مباحثات سودانية روسية حول استخراج الذهب وإنشاء مطار «ومركز لوجستي» بالبحر الأحمر
بورتسودان – صقر الجديان
كشفت مصادر حكومية أن وفداً من غرفة التجارة الروسية ناقش مع مسؤولين سودانيين ترتيبات العمل على استخراج الذهب من عدة مواقع في البلاد بدءاً من أكتوبر المقبل.
ووقعت وزارة المعادن السودانية اتفاقية مع شركة زاروبيج الروسية في السابع من يونيو الماضي للبحث واستخراج الذهب في مربع (NS- A-24).
وقال وزير المعادن، محمد بشير أبو نمو، على صفحته بـ”فيسبوك” خلال زيارة الوفد الثلاثاء الفائت، إن المناقشات مع الوفد الروسي تطرقت إلى فرص الاستثمار، علاوة على استخدام التكنولوجيا الحديثة في مجال التعدين.
وضم الوفد الروسي ممثلين لغرفة التجارة والصناعة الروسية برئاسة فيكتور تشيمودانوف، رئيس مجلس الأعمال الروسي السوداني، وعقد مجموعة من الاجتماعات التي شملت المسؤولين في الشركة السودانية للموارد المعدنية وهيئة الأبحاث الجيولوجية.
وقالت المصادر إن المناقشات بين الجانبين السوداني والروسي تركزت على استخراج الذهب، وتوقعت أن يتم ذلك قريباً بعد وصول فرق فنية من شركات روسية إلى السودان خلال الأسبوع المقبل، مؤكدة أن الترتيبات الجارية لاستئناف الاستخراج تهدف لتعويض الخسائر الكبيرة في الإيرادات، ومواجهة الإنفاق الحربي وتغطية انهيار الجنيه وندرة الموارد.
ووصف عضو سابق في اتحاد أصحاب العمل، في حديث لـ”سودان تربيون” طلب حجب اسمه، الزيارة بالهامة، لكنه توقع أن يكون غرضها الطاغي هو ” تأمين واردات الذهب مقابل السلاح”.
عرض روسي جديد
وبحسب إعلام الموانئ السودانية، في بيان اليوم الأحد، فان الوفد الروسي اجرى مباحثات مع المدير العام لهيئة الموانئ، حول استفادة الشركات الروسية من موانئ السودان كمدخل لأفريقيا لما تتمتع به الموانئ السودانية من مواقع استراتيجية.
قال المدير العام للموانئ البحرية إنه خلال زيارته لروسيا مؤخراً التقى بعدد من ممثلي مختلف القطاعات الذين أبدوا ترحيبهم بالاستثمار في السودان.
ورحب بالوفد، وأكد أنه يمكن أن تكون هناك العديد من المشروعات الاستثمارية، من بينها قطاعات الموانئ والسياحة، كما أشار إلى أن هناك عدداً من المراسي الجيدة جنوب الميناء الجنوبي يمكن أن تكون موانئ.
واقترح مدير الموانئ، وفقاً للتصريح الصحفي، إنشاء مطار لدعم السياحة.
وفي المقابل، أوضح السفير الروسي أن بعض رجال الأعمال الروس يرغبون في إنشاء مركز أعمال سوداني روسي ومركز لوجستي متكامل.
واتفق المجتمعون بحسب إعلام الموانئ، على تجهيز الأوراق والمستندات والخرائط لعرضها عبر السفارة على رجال الأعمال الروس.
من جانبه، أوضح رئيس الوفد الروسي، فيكتور تشيمودانوف، في تصريحات صحفية خلال وصوله الثلاثاء الماضي إلى بورتسودان، أن الزيارة تأتي استكمالاً لجهود اللجنة الوزارية السودانية الروسية، والمساهمة في دفع العلاقات بين البلدين في المجالات التجارية والصناعية والاستثمارية المختلفة ،وأن الوفد جاء إلى السودان يحمل مجموعة من البرامج سيتم مناقشتها وبحث سبل تنفيذها مع الجانب السوداني.
وعلى ذات الصعيد، قال رجل الأعمال الصادق قسم السيد إن وصول الوفد الروسي يهدف إلى الإسهام في تطوير العلاقات بين البلدين، مؤكداً أن السودان لديه فرصة للاستفادة من التكنولوجيا الروسية في مختلف المجالات لدفع الاقتصاد.
وتشير تقديرات حكومية إلى تحقيق عائدات الذهب خلال التسعة أشهر الأخيرة بنحو مليار و300 مليون دولار، في حين لا تصدر إحصائيات دقيقة بشأن الذهب المنتج في السودان بشكل مستمر، نسبة لتعرضه للتهريب المستمر وتحكم الأجهزة العسكرية والأمنية فيه.
وبعد الحرب، توجهت رؤوس الأموال المحلية بشكل كلي إلى الولايات التي لا تشهد اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكن ذلك لم يكن كافياً لتغطية تقلص إنتاج الذهب، وفقاً لمصدر حكومي تحدث لـ”سودان تربيون”.
قال مصدر بالشركة السودانية للموارد المعدنية إن توقف الإنتاج في ولايات دارفور وكردفان صنع فجوة واضحة، وأصبحت الولايات المنتجة حالياً هي البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية.
مخاطر الاستثمار
وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي، في حديث لـ«سودان تربيون»، أن هناك فرصاً استثمارية حتى في ظل الظروف الحالية التي يعيشها السودان، ولكن بمخاطر عالية.
وأضاف: “هنا يأتي دور دراسة المخاطر، الزيارة في تقديري لها وجه آخر سياسي، لما تتمتع به العلاقات السودانية الروسية في هذا الوقت بالذات من أهمية لدى الطرفين”.
وذكر أن روسيا، بجانب أنها تمتلك أكبر صندوق للاستثمار المباشر، تمتلك أيضاً خبرات تراكمية هائلة في زراعة القمح، كما تعتبر من أكبر مصدري القمح في العالم لما تملكه من تكنولوجيا حديثة في هذا المجال.
ورأى أن السودان ينظر إلى موسكو كحليف استراتيجي قوي في إطار تعدد الشراكات السودانية مع القوى الدولية التقليدية، وتنظر موسكو إلى الخرطوم على أنها مركز هام في محيط البحر الأحمر الإقليمي.
وأفاد هيثم بأن التقارب الحالي بين روسيا والسودان يأتي في وقت يحتاج فيه كلاهما إلى تنويع علاقاتهما الدولية في المجالين السياسي والاقتصادي على ضوء البرود في العلاقات السودانية الغربية وفرض عقوبات غربية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية.
وبحسب اعتقاده، فإن هناك فرصاً واعدة لتصدير الخضار والفواكه السودانية إلى السوق الروسية، خاصة أن هناك تجربة سابقة في العام 2018، معتبرًا أن هذه التجربة كللت بالنجاح بعد اجتياز هذه المنتجات كل اختبارات الجودة.
أشار الخبير الاقتصادي إلى تفوق موسكو في القيمة التكنولوجية المضافة وعمليات نقل التكنولوجيا وتدريب الكادر الوطني، مع إعطاء فرصة لتطوير المنتج والتكنولوجيا المستوردة من روسيا وكسر احتكارها، وفتح الباب لتطبيقاتها في مجالات علمية وتطبيقية مختلفة.
قال إن موسكو تسعى إلى استعادة دورها الدولي لتأكيد استمراريتها السياسية والاستراتيجية كقوة عظمى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، خاصة في ظل المشاكل التي تعاني منها روسيا في الآونة الأخيرة على المستوى الدولي على هامش الأزمة الأوكرانية، خاصة مع ما يمثله السودان من منفذ مهم تستطيع من خلاله موسكو التغلب على بعض تلك المشاكل سياسياً واقتصادياً.
وتحدث هيثم عن حجم التبادل التجاري الحالي بين السودان وروسيا، قائلاً إنه لم يبلغ في أفضل حالاته أكثر من 500 مليون دولار، مؤكداً ضرورة تضافر الجهود من خلال العمل المشترك لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، لجهة أنه متواضع جداً مقارنة بحجم الاقتصاد الروسي.
ويصف الخبير الاقتصادي العلاقات السودانية الروسية بالممتدة وذات الطابع التاريخي، مما يجعلها من أقوى العلاقات، وتميزت كافة الأنشطة الاقتصادية والفنية والتكنولوجية والعسكرية بعامل مهم لم يتوفر في معظم علاقات السودان مع العالم الخارجي.