مقالات الرأي

عم عبد الرحيم وعرضة الهياج

 

فتاح يا عليم رزاق يا كريم
صل على عجل همهم همهمة
حصن للعباد وهوزز سبحتو
دنقر للتراب هم فوق همهمة
صنقع للسماء
وكان في الجو في غيم
وكم نجمات بعاد
وكان الدنيا صيف
ما قالتو كيف أصبحت كيف
لا همسة وداد لا لمسة حنان
لا رمشة طريف
من قلبا وفي زي أيام زمان
أيام الدفي.

وفي حكاياتنا عم عبد الرحيم في رواياتنا وأحاجينا وكل تفاصيل حياتنا حلوها ومرها.. عم عبد الرحيم عطر الفصول ووعد البلابل والسنابل والحقول.. عم عبد الرحيم كالشامة في خد الوطن، كنهرنا العظيم في العطاء وأرضنا الطيبة في السخاء وجبالنا الراسيات الشامخات في العلو والثبات.. عم عبد الرحيم بشارة الفرح وقيدومة العديل والزين، رمز الحرية والتعايش والجباه العالية التي ما ركعت لغير الله، وعم عبد الرحيم ود علي ودجبير حكاية أخرى تؤكد أن هذا الوطن خلق عظيمًا وسيظل عظيمًا مهما تعرض للمحن والإبتلاءات، فهذا الرجل الشامخ لم تكسر الحرب اللعينة بأوجاعها وٱلأمها قوته، لم تثنه عن عزيمته في مواصلة رحلة الكفاح، لم يجأر بالشكوى، ولم يتسلل اليأس لدواخله، ظل مؤمنٱ بأن الحال المائل سينعدل، وأن الحياة ستغني من جديد وتتمايل رقصًا على إيقاع الاستقرار والأمان و”إيه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن”.

عم عبد الرحيم ترك داره بالهبيكة عكود المنطقة التي أحبته وألفته وزرع في شوارعها المحبة والخير والجمال، ترك الهبيكة وهو كبيرها، شيخها وزعيمها وأهم أركانها وأضخم ركائزها، وهاجر بعيدًا وفي القلب حسرة وفي النفس كسرة، حيث طاب به المقام بـ”السوكي الصادقاب”، اعتصر الوجع داخله دون أن يزرف دمعة واحدة، وجع الرحيل ومفارقة الديار، ووجع الوطن الذي سلط عليه الله تتار آخرون أضرموا فيه النار وعبروا عن كل ما بدواخلهم من ضغائن وأحقاد وأمراض قتلًا وإذلالًا وإهانة.. فمثل هذا ما تعود عليه الرجل أبدًا رغم أنه حضر جزءًا من حقبة الاستعمار ويعرف الكثير عن فترة جنون “الجهادية”ـ ذاك الجنون الذي أعاد صناعته من جديد عرب الشتات، الكيان الأسود، الذي ضم في داخله كل القتلة والمجرمين وعديمي الضمير.

عم عبد الرحيم لم يخالجه أدنى شك في أن هؤلاء الغزاة المتوحشين لن يكون لهم مستقبل فمصيرهم الزوال.. يدرك ذلك لأنه مؤمن تقي ويثق في أن الله العدل المنتقم الجبار سيضع حدًا لهم، حدًا لطغيانهم وفسادهم وأحلامهم البئيسة التي تشابه أخلاقهم وأشكالهم القبيحة.. عم عبد الرحيم الصوفي المتيم بمحية المصطفى سيد الخلق جُبل على الصبر، و”الصوفية أصحاب القضية الصوفية سادتي الوفية” كما يشدو دومًا ويترنم طريقة تعلم الناس الصبر عند الشدائد، وهذا ما يفسر حالة كل أهل السودان في هذا الامتحان القاسي.

كان عم عبد الرحيم يرى نصر قواتنا المسلحة مثلما يرى الشمس في رابعة النهار، فالنصر ساعة صبر، وقد دقت الساعة، وذاع خبر تحرير عاصمة الجزيرة وعم القرى والحضر، فكانت رقصة الهياج المهيبة لعم عبد الرحيم، تلك العرضة التي طارت كما عصافير الشدو في الفضاء الوسيع لتصبح تريندًا في الميديا يتبارى أهل السودان في تضمينها بصفحاتهم على “الفيس بوك” كأعمق وأصدق محتوى لعودة مدني الحبيبة لحضن الوطن، عودة القمرة لوطن القماري.. فهذه العرضة التي استدعت في ذاكرة كل سوداني قيم الجسارة والبسالة والشموخ، كانت بحق فرحة أمة ترفض الانكسار وتأبى الاستسلام ولا تقبل بغير النصر بديلًا عندما تبتلى بالمواجهات الكبيرة ويحاول الأعداء التلاعب بامجادها وقيمها والمساس بشرفها وعزها.

ومن غير جيشنا العظيم يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر، من غيره لصياغة الدنيا الجديدة، وتركيب الحياة القادمة، فإن كان للثورات العظيمة ايقونات فإن للانتصارات أيضًا إيقونات، وعم عبد الرحيم هو أيقونة انتصار الجيش وانتصار الوطن.. فلنغني للوطن مثلما غنى الخليل، مثلما غنت مهيرة تلهب الأجيال جيلًا بعد جيل، نغني لحامي الحمى، جيشنا العظيم، ولعم عبد الرحيم وللهبيكة عكود التي أنجبته، وللجزيرة التي كانت وما زالت وستظل كما العهد بها تصدر للوطن الرجال والمواقف وكل التفاصيل الجميلة.
وعم عبد الرحيم يا كم من بشر
صحي العز سلام ما يغشاك شر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى