أخبار السياسة المحلية

في وجود الخبير الأممي.. استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في السودان

الخرطوم – صقر الجديان

شهد السودان تدهوراً مريعاً في ملف حقوق الإنسان، بعد انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي، وما صحبه من اعتقالات وقتل للمتظاهرين السلميين، وتضييق على الحريات في المجالات كافة، مما دفع الأمم المتحدة إلى استعجال ابتعاث الخبير الأممي المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان أداما ديانغ، إلى البلاد والوقوف على الأوضاع ورفع تقرير.

وبالرغم من وجود الخبير في الخرطوم منذ الأحد الماضي، إلا أن السلطات الانقلابية واصلت مسلسل الانتهاكات خلال المواكب التي خرجت أيام الأحد والاثنين والثلاثاء في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.

تقصي الانتهاكات

أداما ديانغ الذي وصل الخرطوم الأحد الماضي، التقى فور وصوله بالممثل الخاص للأمين العام، رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الفترة الانتقالية في السودان «يونتامس» فولكر بيرتس ومسؤولين أمميين، كما التقي بوزارة الخارجية السودانية، ممثلين عن المكتب الموحد للأطباء، مع مجموعة من المراكز والمنظمات المهتمّة بحقوق الإنسان.

وقال أطباء في السودان الاثنين، إنهم سلموا الخبير الأممي، إحصائية عن ضحايا الاحتجاجات الشعبية المناهضة لإجراءات الجيش والاعتداءات على المدنيين في إقليم دارفور والذين يفوقون الـ«250» قتيلاً.

فيما أكدت الحكومة الانقلابية، استعدادها للتعاون مع الخبير، وتعهدت بتقديم كل الدعم والمساعدة لتسهيل مهمته في سبيل تعزيز وترقية حقوق الإنسان في السودان.

وأشارت إلى أن «الحكومة الانتقالية سعت إلى الوفاء بتعهداتها الواردة في المواثيق الدولية والوثيقة الدستورية لعام 2019 لتحسين حالة حقوق الإنسان في السودان وايقاف الحرب وبناء السلام العادل الشامل والمستدام».

وقال وكيل وزارة العدل، مقرر الآلية الوطنية لحقوق الإنسان جمعة الوكيل الإعيسر، إن زيارة أداما للسودان تتلخص في التأكد من الإدعاءات والمزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان خلال التظاهرات التي انتظمت البلاد منذ 25 أكتوبر 2021م، ورفع تقرير بشأنها لمجلس حقوق الإنسان في يونيو 2022م، إضافة إلى تقديم الاحاطة الشفوية عن مجريات الأحداث وحالة حقوق الإنسان في مارس 2022م.

تدهور مريع

وقال الخبير القانوني معز حضرة لـ«التغيير»، إنه بعد رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، تحسّن وضع حقوق الإنسان خلال السنتين الماضتين، لكن بعد انقلاب 25 أكتوبر المشؤوم حدث تدهور مريع في حقوق الإنسان، مما جعل مجلس حقوق الإنسان يُعين الخبير أداما ديانغ.

وأشار إلى أن أداما كان من المقرّر وصوله السودان منذ أول شهر لتعيينه إلا أن السلطة الانقلابية رفضت الزيارة، وحضوره الآن لمراقبة الحالة على أرض الواقع.

وأكد حضرة أن الخبير ديانغ قابل محامين وناشطين في حقوق الإنسان وأسر المعتقلين لرفع تقرير لمجلس لحقوق الإنسان، «وبالتأكيد لن يكون في صالح الانقلابيين».

وقال إن السلطة الانقلابية في سبيل إصلاح ما يمكن إصلاحه قامت بإطلاق عدد من المعتقلين من سجن سوبا.

معلومات مضللة

ويتخوف مراقبون من تقديم السلطات الانقلابية معلومات مضللة للخبير الأممي بشأن أوضاع حقوق الإنسان، خاصة بعد إقدامها على إطلاق بعض الموقوفين من السجون.

إلا أن حضرة استبعد تقديم الحكومة معلومات مضللة وقال: «مهما قدّمت الحكومة معلومات مضللة فإن الخبير سوف يصل للحقيقة من خلال لقائه بالمدافعين عن حقوق الإنسان وأسر المعتقلين والضحايا».

