فيضان النيل في السودان يهددها..اكتشف سحر أهرامات مروي التاريخية
الخرطوم – صقر الجديان
وسط فيضان نهر النيل غير المسبوق الذي تشهده السودان، تهدد هذه الكارثة مواقع أثرية مهمة مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي تحت مسمى “جزيرة مروي”، أي منطقة البجراوية الأثرية.
وتقع آثار مملكة مروي على الضفة الشرقية للنيل، وهي امتداد للحضارات السودانية، “حضارة كوش” العريقة، والتي تعود لفترة 750 قبل الميلاد إلى سنة 350 ميلادي، وفقاً للموقع الرسمي لحكومة ولاية نهر النيل السودانية.
وتعد المدينة الملكية موقعاً في غاية الأهمية، فهي بمثابة أهم الشواهد على تاريخ مدينة مروي وآثارها والتي تحوي معبد الإله آمون والحمام الملكي، حسبما ذكرته وكالة الأنباء السودانية “سونا”.
ويحكي كاتب رحلات السفر البرتغالي، روي باتيستا، لموقع CNN بالعربية، عن رحلته إلى المواقع الأثرية في مدينة مروي بالسودان في فبراير/شباط عام 2018.
ويوضح باتيستا أنه يهتم كثيراً بزيارة البلدان ذات التوجه السياحي الأقل كثافة، حيث تتوفر التجارب الأكثر أصالة والأكثر تحدياً على جميع الأصعدة.
وقد قرر باتيستا القيام برحلة إلى السودان بعد أن سمع عن تراثه التاريخي الثري، وعن شعبه المضياف الذي يمتاز بلطفه، مشيراً إلى أنه بمجرد أن قرر زيارة السودان، كانت أهرامات مروي على رأس قائمة وجهاته هناك.
وأهرامات مروي، التي تقع علي بعد 4 كيلومترات من المدينة الملكية، هي عبارة عن مدافن ملوك وملكات مروي، ويفوق عددها 140 هرماً، وتعرف بالأهرامات الشمالية والجنوبية والغربية، وقفاً للموقع الرسمي لحكومة ولاية نهر النيل.
واستخدمت الأهرامات لأول مرة كمدفن ملكي في القرن السابع قبل الميلاد في العصر النبتي، في عهد الأسرة الخامسة والعشرين. وتضم معظم هذه الأهرامات معابد جنائز ملحقة بها، ورسومات ونقوش جدارية تصور الحياة الدينية المروية والتطور السياسي.
ويصف باتيستا السير نحو أهرامات مروي، وسط الصحراء، وتحت أشعة الشمس القوية، بأنها تجربة تسافر بك عبر الزمن، وأنها أشبه بالدخول في بُعدٍ آخر ينقلك إلى لحظات بعيدة في التاريخ، مؤكداً أن المكان يحتوي على طاقة وجمال من نوعٍ خاص، بحسب ما ذكره.
وأحس باتيستا أن هذا مكان يحمل أهمية تاريخية فريدة، كما أنه يظهر للعالم أفريقيا بشكل مختلف كلياً، وقد صادف باتيستا العديد من السودانيين خلال رحلته، إذ وصفهم بأنهم يتسمون بالود والفخر بإرثهم التاريخي.
ويشير باتيستا إلى أنه استمتع بالمشي بين بقايا الأهرامات والمعابد والمباني المحلية، محاولًا استيعاب أكبر قدر ممكن من تفاصيل الموقع الأثري.
ومن خلال المعلومات التي قرأها عن المكان، حاول باتيستا تخيل كيف كانت الحياة اليومية حينما كانت مملكة “كوش” في ذروتها.
ويأمل باتيستا أن تساعد السلطات المحلية، بالشراكة مع اليونسكو والمنظمات الدولية الأخرى، في الحفاظ على مروي بشكل أفضل، مضيفاً أنه سيكون من الممتع لجميع المسافرين الوصول بسهولة إلى موقع التراث العالمي المذهل.
أما اليوم، فتعاني منطقة البجراوية الأثرية من تأثير فيضان النيل غير المسبوق.
وقالت مسؤولة الترميم بموقع الحمام الملكي بمنطقة “البجراوية” الأثرية، أميمة حسب الرسول، إن المياه غمرت سور المدينة الأثرية مما أدى لتشبعه بالمياه، ما قد يؤدي إلى ظهور أملاح على الحجر الرملي وتفتته، بحسب وكالة الأنباء السودانية.
وأوضحت أميمة بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السودانية، أن المياه وصلت للمبنى الملحق بالحمام الملكي، لافتةً إلى أن المبنى مطلي من الداخل بطبقة من البلاستر وعليها نقوش ملونة، مشيرة الى أن تشبعه بالمياه يؤدي إلى الرطوبة النسبية ما قد يتسبب في بهتان اللون وتقشر البلاستر.
ولدى تفقده موقع الحمام الملكي بالبجراوية للوقوف على الآثار التي خلفها فيضان النيل، الاثنين، أشاد وزير الثقافة والإعلام السوداني، فيصل محمد صالح، بالجهود المحلية الكبيرة في إقامة المصدات لحماية حدود موقع المدينة الملكية، مبيناً تأثر الحائط الخارجي للمدينة الملكية والذي لا يزال جزء منه مغمور بالمياه، وفقاً لوكالة الأنباء السودانية.
ولفت الوزير إلى أن المنطقة الأثرية بالداخل لم تتضرر وذلك بفضل تداركها في الوقت المناسب بوضع مصدات المياه، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السودانية “سونا”.
ومن جانبه، صرح مدير الوحدة الأثرية الفرنسية في السودان، مارك مايو، لوكالة فرانس برس بأن منطقة “البجراوية” الأثرية التي كانت في ما مضى عاصمة للمملكة المروية، مهددة بالفيضان بسبب ارتفاع منسوب مياه نهر النيل إلى مستوى قياسي.
وأكد مايو أنه “لم يسبق أبداً للفيضانات أن بلغت مدينة البجراوية الملكية التي تبعد 500 متر عن مجرى نهر النيل”، وفقاً لما ذكرته وكالة “فرانس برس”.
وبشأن ذلك، يقول باتيستا أنه يشعر بالأسى لما حلّ بالسودان وبآثارها المميزة للغاية.
ويرى باتيستا أنه يجب الدفاع عن هذا التراث التاريخي والثقافي الغني والفريد والمحافظة عليه.
ويقول باتيستا إن “تراثاً فريداً مثل هذا لا يمكن تركه والتخلي عنه، ويجب على جميع الهيئات الوطنية والدولية التي يمكنها المساعدة أن تفعل ذلك”.