لا تقتصر على الكبد.. اكتشاف علمي يغير فهمنا لخطر فيروس التهاب الكبد E
وكالات – صقر الجديان
كشفت دراسة ألمانية النقاب عن سلوك غير متوقع لفيروس التهاب الكبد E، حيث تبين أنه لا يكتفي بإلحاق الضرر بالكبد كما كان معروفا سابقا، بل يمتد تأثيره المدمر ليهاجم أعضاء أخرى في الجسم.
وهذا الاكتشاف الذي توصل إليه باحثون من جامعتي بوخوم وهانوفر يغير المفاهيم العلمية السائدة عن هذا الفيروس، ويفتح الباب أمام إعادة تقييم شاملة لاستراتيجيات التشخيص والعلاج.
ولطالما ارتبط فيروس التهاب الكبد E بالتهابات الكبد الحادة، لكن فريق البحث الألماني نجح في إثبات أن هذا الفيروس الماكر قادر على غزو خلايا الكلى وإكمال دورة حياته فيها بنفس الكفاءة التي يعمل بها في الكبد.
والأكثر إثارة للقلق أن الفيروس أظهر مقاومة ملحوظة للعلاجات المضادة للفيروسات عند وجوده في الكلى، حيث تبين أن عقار “ريبافيرين”(وهو الدواء الرئيسي المستخدم في العلاج) يفقد جزءا كبيرا من فعاليته عندما يكون الفيروس مستقرا في الخلايا الكلوية.
ويوضح الدكتور أندريه جومر، أحد القائمين على الدراسة، أن هذا السلوك المختلف للفيروس بين الكبد والكلى يعود إلى الاختلافات الأيضية بين العضوين، ما يجعل الكلى بيئة أكثر ملاءمة لتطور مقاومة الفيروس للأدوية.
وتثير هذه النتائج مخاوف جدية من أن تكون الكلى بمثابة “خزان خفي” للفيروس، خاصة في الحالات المزمنة، حيث يمكن أن يعاود الفيروس الانتشار من الكلى حتى بعد نجاح العلاج الظاهري.
وللوصول إلى هذه الاستنتاجات، قام الباحثون بتحليل عينات من بلازما الدم والبراز والبول لمرضى يعانون من إصابات مزمنة بالفيروس.
وكشفت النتائج عن اختلافات جينية واضحة بين السلالات الفيروسية الموجودة في الكبد (التي تفرز عبر البراز) وتلك الموجودة في الكلى (التي تفرز عبر البول).
وهذه الاختلافات تشير إلى أن الفيروس يخضع لعملية تطور منفصلة في كل عضو، ما يجعله أكثر قدرة على التكيف مع الظروف المختلفة والتحديات العلاجية.
وتحذر الباحثة نيله ماير، إحدى المشاركات الرئيسيات في الدراسة، من أن هذه الظاهرة قد تفسر سبب صعوبة علاج بعض الحالات المزمنة، حيث يعود الفيروس للظهور بعد فترة من العلاج الناجح ظاهريا.
كما أن وجود هذا “الخزان الكلوي” قد يمكن الفيروس من تطوير مقاومة أوسع للأدوية مع مرور الوقت.
وتكتسب هذه الاكتشافات أهمية خاصة عند النظر إلى الفئات الأكثر عرضة لمخاطر هذا الفيروس، مثل مرضى نقص المناعة والمتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية ومتلقي زراعة الأعضاء، وكذلك الحوامل اللواتي تصل نسبة الوفيات بينهن إلى 20% في حالة الإصابة.
وتبرز الدراسة الحاجة الملحة إلى تطوير أدوية جديدة تستهدف الفيروس في جميع الأعضاء التي يمكن أن يستقر فيها، وليس الكبد فقط.
جدير بالذكر أن فيروس التهاب الكبد E ظل غامضا لعقود طويلة بعد رصده لأول مرة خلال تفش وبائي بين عامي 1955 و1956. واليوم، مع تسجيل نحو 50 مليون إصابة سنويا على مستوى العالم، أصبحت هذه الاكتشافات الجديدة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، حيث تفتح الباب أمام فهم أعمق لآليات عمل الفيروس وطرق مكافحته، وتؤكد أن المعركة ضد هذا العدو الخفي لم تعد تقتصر على الكبد وحده.