وتوقّع حضرة اتخاذ مجلس حقوق الإنسان قرارات أشد صرامة ضد حكومة السودان فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

استمرار الانتهاكات

في السياق، أكد نائب رئيس هيئة محامي دارفور، الناشط في مجال حقوق الإنسان صالح محمود، استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في السودان بعد سقوط البشير ونجاح ثورة ديسمبر.

وأشار إلى استمرار جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في دارفور ومناطق أخرى، واعتبر أن ما حدث في الجنينة وكريندق بولاية غرب دارفور، وجبل مرة وسط دارفور، يشكل امتداداً لما كان يحدث في زمن المخلوع عمر البشير.

ووصف محمود ما حدث من انتهاكات في السودان منذ مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019م بالجرائم ضد الإنسانية.

وأوضح أن هذه الانتهاكات أثارت موجه وردود فعل في كل دول العالم خاصةً في المؤسسات ذات المصلحة بملف حقوق الإنسان، مما أدى إلى عرض قضية السودان على مجلس الأمن أكثر من مرة، ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، وتمّت مراجعة ملف السودان للمرة الثالثة، وفي هذه الاجتماعات تقرّر إرسال مبعوث إلى السودان لرفع تقرير عن طبيعة ما يحدث.

لا قدرة ولا رغبة

وقال محمود: «قبل اختيار المبعوث الجديد أداما ديانغ كان السودان ضمن البند الرابع- ولاية المراقب الخاص لحقوق الإنسان- وتم تحويل السودان إلى الفصل العاشر في الأيام الأخيرة من عمر البشير».

وأضاف: «هذا الفصل يتيح للسودان الاستفادة من الإمكانات الفنية الواسعة لإجراء إصلاحات جذرية في المؤسسات العدلية والقوانين السائدة، لأن هذه القوانين مخالفة ومتناقضة مع المعايير الدولية».

وأكد محمود أن القضاء السوداني غير قادر وغير راغب في تطبيق العدالة.

وتابع: «الآن هنالك مؤشرات إيجابية من بعض قضاة المحكمة العليا، الذين عبّروا عن رفضهم لما يجري في مواجهة المتظاهرين».

وزاد: «هذا تغيير نوعي لكنه لم يصل لدرجة إظهار الرغبة الحقيقة لدى الحكومة السودانية في تطبيق العدالة».

وأردف: «مازالت الأوضاع كما هي فيما يتعلق باستقلال القضاء، والإرادة السياسية من الدولة، وهذا غير موجود».

تعقيدات كبيرة

بدوره، اعتبر أستاذ القانون الدولي بالجامعات السودانية ياسر بابكر، أن الفترات الانتقالية تمر بتعقيدات كبيرة ولا تستطيع إعادة الحقوق إلى أصحابها، وتوفر للجناة مهرباً من المساءلة القانونية.

وقال : «لكل بلد ظروفه الخاصة التي تؤثر على تعاملاته المتعلّقة بكفالة حق الإنسان، بين الظروف التي تحتم اتخاذ إجراءات رحيمة وتلك التي تتطلب إجراء محاكمات وعقوبات».

وأصاف: «في كلتا الحالتين يجب أن تلزم تلك السياسية الحدود الدولية التي يرسمها القانون الدولي ويجري بناءً عليها تقصي الحقائق ومعالة المذنبين وتوقيع العقوبات».

وأشار إلى أن القضية المهمة في ما يلي المراحل الانتقالية التي يراد عبرها التأسيس لدولة المؤسسات تتمثّل في تحقيق صيغة العدالة الانتقالية التي تسمح بتصفية حسابات الماضي دونما تأثير سالب على مسار العملية الانتقالية وخطواتها.

وقال بابكر: «مهما كان نوع النموذج الذي يمضي نحوه التحول الديمقراطي فإنه لا مهرب من تقديم صورة موثوق بها للحقائق حول الماضي، كما أن مبدأ المحاسبة لا يجب أن يضيع في زحمة العفو».

يُذكر أن الخبير الأممي أداما ديانغ، جرى تعيينه في نوفمبر 2021، وفقاً لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمراقبة الأوضاع بعد انقلاب 25 أكتوبر الذي نفّذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحله لمجلسي السيادة والوزراء، وتجميده للعمل بالوثيقة الدستورية.

وكان ديانغ أبدى في تغريده على حسابه  بـ«تويتر» قلقاً حيال استمرار ما وصفه باستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين في السودان، مطالباً بإجراء تحقيق شفاف في هذه الانتهاكات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى