لماذا تحتدم معارك كردفان بين الجيش السوداني و”الدعم السريع”؟ (تقرير)
أصبحت ولايات إقليم كردفان الثلاث في جنوب السودان مسرحا لمعارك ضارية بين الجيش وقوات "الدعم السريع".
كردفان – صقر الجديان
أصبحت ولايات إقليم كردفان الثلاث في جنوب السودان مسرحا لمعارك ضارية بين الجيش وقوات “الدعم السريع”.
ويتبادل الطرفان هجمات في مناطق متفرقة بالإقليم، ضمن مشهد يعكس تحولا نوعيا في خريطة الحرب بالسودان.
والأحد، أعلن حاكم إقليم دارفور (غرب) مني أركو مناوي، استعادة الجيش والقوات المشتركة للحركات المسلحة منطقة أم صميمة بولاية شمال كردفان، بعد ساعات من إعلان “الدعم السريع” السيطرة عليها.
وفي الآونة الأخيرة، تركزت الاشتباكات في ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان، ما ينذر بمرحلة جديدة من الصراع.
وتتسم تلك المرحلة بتركيز أكبر وتعقيد أشد، بعد أن اجتاحت الحرب الخرطوم ووسط البلاد، وامتدت إلى دارفور (غرب)، ولامست أطراف الشرق والشمال.
وحسب مراقبين فإن البوصلة العسكرية تتجه الآن نحو إقليم كردفان، حيث تحتدم المواجهات على الأرض.
وتزداد أهمية السيطرة على الموارد والطرق الحيوية في كردفان، وهي منطقة تشكل جغرافيا بعدا استراتيجيا بين دارفور الملتهبة ووسط السودان الخارج من الحرب.
ومعارك كردفان جزء من حرب يخوضها الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023.
هذه الحرب أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
وفي الشهور الأخيرة، بدأت مساحات سيطرة “الدعم السريع” تتناقص بشكل متسارع في مختلف ولايات السودان لصالح الجيش، الذي وسّع نطاق انتصاراته لتشمل الخرطوم وولاية النيل الأبيض (جنوب).
أما في الولايات الـ16 الأخرى بالسودان، فلم تعد قوات “الدعم السريع” تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان، وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى أربع من ولايات إقليم دارفور الخمس.
** أهمية استراتيجية
تكتسب كردفان أهميتها من موقع جغرافي يجعلها حلقة وصل بين الجبهات كافة، ومن مواردها الزراعية والبشرية والعسكرية، فضلا عن تركيبتها السكانية المتنوعة.
ويذهب مراقبون إلى أن احتدام المعارك في كردفان ليس تطورا عشوائيا، بل نتيجة لتحولات في استراتيجيات القتال، إذ يسعى كل طرف إلى تأمين طرق الإمداد، وفرض واقع ميداني جديد.
وهكذا تحولت كردفان إلى ساحة تنافس حاسمة، فهي موطئ قدم يتيح لمَن يحكم قبضته عليها أن يبسط سيطرته على دارفور، بل والتراب السوداني كاملا.
** خريطة السيطرة
– شمال كردفان
يسيطر الجيش على أجزاء واسعة من الولاية، بينها عاصمتها مدينة الأبيض ومدينتا أم روابة والرهد، بينما تسيطر قوات “الدعم السريع” على مدن بارا والمزروب وأم سيالة.
– غرب كردفان
الجيش يسيطر على مدن أبنوسة والخوي وهجليج والميرام، أما “الدعم السريع” فيحكم قبضته على مدن الفولة (العاصمة) والنهود والمجلد وأبو زبد.
– جنوب كردفان
يسيطر الجيش على نحو 90 بالمئة من مدن الولاية، بينها عاصمتها كادوقلي والدلنج وأبو جبيهة وهيبان وكوقلي، فيما تسيطر “الدعم السريع” على مدينة الدبيبات.
** حرب عصابات
الخبير العسكري معتصم عبد القادر، قال للأناضول إن ما يجري في كردفان هو “حرب بين جيش نظامي وجماعات متمردة، تشبه إلى حد كبير حرب المدن التي دارت في الخرطوم”.
وأضاف عبد القادر، وهو لواء متقاعد بالجيش، أن “انتشار الدعم السريع داخل القرى والمرافق المدنية يعقد عمليات الحسم، ويجعل القتال أشبه بحرب عصابات”.
وأشار إلى أن “إخراج الدعم السريع من الخرطوم استغرق نحو عامين، بينما في كردفان بدأت الحرب بشكل فعلي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ما يعني أن استعادة السيطرة هناك ستتطلب وقتا أطول”.
و”مَن يسيطر على كردفان يسيطر فعليا على دارفور، فهي عقدة الوصل مع الشمال والوسط”، حسب عبد القادر.
ورأى أن “الجيش يعتمد استراتيجية تقوم على التأمين الكامل لأي منطقة قبل التقدم، لضمان عدم عودة الدعم السريع إليها، وهي الاستراتيجية نفسها التي اتبعها في الخرطوم ووسط البلاد”.
** تنوع مسلح
بينما قال المحلل السياسي وليد النور إن “انتقال المعارك إلى كردفان مرتبط بانتهاء مرحلة القتال في الخرطوم، والإقليم بات يمثل ’جنوب السودان الجديد’ من حيث التعقيد والتنوع المسلح”.
وأوضح للأناضول أن “ولاية جنوب كردفان تضم وجودا مزدوجا لقوات الحركة الشعبية/ شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، والدعم السريع (متحالفتان)”.
ومنذ عام 2011 تقاتل الحركة الشعبية/ شمال، القوات الحكومية للمطالبة بحكم ذاتي في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
والوجود المزدوج في جنوب كردفان “يجعل مدينة الدلنج محط نزاع محوري حيث تشهد اشتباكات، إلى جانب مدن مثل الحمادي الدبيبات التي تمثل الطريق بين ولايتي شمال وجنوب كردفان”، وفق النور.
كما لفت إلى أن “شمال كردفان يشهد أيضا اشتباكات على تخوم ولايتي شمال وغرب كردفان، حيث تنشط قوات الدعم السريع في المناطق الحدودية بين الولايتين”.
وتابع: “إذا نجح الجيش في فرض سيطرته على ولاية غرب كردفان، فسيكون قد اقترب فعليا من الوصول إلى مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، إذ لا تفصله عنها سوى ساعات معدودة”.
النور استدرك أن “استمرار سيطرة الدعم السريع على مناطق واسعة من ولاية غرب كردفان قد يمنحهم القدرة على محاصرة مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان”.
ورجح المحلل السياسي أنه “إذا لم يتمكن الجيش من إحكام سيطرته على ولاية غرب كردفان، فإن الحرب مرشحة للاستمرار مدة أطول”.