طبعة جديدة لاحتجاجات السودان تفسر خيبة الأمل في النخب السياسية
لجنة هيكلة رواتب العاملين بقطاع الكهرباء تبدأ إضراباً شاملاً في القطاعات المرتبطة بالكهرباء.
الخرطوم – صقر الجديان
احتلت الشعارات السياسية صدارة مشهد الاحتجاجات في السودان، وركزت أهداف المتظاهرين على إنهاء الانقلاب العسكري والعودة إلى المسار الديمقراطي، وهو ما بدأ يتغير مع ظهور احتجاجات يغلب عليها الطابع الفئوي والمطالب الاقتصادية والدخول في تفاصيل المشكلات الحياتية اليومية.
وعبرت إضرابات طالت قطاعات مختلفة في الخدمة المدنية شارك فيها موظفون وعمال ووصلت إلى عدد من الولايات عن وجود إحباط شعبي بسبب استمرار الانسداد السياسي وعدم قدرة القوى المختلفة على الوصول إلى توافق يشكل كتلة صلبة تسهم في تخطي جانب من أزمات المرحلة الانتقالية.
وأعلنت لجنة هيكلة رواتب العاملين بقطاع الكهرباء الاثنين عن بدء إضراب شامل في القطاعات المرتبطة بالكهرباء وتخفيض الحمولة تدريجيا بنسبة 20 في المئة لتصبح 40 في المئة وعدم إرجاع المعدات والمحولات والخطوط المغذية عند خروجها احتجاجاً على رفض السلطة التنفيذية التجاوب مع مقترح رفع رواتب العاملين.
محمد تورشين: القوى الفاعلة تتبنى شعارات بعيدة عن تحركات السياسيين
ويبدو أن السلوك الاحتجاجي في قطاع الكهرباء وغيره من قطاعات الخدمة المدنية الأخرى ظهر من دون تنسيق سياسي، ما يدل على أن الشارع لن يظل أسيراً لتوجهات القوى والأحزاب وربما يسبقها بخطوات نحو تضييق الخناق على السلطة الحاكمة.
وتشكل الإضرابات إحدى الوسائل السلمية التي اُعتمدت في السودان منذ الإطاحة بحكومة عبدالله حمدوك، وظلت في إطار سياسي ضاغط لإنهاء الانقلاب ولم تتطرق إلى مطالب فئوية تزايدت مع تبني السلطة سياسات تعتمد على رفع الدعم عن الخدمات الأساسية وزيادة الضرائب لتعويض غياب الدعم المالي الدولي الذي حظي به السودان في أثناء الفترة الانتقالية قبل الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي.
وقال المحلل السياسي محمد تورشين إن تصاعد المطالب الفئوية يعود إلى أن القوى الفاعلة في الشارع، مثل النقابات ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة والقوى السياسية، تتبنى مواقف سلبية من وجهة نظر مواطنين يواجهون ويلات الصعوبات الاقتصادية وهم بحاجة إلى حلول سريعة تنتشلهم من الواقع الحالي المتأزم، ولجأ هؤلاء إلى وسائل أخرى تحقق مطالبهم بعيداً عن الشعارات السياسية المباشرة.
وأضاف لـ”العرب” أن “الإضرابات تشل الإنتاج وتزيد الأوضاع الاقتصادية تعقيدا، وتعد فرصة مواتية لإثارة المواطنين غير المتفاعلين مع الحراك، لأنه يعود بشكل سلبي على الجميع، ما يخدم أهداف ومطالب بعض القوى السياسية شريطة أن تتوفر لديها الآليات الملائمة للضغط على السلطة الحاكمة، مع استمرارها أطول فترة ممكنة لدفع السلطة الانتقالية نحو اتخاذ قرارات سياسية تهدأ من روع الشارع”.
وعبر تورشين عن توقعه أن يلجأ المكون العسكري إلى استخدام كافة السبل لإجهاض الإضرابات ومنع تمددها في ولايات وقطاعات متباينة، بما لا يؤدي إلى حدوث انهيار شامل سوف تكون له تأثيرات قوية على قدرته في التحكم على مجريات الأمور على الأرض.
واستمر إضراب تجار السوق الرئيسي في ولاية سنار بوسط السودان احتجاجًا على زيادة تقديرات الضرائب بنسبة قدرها المشاركون في الإضراب بألف في المئة، وظلت أبواب المتاجر وورش الحدادة والمعامل والمرافق الخاصة التجارية مغلقة.
الإضرابات تشكل إحدى الوسائل السلمية التي اُعتمدت في السودان منذ الإطاحة بحكومة عبدالله حمدوك
ودخل أطباء الامتياز في السودان منذ يوم الأحد في إضراب عام عن العمل في ثلاثين مستشفى حكوميا لمدة ثلاثة أيام بعد فشل السلطات المسؤولة في دفع مستحقاتهم المالية وكانوا حريصين على تجنب الإضراب، لكن السلطات لم تستجب لمطالبهم.
ويرى مراقبون أن الاحتجاجات والإضرابات الفئوية تخصم من الرصيد السياسي الذي ظل مسيطراً على اتجاهات الشارع الذي صمد في مواجهة الانقلاب، وأن القناعات بالوصول إلى الديمقراطية طريق لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقد يجري تنحيتها مؤقتًا لدفع السلطة لحل المشكلات الفئوية مع غياب الحلول السياسية.
ويمثل الزخم الدولي والمحلي حول مشروع الدستور الانتقالي الجديد الذي انتهت من صياغته نقابة المحاميين ويتكون من 76 مادة فرصة لتظل الشعارات السياسية حاضرة وسط الإضرابات الفئوية، مع اتساع رقعة الإجماع حول مشروع الدستور وتأييد أطراف دولية عديدة للمسودة كمدخل سياسي لحل الأزمة الراهنة.
ودعت دول غربية إلى مشاركة جميع الأطراف السودانية في عملية سياسية لاستعادة الانتقال الديمقراطي بقيادة مدنية، ووصفت مشروع الدستور الجديد بالخطوة الجادة والمشجعة على تشكيل حكومة مقبولة تضع السودان على الطريق الصحيح.
وشدد بيان مشترك صادر عن سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة في الخرطوم على أن المبادئ الأساسية التي تم تحديدها في وثيقة الدستور الانتقالي ستكون حاسمة لتحقيق نظام موثوق وفعال للحكم الانتقالي بقيادة مدنية يفتح المجال لاستئناف التعاون والدعم الدولي.
وأشار القيادي بقوى الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين إلى أن الإجماع الدولي حول مشروع الوثيقة الدستورية يرجع إلى أنها تضم أطيافا واسعة من القوى السياسية كان من الصعب إقناعها بالجلوس على طاولة واحدة، بينها تحالف الحرية والتغيير والحزب الاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي وجماعة أنصار السنة المحمدية وحركات مسلحة، ما يجعل السودان أمام توافق لقوى مؤثرة في الشارع.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن مشروع الوثيقة الدستورية في طريقه لجذب عدد آخر من المكونات المدنية بينها عدد من لجان المقاومة التي لم تشارك في إعدادها وحركات الجبهة الثورية المتحالفة مع المكون العسكري بما يسهم في وضع المكون العسكري أمام اختبار حقيقي لجدية حديثه بشأن الانسحاب من الحياة السياسية.
واعتبر صلاح الدين أن التطور على المستوى السياسي من خلال مشروع الدستور الجديد لا ينفصل عن التصعيد الحاصل في الشارع عبر توالي الإضرابات التي تعد مكملة لأدوات مواجهة الانقلاب على السلطة، وتشكل إضافة إلى الحراك الشعبي الذي انطلق منذ قرارات رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وهي من أشكال المقاومة المطلوبة في ظل عدم وجود ظهير سياسي يستند عليه الجيش لتحقيق أهدافه من الانقلاب على السلطة.
ونص مشروع الدستور الانتقالي الجديد على إلغاء وثيقة الدستور لسنة 2019، وتظل كل القوانين الصادرة بموجبها سارية المفعول ما لم تعدل أو تلغَ، وإلغاء كل القرارات التي صدرت بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، بما فيها الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي أبرمت بعد ذلك وحتى بدء سريان الدستور.
وحدد المشروع شكل الدولة التي وصفها بأنها ذات “ديمقراطية فيدرالية تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والأديان والمذاهب، وفق نظام حكم برلماني، وتقوم الحقوق فيها على أساس المواطنة دون تمييز”.
إقرأ المزيد