيمة على عاتق جميع المغاربة التي ما فتئ يدعو لها ويؤكد عليها الملك محمد السادس، الذي يحمل لواء إعلاء صروح المغرب الحديث وارتقائه في مدارج التقدم والرقي لترسيخ دولة الحق وسيادة القانون وتوطيد دعائم الديمقراطية وتطوير وتأهيل قدرات المغرب الاقتصادية والاجتماعية والبشرية وإعلاء صروحه في كل مجالات التنمية الشاملة والمندمجة والمستدامة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية، وإذكاء دوره الحضاري وإعلاء مكانته كقطب جهوي فاعل ووازن لإشاعة القيم المثلى ومبادئ السلام والتسامح والاعتدال ونصرة القضايا العادلة ونشر قيم الاعتدال والتعاون والتضامن بين شعوب وأمم المعمور.

كما ان هذه الذكرى المجيدة، تمثل و تجسد وقفة الوفاء والعرفان، للقيم الوطنية المثلى وأمجاد وروائع الكفاح الوطني المغربي التي تعد مبعث فخر واعتزاز وإكبار للمغاربة جميعا، ومصدر قوة وتضامن وتماسك لمواصلة مسيرة بناء المغرب الحديث، في إجماع وطني حول ثوابت الأمة ومقدساتها وخياراتها الكبرى وتأتي هذه المناسبة كذلك لتجدد التأكيد على تجندها الدائم وتعبئتها المستمرة وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله من أجل الدفاع عن وحدة المغرب الترابية غير القابلة للتنازل أو المساومة، و لتؤكد ان المبادرة المغربية القاضية بمنح الأقاليم الجنوبية المغربية حكما ذاتيا تندرج ضمن مشروع حظي بإجماع أوسع فئات الشعب المغربي وأطيافه السياسية، ولقي الاستحسان والدعم من المنتظم الأممي الذي اعتبره آلية ديمقراطية واقعية ومتقدمة تنسجم مع الشرعية الدولية، فضلا عن أنه يشكل حلا واقعيا وسلميا وتسوية سياسية لهذا النزاع الإقليمي المفتعل الذي يعمل خصوم الوحدة الترابية المغربية على تأبيده وجر شعوب المنطقة إلى الانقسام والتفرقة بدل التقارب والوئام.

ومهما يكن، فإن المغرب سيظل متمسكا بحقوقه المشروعة في صحرائه، ومتشبثا بالتعاون مع المنتظم الدولي لإيجاد حل سياسي واقعي ومعقول، متفاوض عليه لهذا النزاع المفتعل، الذي لن ينال من إرادة المغرب أو يثني من عزيمته في الذود عن حقه المشروع والانتصار لصيانة وحدته الترابية وتثبيت مكاسبه الوطنية.

شكرا لكم سعادة السفير، الدكتور محمد ماء العينين على هذا الحوار الغني و الماتع و إلى فرصة قادمة بحول الله.

الخرطوم، 20 اغسطس 2022
حاوره مجموعة من الصحافيين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى