ما أحلاهم شالوا معانا الهم بالجملة
ساقتنا الخطى إلى المملكة العربية السعودية بعد أن هزمتنا الحرب وهدت حيل صبرنا وضاقت بنا الحياة وضاق بنا المكان وضاقت علينا بلادنا بطولها وعرضها ومساحتها الواسعة الشاسعة الفسيحة، بلادنا التي لا شيء فيها الآن غير الخراب والدمار والغدر والتفاهة ورائحة الموت، والموت هناك لا يستثني أحدا، الموت يملأ الطرقات والساحات ويتسلل حتى للبيوت الآمنة والغرف الدافئة التي ما عرفت من قبل غير الهدوء والطمأنينة.
هاجرنا مرغمين نبحث عن الأمان بعد أن فقدناه في وطن الأمان ليحط بنا الرحال في البلاد التي تفوح منها البركة ويشع فيها الأمان “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدٱ ٱمنٱ وارزق أهله من الثمرات من ٱمن منهم بالله واليوم الآخر”.
في الرياض التي شاءت الأقدار أن تكون لنا مقرا وسكنا استعدنا طعم الحياة وشيئا فشيئا بدانا نتخلص من الآثار النفسية السيئة وتداعيات الحرب وكل ما عشناه من وجع وبؤس ووحشية ما وضعناها في أسوأ سيناريوهات الخيال والتخيل.. غسلت الرياض بصخبها الجميل وتفاصيلها الرائعة المليئة بعشق الحياة الكثير من آلامنا وكان لدفء المشاعر التي استقبلنا بها أهل الهلال والزملاء الأثر الكبير في أن نسترد بعضٱ من عافيتنا وجزءا من الإحساس بالحياة، ذلك الإحساس الذي افتقدناه منذ أن لعب المغامرون الصغار، أهل التفاهة والوضاعة، لعبتهم الوضيعة وقرروا بمنتهى اللامبالاة والعبثية إشعال النار لتقضي على الناس وتلتهم أخضر الوطن ويابسه.
يا لروعة هلالاب الرياض السمر الجمليين ذوي الجباه العالية التي ما ركعت لغير الله، يا لطيبة قلوبهم وصدق مشاعرهم تجاه إخوانهم السودانيين الذين جار عليهم الزمان وكتب عليهم الذلة والمسكنة والتشتت في المنافي، هلالاب الرياض أناس مختلفون يملاؤهم الفخر بسودانيتهم، لم تغير الغربة طباعهم وظلوا محافظين على قيمنا السمحة رافضين في إباء إستلاب ثقافة الآخرين، ذات الجلباب السوداني الفخيم والعمة التي تعكس الهيبة والشموخ وكلمة “حبابك حررم” التي تخرج صادقة من آخر الأعماق.
أهل الهلال بالرياض يستقبلون القادم من أرض الحريق الناجي من المحرقة بكل ترحاب وحفاوة يكفكفون دموعه ويطبطبون بكل حنان الدنيا على أكتافه ليستعيد عافيته ويخرج من ركام الأحزان، همهم الوطن وتفكيرهم الوطن وحتى في أفراحهم يتغنون بالوطن فما أجملهم رفاق الوطن والهلال والإنسانية وهم يدفعون الآن الفواتير الباهظة، ما أحلاهم شالوا معانا الهم بالجملة ولا أحد يدري كيف سيكون حال أهلنا في السودان لولاهم وكل مغتربي الوطن الذين تحملوا المسؤولية بصبر وجلد، مسؤولية إسعاف أهلهم وبني جلدتهم المحاصرين بالفقر والجوع والمرض وشبح الموت.
إتخاتتوك يا كشفها
تلك التي حيلها انتهى
نجوها من ذل السؤال والجهجهة.