أخبار السياسة المحلية

عالقون بحرب الخرطوم.. (من لم يُقتل بالرصاص ينتظر موته بأسباب أخرى)

الخرطوم – صقر الجديان

من لم يمت برصاص الحرب سيقتله تلوث مياه الشرب، وتفشي الأوبة وفقر الخدمات”. تقول “حنان عثمان” العالقة بمنطقة الجريف منذ ما يقارب العام في حرب العاصمة السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي اندلعت في 14 أبريل الماضي.

ما ذكرته حنان، ينسحب على ملايين السودانيين العالقين في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاثة، الخرطوم والخرطوم بحري، وأم درمان، وسط آلة الحرب المستمرة والانتهاكات التي يرتكبها الطرفان بحق المدنيين العالقين، بجانب تعطل معظم الخدمات الرئيسية وانعدام بعضها في بعض أحياء العاصمة.

خلال الأيام الفائتة- وبحسب حنان- انخفضت حدة الاشتباكات العسكرية بين القوتين في منطقة الجريف التي تعيش بها، لكنها تشير خلال مقابلة مع (عاين) إلى استمرار.

لكن الغارات الجوية لطيران الجيش على مواقع قوات الدعم السريع، مستمرة حيث تتصدى لها الدفاعات الجوية.

فيما لا تزال الخروقات بحق المدنيين مستمرة مع تواصل، عمليات السلب والنهب، التي شملت حتى أفراد من قوات الدعم السريع أنفسهم الذين يسيطرون على المنطقة.

جوع وتلوث

أكثر ما يقلق السكان العالقين في منطقة الجريف -وفقا لحنان- هو انقطاع التيار الكهربائي والماء منذ العاشر من رمضان الفائت وحتى الآن ما زاد معاناة المدنيين.

وذكرت أن المواطنين اضطروا للجوء إلى الآبار المتوفرة في الأحياء للحصول على الماء، بما في ذلك آبار تابعة للدعم السريع، لكن اعتمادهم الأكبر كان على مياه البحر التي يتم شراؤها من عربات “الكارو”.

وأضافت: أن “توقف إمداد المياه أدى إلى إلغاء بعض الأطعمة والمشروبات التي كان يعدها المتطوعون وفرق الطواريء في المطابخ الجماعية خلال شهر رمضان “.

وتقول: “المطابخ المشتركة أصبحت ملاذًا للعالقين في المناطق الساخنة خاصة بعد انقطاع الإنترنت في أحياء شرق العاصمة الخرطوم، منذ فبراير الماضي وتوقف الخدمات البنكية، وتضاعف الإقبال عليها بعد انقطاع الكهرباء والمياه، في ظل نقص السيولة النقدية وارتفاع أسعار السلع وندرة بعض المواد الغذائية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وتتحكم في أسعارها مثل الخبز، الذي يباع 6 قطع منه بألف جنيه ولوح الثلج 25 ألف جنيه”.

أما على الصعيد الصحي، ذكرت حنان: توقف المركز الصحي التابع لغرفة الطوارئ في منطقتها عن العمل نتيجة لانقطاع الكهرباء، وأشارت إلى أنه مع ارتفاع درجات الحرارة انتشرت العديد من الأمراض مثل الملاريا، خاصة بين الأطفال. وقالت: “ضعف البنية الجسمانية للمواطنين العالقين في الخرطوم تجعلهم أكثر قابلية للإصابة بالأمراض بسبب نقص التغذية”.

الموت بضيق التنفس

أوضاع العالقين في ضاحية شرق النيل، والخرطوم بحري، لا تختلف كثيرا عن أوضاعهم عن المناطق الواقعة ضمن نطاق سيطرة الدعم السريع حيث يعاني المدنيون من صعوبات في الحصول على الكهرباء والماء والرعاية الصحية، وخدمات الاتصال والإنترنت.

“نضطر إلى شرب مياه الآبار المالحة، بينما يجلبون لنا مياه الاستحمام والغسيل، من البحر عن طريق شاحنات نقل (دفارات) مرة واحدة في الأسبوع”.

تقول (فاطمة) العالقة في شمبات الحلة منذ بداية الصراع بين الجيش والدعم السريع. لـ(عاين).

وتضيف: “هنا الناس يموتون بسبب ضيق التنفس، وانخفاض وارتفاع وانخفاض مستويات السكر، كما يموتون بالإصابات الناجمة عن المعارك”.

المستشفيات القليلة المتاحة في منطقتها (الصافية والدولي) تواجه صعوبات في استيعاب العدد المتزايد من المرضى، كما تتعرض لخطر الاستهداف من قبل الأطراف المتصارعة، مما يعرض حياة المدنيين للخطر.

في مختلف أنحاء بحري، تتركز السيطرة بشكل أساسي لقوات الدعم السريع بمناطق شمبات (الحلة والأراضي)، والحلفايا، والأزيرقاب، وجنوبا حتى مناطق الشعبية والدناقلة والختمية والحاج يوسف.

ومع دخول الحرب عامها الثاني، فإن العالقين في بحري يشكون نقص المواد الغذائية، التي أجبرتهم على الاعتماد على المطابخ الجماعية، ومع أن الأخيرة “تكايا ذاتية التمويل” تقدم الوجبات، حتى خلال شهر رمضان المنصرم، فإن الجيش يصادر مؤونها بحجة أن المستفيد منها الدعم السريع.

تهديدات بالقصف والتهجير

يفيد شهود مدنيون من منطقة شرق النيل – تحجب (عاين) أسمائهم لدواع أمنية- بوجود تهديدات تستهدف أهالي المنطقة من خلال حسابات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحذر من قصف جوي محتمل يستهدف المنطقة بزعم كونها حاضنة اجتماعية لقوات الدعم السريع. وثمة تهديدات أخرى تتعلق بالتهجير القسري وإجبار السكان على إخلاء منازلهم.

وأشار الشهود، إلى أن الأوضاع الأمنية السيئة وانقطاع الكهرباء، تجعل السكان عُرضة للتفلتات الأمنية وعمليات النهب والنصب، علما بأن منطقة شرق النيل، تعد مأوى لآلاف النازحين القادمين من مناطق متفرقة مثل كوبر والسامراب والدروشاب والعزبة وأم درمان وجنوب الحزام وبحري، الذين فروا إليها بحثًا عن الأمان والاستقرار بعيدًا عن مناطق الصراع.

في الخطر

غادرت هناء (اسم مستعار) هي وشقيقتها ضاحية الحاج يوسف، التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، متجهتين نحو بورتسودان بعد عشرة أشهر من اندلاع حرب منتصف أبريل.

وذكرت في إفادتها لـ(عاين) أنهم قضوا أشهراً بدون كهرباء أو ماء، مع فقدان الاتصالات والإنترنت منذ فبراير الماضي، وسط تبادل للقصف والاشتباكات.

وتقول: “المثير للقلق أن منطقتنا تأوي العديد من أفراد الجيش والشرطة”. وأضافت: “نحن في خطر من الطرفين، لا ننتمي إلى أي منهما، ولكننا نصبح هدفًا لهما”.

وتشير إلى تدهور الأوضاع الصحية في المنطقة على نحو ظاهر؛ بسبب النقص في الرعاية الطبية وانعدام الأدوية في الخرطوم وشرق النيل. أما عن التحويلات المالية البنكية التي يديرها أفراد من قوات الدعم السريع، فتخضع- وفقًا لهناء- لرسوم بقيمة 20 ألف جنيه لكل مائة ألف جنيه.

بطل تحت الحصار

من بطل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، إلى متهم من قبل قوات الدعم السريع بالانتماء إلى الجيش، هكذا وجد البطل السوداني رمضان رحمة، (44) عاما نفسه في دائرة الاتهام.

وبساق خشبي دخل “رمضان” موسوعة غينيس للأرقام القياسية في العام 2022م لأكثر عدد ضربات جزاء خلال ساعة، في تصنيفات البتر الأحادي من فوق الركبة بعد تسجيله 356 ركلة احترافية.

استفاق رمضان، هو وأسرته على وقع خطوات دهم قوة مسلحة من الدعم السريع، لمنزلهم بشرق النيل، عند الثانية من صباح السابع من يناير المنصرم.

طريقة الاقتحام نشرت الرعب في الأطفال النائمين، أصيبت والدة رحمة بحالة إغماء، لكنهم لم يكتفوا بذلك، بل طلبوا مفتاح السيارة الموجودة داخل المنزل بغرض سرقتها.

ووفقا لشهادة العناصر المداهمة، كما ذكر رمضان في حديثه مع (عاين) أن شخصا بالحي، أبلغهم بصفة شخصية، أن- رحمة- نظامي يتبع للقوات المسلحة، بينما في حقيقة الأمر هو من ذوي الاحتياجات الخاصة، تعرض لبتر في قدمه اليسرى جراء حادث مروري منذ أن كان طفلا في الخامسة من عمره.

في ظل ذلك الاتهام لم يجد بطل غينيس وأسرته مخرجا غير التأكيد إثبات عدم صحة ما ذكروه من معلومات لعناصر الدعم السريع، عن طريق الأوراق والمستندات الرسمية أو عبر مشاهدة فيديوهات مباشرة له، ما دفع عناصر الدعم السريع للمغادرة، بعد التعرف على هويته.

ومنذ نحو شهرين تنقطع الاتصالات في أرجاء العاصمة السودانية التي يضطر الملايين للبقاء تحت نيران الحرب وسط صعوبات وصول المساعدات الإنسانية ا، وتوقف المئات من غرف الطوارئ التي يديرها متطوعون، وتقدم مساعدات غذائية مباشرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى