أخبار السياسة المحلية

عوامل تعثر مبادرة الآلية الثلاثية في السودان تفوق نجاحها

الترتيبات النهائية للحوار تواجه عثرات عدة على مستوى تحديد أطرافه وأجندته في ظل أجواء احتقان تشهدها البلاد.

الخرطوم – صقر الجديان

يهيمن الغموض على العملية السياسية التي أعلنتها الآلية الثلاثية المكونة من البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد في السودان، ومن المقرر أن تنطلق الثلاثاء بعقد حوارات تمهيدية بين أطراف الصراع ولمدة يومين، وسط انسحاب قوى سياسية وتأكيد أخرى عدم تسلم دعاوى للمشاركة في الحوار قبيل انطلاقه.

وأعلن حزب المؤتمر السوداني عدم مشاركته في الحوار الذي سترعاه الآلية، وأنه يرفض ضمن تحالف الحرية والتغيير مقترح الاجتماع التحضيري الذي سوقته الآلية الثلاثية، والذي يستهدف إيجاد مواقف موحدة بين جميع القوى المدنية قبل المشاركة في مباحثات مع المكون العسكري.

وعلمت “شبكة صقر الجديان” أن تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي) عقد اجتماعا السبت، شهد نقاشات عديدة بشأن إمكانية الانسحاب من الاجتماع وانقسمت الأحزاب بين من يدعم المشاركة وفقا لشروط يجري التوافق عليها للحوار، وأخرى رأت أهمية الانسحاب لتوصيل رسالة مفادها أنها تنحاز للشارع الرافض للحوار مع العسكريين بوجه عام واتخاذ مواقف متقاربة من لجان المقاومة والحزب الشيوعي، وهما يرفضان خطوات الآلية الثلاثية.

نورالدين صلاح الدين: الآلية الثلاثية لم تخاطب جوهر الأزمة الحالية

ولم تصدر عن الآلية السياسية أي مواقف بشأن الترتيبات النهائية للحوار، ويبدو أنها تواجه عثرات عدة على مستوى تحديد أطرافه وأجندته في ظل أجواء احتقان تشهدها البلاد عقب عمليات دهس المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى القصر الرئاسي الخميس الماضي، وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة العشرات.

وفشلت خطوات المكون العسكري التي اتخذها على مدار الشهر الماضي وتضمنت الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين في تهيئة الأجواء العامة للحوار لأن وعود إلغاء حالة الطوارئ لم تتحقق، وهناك المئات من المعتقلين لم يجر إطلاق سراحهم.

وألقى توالي الإفراجات عن رموز النظام السابق وتنظيم الإخوان بظلاله على أي قرارات أخرى، وبدت السلطة الحالية تحاول التغطية على خطتها بدمج فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير في العمل السياسي وليس التهيئة لإنجاح الحوار.

وقال عضو تحالف الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين إن صيغة الدعوة التي قدمتها الآلية الثلاثية لم تخاطب جوهر الأزمة الحالية التي هي أصلا صنيعة السلطة الانتقالية وحصرتها في كونها خلافا بين المدنيين ومن الضروري أن تكون الحوارات مباشرة بين ممثلي السلطة الانقلابية والمناهضين لها وليس الوضع الحالي الذي يريد التعامل مع المدنيين ككتلة واحدة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن إغراق الحوار بكافة أشكال الطيف السياسي كطرف واحد يُفرغ العملية السياسية من محتواها، لأن هناك قوى محسوبة على الانقلاب وتعتبر ما حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي “إجراءات تصحيحية”، وكان من المهم التفرقة بين من يقفون إلى جانب تطلعات السودانيين في التحول المدني الديمقراطي والذين اختاروا التحالف مع السلطة الانتقالية وبينهم رموز النظام البائد.

وأشار نورالدين، وهو عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني، إلى أن الآلية الثلاثية لم تضع أهدافا واضحة للحوار ولم تحدد الغاية منه، وهو أمر محل اعتراض من تحالف الحرية والتغيير الذي قدم تصورا للبعثة الأممية تضمن أن يكون إنهاء الانقلاب على رأس أهداف العملية السياسية، بجانب استئناف المسار الديمقراطي وتشكيل سلطة مدنية كاملة وتطرقنا إلى مؤسسات الحكم وكيفية اختيار شاغليها ومهامها والمدى الزمني لها وانتهاء بإجراء الانتخابات العامة.

وتكمن أزمة الآلية الثلاثية في أنها لا تحظى بثقة كاملة من المدنيين الذين يرون أنها تمضي في طريق تكرار انتكاسة الاتفاق السياسي بين رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان، طالما أنها تستهدف فقط الوصول إلى تفاهمات لن تكون محل رضاء داخلي وسيكون مصيرها الفشل حتى وإن حازت على دعم المجتمع الدولي وأطراف إقليمية فاعلة.

عمّار عوض: القوى السياسية لديها مواقف مناهضة لمنهج الحوار وآلياته

ولا تحظى الآلية بثقة العسكريين الذين يرون أن هناك تدخلات في الشأن الداخلي من البعثة الأممية ويتعاملون مع الرعاية الدولية للمفاوضات مع الأطراف الداخلية على أنها لن تأتي بجديد ويمكن إيجاد حلول عبر المبادرات الداخلية، غير أنهم لا يعلنون مواقف رافضة بشكل مباشر للحوار ويلقون بثقل الأزمة على القوى المدنية باعتبار أنها تعاني انقساما يجب حله أولا قبل الجلوس على طاولة تفاوض مباشرة.

ويقول متابعون إن القوى المدنية تدرك أن تعثر الحوار سيقودها مباشرة إلى إلقاء ثقلها كله نحو الشارع والاستمرار في فعالياتها الجماهيرية والتي حققت مكسبا سياسيا لها تمثل في كونها أفشلت قدرات السلطة الحالية على تشكيل حكومة جديدة وإن لم يترتب على ذلك استعادتها حضورها في هياكل السلطة، بالتالي فإنها ترى أنها ليست مجبرة لتقديم تنازلات للطرف الساعي للتعامل مع حالة التفكك الحالية.

وتضع تلك المعادلة أمام الجهات القائمة على رعاية التفاوض صعوبات جديدة لأن المكون العسكري القابض على السلطة يواجه تعقيدات وخلافات داخلية بين جهات محسوبة على التيار الإسلامي تتمسك بعدم تقديم تنازلات للقوى المدنية والاستمرار في استخدام العنف ضدها وأخرى لا تمانع في الوصول لتوافق يضمن الحفاظ على خيوط السلطة بيد القوات المسلحة وإن لم يكن ذلك من خلال بقائه على رأسها.

وذكر المحلل السياسي عمّار عوض أن القوى السياسية لديها مواقف مناهضة لمنهج الحوار وآلياته، لكنها لا تمانع الحوار، وليس من الممكن أن تبدأ الجلسات وفق ما هو معلن في ظل رفض الأطراف المدنية المؤثرة للمنهجية الحالية والأطراف المشاركة فيه، وعدم قناعتها بوجود حوار مدني – مدني بعيدا عن أطراف الأزمة الرئيسية، ما يفتح الباب لحوارات حول أطر العملية السياسية مع عودة الآلية الثلاثية للبلاد.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الجبهة الثورية التي تضم في عضويتها حركات مسلحة وتنظيمات سياسية لديها رؤية مغايرة لما طرحته الآلية الثلاثية وتدعم إقامة حوار مباشر بين القوى المدنية والعسكريين وأطراف السلام، في حين أنها لم تستطع تغيير مواقف قوى الشارع ولجان المقاومة التي ترفض كافة أشكال الحوار ومن المنتظر أن تصدر ميثاقا سياسيا جديدا خلال أيام يعبر عن مواقفها من الأزمة الراهنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى