طبخة التسوية السياسية المفاجئة تضع السودان أمام تحديات جديدة
الحكومة المقبلة أمام عقبات متباينة.
الخرطوم – صقر الجديان
تسارعت خطوات التسوية السياسية في السودان على نحو مفاجئ مع تحديد مصفوفة زمنية بتوقيتات قريبة تشمل التوقيع النهائي عليها وإقرار دستور انتقالي وتشكيل هياكل السلطة في غضون الأيام المقبلة.
وطرح هذا التطور الجديد تساؤلات عديدة حول أبعاده وما إذا كانت القوى المدنية والعسكرية قادرة على الوفاء بالتوقيتات أم لا، مع تجارب سودانية سابقة احتاجت فيها عملية تشكيل قواعد المرحلة الانتقالية إلى فترات زمنية طويلة.
وأعلن المتحدث باسم العملية السياسية بالسودان خالد عمر يوسف الأحد، أن التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي سيكون مطلع أبريل المقبل، وعلى الدستور الانتقالي في السادس من الشهر نفسه على أن يكون تشكيل مؤسسات الحكومة في الحادي عشر منه.
حاتم إلياس: لا يوجد ما يعيق الالتزام باتفاق تسليم السلطة للمدنيين
وقال يوسف عقب جلسة مشاورات حضرتها العناصر الموقعة على الاتفاق الإطاري والأطراف الدولية الراعية له، إنه جرى الاتفاق على تشكيل لجنة الصياغة وتضم تسع شخصيات من المكون المدني وممثلا عن الجيش وآخر عن الدعم السريع، على أن يبدأ عملها من الاثنين إلى السابع والعشرين من مارس الجاري.
ووجهت الآلية الثلاثية التي تضم البعثة الأممية في السودان والاتحاد الأفريقي وهيئة “إيغاد” دعوة إلى الكتلة الديمقراطية في تحالف الحرية والتغيير لحضور الاجتماع المفاجئ.
ورغم إرسال الكتلة إشارات إيجابية بقبول الدعوة، لكنها عادت وأعلنت عن عدم الحضور قبيل انطلاق الاجتماع، ولم يحل ذلك دون إعلان التوافق على مواعيد التوقيع في غياب قوى عديدة معارضة للاتفاق الإطاري.
ووجدت جهات إقليمية ودولية راعية للاتفاق أن إطالة أمد عدم تحويله إلى اتفاق شامل يُنهي حالة الفراغ الحالية ستؤدي إلى ظهور تكتلات قد تقوض الخطوات السابقة.
وشهدت الأيام الماضية بزوغ تحالف قوي بين الكتلة الديمقراطية وتضم عددا من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام والحزب الاتحادي الأصل وقوى سياسية وأهلية في شرق السودان، والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال جناح عبدالعزيز الحلو.
ودعمت التحركات الخارجية التوجه سريعًا نحو التفاهم على المصفوفة الزمنية بعد أن أخذت الخلافات تتصاعد داخل المكون العسكري وكادت أن تعصف بمكاسب الجيش في الاتفاق الذي ضمن حضوره في الحياة السياسية، بجانب مساعي المجلس المركزي للوصول إلى السلطة التنفيذية سريعا وتسيير الدفة لصالحه.
القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري تحاول إرضاء الخارجين عنه بمنحهم مواقع في المجلس التشريعي المزمع تعيينه
وقال المحلل السياسي حاتم إلياس إن الحوار مع القوى المعارضة للاتفاق الإطاري وفي مقدمتها الكتلة الديمقراطية لن يتوقف بعد الإعلان عن مصفوفة زمنية لتوقيع التسوية النهائية، وأن تباين مبررات حركتي جيش تحرير السودان بقيادة مني آركو مناوي والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وهما الأكثر فاعلية في الكتلة لرفض الاتفاق، يعبر عن مناورة سياسية يمكن التعامل معها بالحوار.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المجلس المركزي بات أكثر نضجًا واستفاد من التجارب التي خاضها منذ إسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير وما بعد الانقلاب على السلطة واستطاع أن يحظى بدعم من دول الترويكا المكونة من النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة، ووظف الصراع الأميركي – الروسي في السودان ليكون حليفًا ليبراليًا لواشنطن، ما ساهم في زيادة الضغط للوصول إلى تسوية شاملة.
ولفت إلى أنه لا يوجد ما يُعيق الالتزام بالمصفوفة الجديدة، ومن غير المتوقع أن تُفاجأ القوى الموقعة على الاتفاق بأي طارئ يبعثر أوراقها، وأن التحالف الذي بدأ يتبلور مؤخراً بين المجلس المركزي وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد يجعل ميزان القوى يميل في صالح الأحزاب المدنية.
محمد الأسباط: عنصر المفاجأة يشي بشكوك في نجاح العملية السياسية
وتم التوافق على الدستور الانتقالي المزمع التوقيع عليه عند إقراره من قبل نقابة المحامين ويعد قاعدة انطلق على أساسها الحوار بين المكونين المدني والعسكري وقاد إلى الاتفاق الإطاري، وهما على قناعة بأنه ليس دائما ويمكن تمريره سريعا.
وشهدت الورش التي عقدتها الآلية الثلاثية والمجلس المركزي توافقا كبيرا على شكل الحكومة المقبلة بما يمهد للإعلان عنها من دون الحاجة إلى استغراق المزيد من الوقت.
وتحاول القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري إرضاء الخارجين عنه بمنحهم مواقع في المجلس التشريعي المزمع تعيينه، غير أن ذلك سيبقى محل شكوك إذا لم يكن هناك تمثيل جيد لهم في السلطة التنفيذية، ما يجعل الحكومة المقبلة أمام عقبات متباينة قد تجد صعوبة في تخطيها مع استمرار حالة الرفض الثوري للاتفاق من جانب قوى شبابية لها حضور واسع في الشارع السوداني.
ويبدو أن مساعي القوى المدنية لمواجهة عملية تمكين الإسلاميين التي تحظى بدعم أطراف في المؤسسة العسكرية ستدفع لتقديم المزيد من التنازلات السياسية، حيث تدرك هذه القوى أن كفة الميزان تصب في النتيجة النهائية لصالحها.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي محمد الأسباط أن عنصر المفاجأة يشي بشكوك في نجاح مسار العملية السياسية، فليس من المتصور أن ينسحب الجيش من السلطة وتركها للمجلس المركزي بعد أربع سنوات من المناورات والأزمات، وأن التوقيتات الزمنية القصيرة هي اختبار عملي لمصداقية وتماسك التسوية السياسية.
مساعي القوى المدنية لمواجهة عملية تمكين الإسلاميين التي تحظى بدعم أطراف في المؤسسة العسكرية ستدفع لتقديم المزيد من التنازلات السياسية
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المتغير الأكثر تعقيداً يرتبط برفض قوى الثورة الحية ما جاء من تفاهمات بين الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري، والمعارضة القوية من قبل فلول نظام البشير، وعدم وجود شخصية مطروحة للتوافق يمكن أن تشكل جسراً للتوافق بين جميع الأطراف في الداخل والتواصل مع الخارج.
ولا تُوجد مؤشرات واضحة على نجاح الخطوات المقبلة، وفقًا للأسباط، والذي يرى أن حالة من الغموض تهيمن على المشهد العام، تتراوح بين تفاؤل مفرط من القوى المدنية ومشكلات عميقة يتحدث عنها عسكريون، ما يجعل هناك مناطق مظلمة يوضع مفتاحها الرئيسي بيد قوى إقليمية تضغط لإنهاء الانقلاب على السلطة المدنية.
ونقل التلفزيون الرسمي تصريحات على لسان رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان مساء الأحد، قال فيها “عازمون على المضي قدما ولن نتراجع عن حكومة مدنية، ولكن هذا غير قابل للابتزاز أو المساومة.. أوشكنا على الوصول إلى طريق يقود إلى خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية وترك المجال للقوى المدنية تلبية لرغبة الشعب السوداني”.