سيطرة الجيش على الحكم في السودان تفاقم العنف في دارفور
الخرطوم – صقر الجديان
يتصاعد العنف في دارفور من نهب لمقرات الأمم المتحدة ومعارك قبلية، وهجمات مسلحة واغتصاب، وسط فراغ أمني سببه انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر في الخرطوم.
وفي 2020، وقعت أول سلطة تولت الحكم في السودان عقب إسقاط عمر حسن البشير اتفاق سلام مع الحركات المسلحة في دارفور وهو إقليم شاسع في غرب السودان مزقته الحروب خلال العقود الأخيرة.
وبعد عام ونصف العام على توقيع هذه الاتفاقية وبعد أشهر من الانقلاب العسكري في الخرطوم، عادت الصراعات على السلطة إلى الواجهة في الإقليم.
والأسبوع الماضي، أطلق مسلحون النار على قوات الأمن ليسرقوا مرة أخرى مقر البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التي عملت لمدة 13 عاما في دارفور قبل أن تنهي مهمتها بعد توقيع السلام.
نهب لمقرات الأمم المتحدة ومعارك قبلية وهجمات مسلحة في دارفور، وسط فراغ أمني سببه انقلاب الجيش في الخرطوم
ويسمع سكان المناطق المجاورة لمقر البعثة من حين إلى آخر أصوات طلقات نارية، فيما يحاول المتمردون المسلحون المتهمون بارتكاب انتهاكات في دارفور وفي مناطق أخرى في أفريقيا الاستيلاء على سيارات وعلى الآلاف من الأطنان من المساعدات الغذائية ومعدات مختلفة تركتها الأمم المتحدة.
ووفق برنامج الغذاء العالمي، يعاني الآن “مليونا شخص” من نقص المساعدات في السودان، أحد أفقر بلدان العالم. وتزداد المعاناة خصوصا في دارفور حيث يعيش أغلب النازحين الذين يبلغ عددهم ثلاثة ملايين شخص.
وإضافة إلى ذلك، هناك الصدامات القبلية وهي اشتباكات موسمية بسبب النزاع على الأرض أو المياه وتؤدي إلى تدمير منازل ومحاصيل. وأدت هذه الاشتباكات إلى مقتل 250 شخصا خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر، وفق لجنة الأطباء المركزية (نقابة مستقلة) تتحدث كذلك عن وقائع اغتصاب.
ويقول محمد عيسى المقيم في دارفور إن الانفلات بدأ عندما قام الفريق أول عبدالفتاح البرهان بالانقلاب في الخرطوم على بعد قرابة ألف كيلومتر من الإقليم.
ويروي عيسى أن “الأمن تدهور كثيرا في غضون أربعة أشهر: يقوم رجال مسلحون بانتظام بإيقاف السيارات ويبتزون ركابها”.
ويضيف عبدالله آدم المقيم في مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور “أصبح الاغتصاب والنهب أمورا متكررة”.
وفي الخرطوم، تتجاهل السلطة العسكرية الجديدة الأمر وتتهم المجموعات المسلحة بعدم تنفيذ اتفاق السلام الموقع عام 2020 والقاضي بتسليم السلاح وإدماج أعضاء هذه الحركات في القوات النظامية.
كما يتهم الجنرالات الذين يتولون الحكم الآن المسؤولين المدنيين السابقين، الذين أزاحوهم مع الانقلاب، بعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع اتفاق السلام موضع التطبيق.
ويقولون إن المهمة باتت اليوم أكثر صعوبة بسبب وقف المساعدات الدولية التي كان يقدمها المجتمع الدولي وهو ما أدى إلى فقدان السودان 40 في المئة من موازنته.
السلطة الجديدة تجد صعوبة في استعادة السيطرة على دارفور مع الحشود التي تنزل إلى الشوارع بانتظام للمطالبة بـ”إسقاط الانقلابيين”
والخميس، قال مجددا الفريق أول عبدالرحمن عبد الحميد، المسؤول عن نزع سلاح الحركات المسلحة وإدماج رجالها في القوات النظامية، “يتعين على المجتمع الدولي أن يدعمنا”.
ويضيف ضابط كبير طلب عدم ذكر اسمه أن مساعدة المجتمع الدولي تزداد أهمية لأن “الحركات المسلحة لا تسيطر سيطرة كاملة على رجالها في الإقليم”، حيث تنتشر الأسلحة بعد الحرب الدامية التي اندلعت في العام 2003 وخلفت 300 ألف قتيل على الأقل وأكثر من 2.5 مليون نازح بحسب الأمم المتحدة.
وتجد السلطة الجديدة صعوبة في استعادة السيطرة على دارفور مع الحشود التي تنزل إلى الشوارع بانتظام للمطالبة بـ”إسقاط الانقلابيين”.
ويقول آدم رجال الناطق باسم التنسيقية العامة للاجئين والنازحين في دارفور “لا أحد يثق في نظام الانقلابيين”.
وخرج المتظاهرون في دارفور مرارا ليقولوا “لا” لسلطة الفريق البرهان والرجل الثاني في سلطته الفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد ميليشيا قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات في دارفور.
ويضيف رجال “الذين يحكمون الآن ارتكبوا جرائم في دارفور في ظل البشير، لماذا سيحمون الناس الآن؟”. ويقول “لا بد من إعادة السلطة المدنية وإلا فكل الأمور ستسوء”.
والأسبوع الماضي، أعلن البرهان خلال اجتماع المجلس الأعلى للترتيبات الأمنية في مدينة الفاشر غربي البلاد أنه تم الاتفاق على إخلاء المدن من كل قوات الحركات المسلحة، فيما شدد نائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” على ضرورة فرض هيبة الدولة.
وفي أكتوبر 2020، وقعت الخرطوم اتفاقا لإحلال السلام مع حركات مسلحة ضمن تحالف “الجبهة الثورية”، فيما تخلفت عن الاتفاق “الحركة الشعبية ـ شمال” بزعامة عبدالعزيز الحلو، وحركة “تحرير السودان” بقيادة عبدالواحد نور، والتي تقاتل القوات الحكومية في دارفور.
وتضمنت الترتيبات الأمنية أيضا، تشكيل قوات مشتركة بين القوات الحكومية والحركات المسلحة تحت اسم “القوى الوطنية لاستدامة السلام في دارفور” لحفظ الأمن وحماية المدنيين في الإقليم السوداني.
وأعلن الاتحاد الأوروبي الأحد تخصيص 40 مليون يورو للسودان في إطار المساعدات الإنسانية.
وقالت البعثة الأوروبية بالسودان في بيان “الاتحاد الأوروبي يخصص 40 مليون يورو للمساعدات الإنسانية للسودان”.
وأضافت “من خلال هذه المساعدة الإنسانية يؤكد الاتحاد الأوروبي التزامه بدعم الشعب السوداني في المناطق المحتاجة للمساعدات الإنسانية العاجلة من خلال الوكالات الدولية”.
ويقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات إنسانية للنازحين من الصراعات في إقليم دارفور، غربي السودان، عبر المنظمات الدولية والأوروبية ووكالات الأمم المتحدة في مجال الغذاء والصحة ومياه الشرب والتعليم وحماية المدنيين.