مقالات الرأي

صحافة “الكيري”

 

عندما تسأل أي شخص عن أسباب مشاكل الهلال وعدم استقراره وعدم مقدرته على بلوغ الغايات الكبيرة يرد دون أن ترمش له عين: الإعلام هو السبب.. بالتأكيد هذه الإجابة فيها كثير من المنطق بمثلما فيها الكثير من الظلم. فما التعريف الدقيق للإعلامي؟ للأسف الشديد كل شيء اختل وأصبح كل من هب ودب ينعت نفسه بأنه إعلامي، فمع تمدد الميديا من السهل جدًا أن تمسك بتلفونك الذكي وتكتب ما يمكن أن تسميه أنت ويسميه المغيبين أمثالك مقالًا صحفيًا، وأنت لا تعرف ماهية كتابة المقال الصحفي وأساسياته وشروطه ومن يحق له كتابته.

درسنا في مادة التحرير الصحفي، وهي أصعب مواد قسم الصحافة، أن المقال الصحفي أحد مواد الرأي لا يكتبه إلا من أمضى بالعمل الصحفي ما لا يقل عن عشرة أعوام، تمرس من خلال تلك الفترة في كتابة الأخبار والحوارات والتقارير وغالبًا ما يكون رئيس التحرير أو مدير التحرير، وبعض الأساتذة المختصين هم من يحق لهم كتابة المقال الصحفي، وهذا ما عايشناه واقعًا خلال بداياتنا في الصحافة، أيام كانت الصحافة في عز مجدها لا تستوعب إلا الموهوبين أصحاب الثقافة العالية.

الراحل المقيم حسن عز الدين كثيرًا ما يرفض لمن يعمل معه نشر مقال صحفي، وقد سمعته يتحدث مع أحد الزملاء بعد أن رفض نشر مقاله قائلًا له يجب أن تجتهد أكثر، وأن تظهر للقراء من خلال الأخبار والحوارات والمتابعات الميدانية إنك هلالابي، فليس كل شخص يمكن أن يكتب عن الهلال.. الآن أصبح كل شخص يكتب ويتفاصح ويفرض الوصاية مصدقًا الدور تمامًا بأنه أصبح صحفي هلالي، وما يزيد من انتفاخه وزهوه الكذوب إشادة وتصفيق من يشبهونه في الخواء والعدم والجهل “نظرة متعمقة في قروبات الهلال تكشف لك الحقيقة”.

عدد الزملاء الذين يكتبون المقال الصحفي باحترافية قليل جدًا مقارنة مع الكتاب “الكيري” الذين تجدهم للأسف أصحاب صوت عالي يأمرون وينهون ويمارسون الفوضى في أسوأ أشكالها، فهؤلاء هم من يسببون المشاكل، هؤلاء هم أحد أسباب أمراض الهلال والوطن، فبسببهم انحط كل شيء؛ القيم والأخلاق والذوق، وأصبحوا المهدد الحقيقي لكل تطور.

بالطبع لا تستطيع أية جهة محاربتهم فالفضاء الوسيع المليء بكل أصناف الانحطاط والسفالة والأمراض، لا أحد بإمكانه السيطرة عليه، ويدفع الثمن إساءة وشتيمة الزملاء المحترمين، الذين درسوا الإعلام ومارسوه وتدرجوا حتى أصبحوا من كتاب الأعمدة الصحفية، ويدفع ثمن هؤلاء أيضًا الهلال والمنتخب والوطن الذي يعيش حقيقة عصر الظلام والانحطاط والتفاهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى