عقوبات وحظر ودبلوماسية.. معادلة أوروبا الصعبة بوجه روسيا
تحذيرات وعقوبات شكلت السمة الأبرز لردود الفعل الأوروبية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية في تسوناني غاضب لم يغلق باب الدبلوماسية.
مواقف يصفها البعض بالمتضاربة تقاطعت عندها أبرز الدول الأوروبية التي نددت بالهجوم الروسي ثم صعدت وتيرة غضبها عبر فرض عقوبات غير مسبوقة على موسكو، ومع ذلك لم تتوقف الحرب، ما يضع تكتل القارة العجوز أمام خيارات معقدة.
حظر جوي؟
لطالما طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بفرض منطقة حظر جوي فوق بلاده للحد من الغارات الروسية على كييف ومدن أخرى.
لكن طلبا مماثلا يظل حتى الساعة غير قابل للتنفيذ، بما أن أوكرانيا لا تنتمي لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، وبالتالي لا يمكن له نشر أي قوات تابعة له على حدود هذا البلد أو فوق مجاله الجوي.
كما أن أي “تهور” من جانب الغرب في هذه الجزئية قد يقود نحو السيناريو الأسوأ وهو اندلاع “حرب شاملة في أوروبا”؛ الطرح الذي يثير رعب القارة العجوز وواشنطن أيضا، لأن أي انفجار في هذه القارة سيدفع بشكل أو بآخر نحو اختلالات عميقة تقود بدورها نحو حرب عالمية جديدة.
سيناريو مرعب حذر منه الأمين العالم للناتو ينس ستولتنبرغ، حين قال إن “الوسيلة الوحيدة لفرض منطقة حظر جوي هي إرسال طائرات مقاتلة للحلف إلى المجال الجوي الأوكراني، ثم إسقاط طائرات روسية لفرض احترامها”، محذرا من ذلك سيقود حتما إلى نشوب “حرب شاملة في أوروبا”.
ويعتقد محللون أن شبح الحرب الشاملة هو ما يكبل المواقف الأوروبية -والغرب عموما- في الوقت الراهن، علاوة على مخاطر نشوب حرب نووية، ما يحشر الثنائي في زاوية ضيقة تجعله غير قادر على المجازفة بفرض طوق جوي على أوكرانيا.
لكن مواقف مماثلة قد تفقد صلاحيتها قريبا في حال استمرار الحرب، ومع ذلك قد لا يجد الغرب أيضا أي حلول باستثناء دعم كييف بالأسلحة.
عقوبات إضافية؟
توعدت دول مجموعة السبع الجمعة بفرض “عقوبات صارمة جديدة” على موسكو، في ضغط تستهدف من ورائه تأمين استمرارية الضغط على روسيا حتى تضع حدا فوريا لحربها في أوكرانيا.
لكن يبدو أن موسكو لا تأبه لعقوبات الغرب، ما يعني أن استمرار الضغط عبر هذه الوسيلة قد لا يؤتي أكله، خصوصا أن الأمريكيين على سبيل المثال بدؤوا من “أعلى السلم” في فرض العقوبات على موسكو، أي أن العقوبات التالية قد لا تنجح في إحراز الهدف المنشود.
واشنطن التي تقود مع أوروبا الجهود الغربية للضغط على موسكو فرضت عقوبات غير مسبوقة على النظام المالي الروسي وعلى الأثرياء المقربين من الكرملين، كما حظرت صادرات التكنولوجيا الحيوية وفرضت حصارا جويا على روسيا.
ورغم طبيعة العقوبات وقساوتها، إلا أن لا شيء يبدو بقادر على ردع موسكو ووقف الحرب، وهو ما توقعه السفير الأمريكي السابق لدى كييف وليام تايلور بقوله: “أنا من الذين كانوا يعتقدون أن التهديد بالعقوبات سيكفي لردع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين عن شن هجومه العسكري، لكن هذا لم يكن الحال”.
وأضاف “لست واثقا بالتالي أن المزيد من العقوبات سيقنعه بالانسحاب”، وسط مطالبات أمريكية بحظر واردات النفط الروسي إلى الولايات المتحدة.
لكن وفي ضوء الارتدادات القاتلة للعقوبات الغربية على موسكو، يخشى الغرب من إجراءات تقود نحو خفض العرض العالمي على الطاقة ما ستتسبب تلقائيا بزيادة أسعار الوقود في أوروبا والولايات المتحدة.
الدبلوماسية؟
يعتقد خبراء أن أقصى ما يمكن للغرب القيام به حاليا هو ترك باب الدبلوماسية مفتوحا، عبر مواصلة المحاولات لإقناع بوتين بالتراجع، أي النسج على منوال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز.
وفي حديث لوكالة “فرانس برس”، يرى صمويل شاراب من مؤسسة “راند” للدراسات، أنه يجدر بواشنطن مواصلة المحاولات لإقناع بوتين بالتراجع، مستدركا أن الأمر “قد يكون مستحيلا، لكني أعتقد أنه أفضل ما يمكننا القيام به في الوقت الحاضر”.
دعوات لملازمة الدبلوماسية تتناقض مع أخرى أطلقها السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام إلى اغتيال بوتين معتبرا أن “أحدا داخل روسيا” يجب أن يقدم على ذلك.
غير أن البيت الأبيض رد الجمعة بشكل قاطع قائلا “لا ندعو إلى اغتيال قائد بلد أجنبي ولا إلى تغيير نظام. هذا لا يمثل سياسة الولايات المتحدة”.
لكن بعض المراقبين يرون أن العقوبات، بخنقها الاقتصاد الروسي واستهداف أصول الأوليغارشيين من أوساط الكرملين الذين حققوا ثروات طائلة، قد تدفع بعض أفراد الدائرة المقربة من بوتين للانقلاب ضده.