ماذا وراء تعثر مفاوضات الجيش السوداني و”الدعم السريع”؟ (تقرير)
المحلل السياسي عثمان فضل الله للأناضول: التيار الرافض للتفاوض داخل الجيش كبير ويهدد بانقسامه حال ذهب البرهان في اتجاه التفاوض
الخرطوم – صقر الجديان
يتطلع السودانيون إلى توقف القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بعد أن طال أمد الحرب التي تقترب من إكمال شهرها السادس في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وتعكس آمال وقف الحرب حقيقة معاناة الناس جراء الاقتتال الذي أسقط آلاف القتلى والجرحى، ودفع الملايين إلى النزوح من منازلهم باتجاه ولايات أكثر أمنا، أو اللجوء لدى الدول المجاورة.
كما أسهمت الحرب في تدهور الأوضاع الاقتصادية، وشح المواد الاستهلاكية الأساسية، إلى جانب تردي القطاع الصحي وانتشار الأوبئة والأمراض.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، يخوض الجيش وقوات “الدعم السريع” حربا خلَّفت أكثر من 5 آلاف قتيل، وما يزيد على 5 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
وتوقُف الحرب لدى الكثيرين مرتبط بالحوار والتفاوض، باعتبار أن أيا من طرفي القتال لم يتمكن من حسم المعركة لمصلحته.
كما لا يبدو أن أحدهما قادر على تحقيق نصر كاسح يضمن به نهاية الحرب في وقت قريب، بحسب مراقبين.
ويبرز منبر جدة التفاوضي برعاية السعودية والولايات المتحدة، خيار التفاوض الأرجح، لأن الجيش و”الدعم السريع” جلسا خلاله في جولات تفاوض سابقة لم يصاحبها التوفيق.
ورغم توقف منبر جدة التفاوضي، رسميا، فإن الدول الراعية له لم توقف اتصالاتها مع طرفي القتال، ما يعني أن الباب ما زال مفتوحا لعودة التفاوض.
وترعى السعودية والولايات المتحدة منذ 6 مايو/ أيار الماضي، محادثات بين الجيش و”الدعم السريع”، أسفرت في 11 من الشهر ذاته عن أول اتفاق بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين.
كما تم بعدها إعلان أكثر من هدنة، وقعت خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين المتصارعين، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات.
وفي 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعرب رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، عن استعداد مشروط للتفاوض مع قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وقال البرهان، إنه سيجلس مع حميدتي، ما دام أنه ملتزم بحماية المدنيين. وهو ما تعهد به الجانبان خلال محادثات جدة في مايو الماضي.
وقبله في 14 سبتمبر، قال قائد قوات الدعم السريع، في تسجيل مصور، “نرغب في أن تنتهي الحرب وفق حل سياسي سلمي”.
وشدد حميدتي، على أن الأولية يجب أن تكون لإيقاف الحرب وتوحيد البلاد.
وسبق أن أعلن الطرفان مرارا استعدادهما لاستئناف المفاوضات، لكن هذا لم يحدث ولم تخف وتيرة المعارك على الأرض.
ـ تيار يرفض التفاوض
يرى المحلل السياسي عثمان فضل الله، أن “هناك عدة عوامل تمنع الوصول إلى طاولة المفاوضات”.
وأوضح “فضل الله”، للأناضول، “العامل المشترك بين كل هذه العوامل هو منتسبو النظام السابق (نظام عمر البشير) المتغلغلون في أجهزة الدولة والقادرون من ناحية أخرى على تمويل وإعداد الحملات الإعلامية الضخمة فهم رافضون للتفاوض”.
وتابع: “العامل ذو التأثير الأكبر، الذي يعرقل الذهاب إلى التفاوض هو الشحن العاطفي الكبير الذي حدث للمواطنين تجاه الدعم السريع باستغلال الانتهاكات الواسعة التي ارتكبت خلال الحرب”.
فضل الله، أشار إلى أن “من بين العوامل أيضا وجود تيار كبير داخل الجيش يتخذ موقفا حادا تجاه قوات الدعم السريع من مطلقات وطنية محضة، ويرى منذ زمن طويل أن وجودها يمثل خطرا يتهدد البلاد”.
وأضاف: “التيار الرافض للتفاوض داخل الجيش كبير ويهدد بانقسامه حال ذهب البرهان في اتجاه التفاوض”.
ولفت إلى أن “هناك تحولات في خطاب الدعم السريع تجاه الحرب، إذ دخلها في البداية لأسباب شخصية تتعلق بتراكمات مواقف بين قائدي الدعم السريع والجيش، تحت غطاء خطاب العودة للحكم المدني واستعادة المسار الديمقراطي”.
واستدرك فضل الله: “لكن سرعان ما تحول خطاب الدعم السريع ليتبنى قضية التهميش، ثم ينحسر ويصبح خطابا عنصريا يميل لأصل قوات الدعم السريع في دارفور (غرب)، وهذا جعل الأخيرة غير متحمسة للتفاوض وتناور به فقط”.
ـ وكلاء لفاعلين مستترين
يرى المحلل السياسي يوسف حمد، أن الطرفين لا يتنفسان من رئتيهما، بمعنى أنهما وكلاء لفاعلين مستترين في الشأن السياسي السوداني، فهؤلاء من يحدد الذهاب للتفاوض من عدمه.
وفي حديثه للأناضول، أضاف حمد، “ومع هذا الاستتار فإنه يمكن الإشارة بوضوح لهذه الأطراف، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي”.
وأردف: “في الواقع فإن حكم السودان بالنسبة للمتصارعين يعني السيطرة على موارد اقتصادية، ومن هنا يأتي العنف المحروس بالمطامع”.
ويشير حمد، إلى أنه ربما ساعد غموض أجندة التفاوض على تلكؤ الطرفين.
وتابع “وربما لا أحد من الخصمين، حصل على ضمانات كافية يضمن بها مصيره ومستقبله لما بعد التفاوض”.