مجاعة تهدد أبناء النيل.. رؤية إماراتية لإنقاذ السودان من كارثة إنسانية
ابوظبي – صقر الجديان
رؤية إماراتية شاملة لمواجهة خطر المجاعة التي بدأت تنتشر في السودان، كأحد أبرز تداعيات الحرب المندلعة بالبلاد منذ 16 شهرا.
تأتي تلك الرؤية الإماراتية التي تضمنها بيان صادر عن الخارجية الإماراتية، الثلاثاء، في وقت تتزايد فيه التحذيرات الأممية من وقوع كارثة إنسانية في السودان بعد تفشي المجاعة في أجزاء من ولاية شمال دارفور السودانية، وعلى رأسها مخيم زمزم، ومخاوف من توسع انتشارها .
تحذيرات أممية
وخلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، لمناقشة الوضع في السودان، حذر مسؤولان أمميان خلال إحاطتين من أن الوضع الإنساني في البلاد “ما زال يمثل كارثة مطلقة” وأن الظروف في مختلف أنحاء البلاد “مروعة وتزداد سوءا يوما بعد يوم”.
وتطرقت وسورنو إلى إعلان لجنة مراجعة المجاعة مطلع الشهر الجاري عن تفشي المجاعة في أجزاء من ولاية شمال دارفور السودانية خصوصا مخيم زمزم، قائلة: “هذه وصمة عار على ضميرنا الجماعي”.
وكررت وسورنو التأكيد على أربعة مطالب رئيسية وهي:
– وقف الصراع.
– ضرورة وفاء الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.
– الحاجة إلى وصول إنساني سريع وآمن ودون عوائق عبر السودان، من خلال جميع الطرق الممكنة.
– توفير المزيد من الموارد.
بدوره، حذر المدير التنفيذي المساعد لبرنامج الأغذية العالمي ستيفن أومولو في إحاطته أمام مجلس الأمن إلى أن “هذه الأزمة الإنسانية لم تحظ بالاهتمام السياسي والدبلوماسي الذي تحتاج إليه بشدة. ومع ذلك، فإن لها آثارا أوسع نطاقا وتهدد بزعزعة استقرار المنطقة الأوسع”.
وشدد على أن التأكيد على وجود المجاعة لا بد أن يكون بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي، ولأعضاء مجلس الأمن.
وشدد على أن “وقف المجاعة الجارية الآن يتطلب إرادة سياسية وقيادة. ويدعو برنامج الأغذية العالمي مجلس الأمن إلى توفيرها”.
وأضاف: “شعب السودان، الذي أنهكته الحرب وكسره الجوع، لا يستحق أقل من ذلك. ويجب ألا نخذله”.
تفاعل إماراتي
دعوات أممية وجدت استجابة سريعة من دولة الإمارات، الداعمة لجميع المبادرات الرامية إلى إنهاء الأزمة في السودان، وتحقيق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء.
وتفاعلا مع الدعوات الأممية، أعلنت دولة الإمارات في بيان أصدرته ترحيبها بالاجتماع الذي عقده مجلس الأمن والذي رّكز على الضرورة الملحة لمواجهة حالة المجاعة في السودان، وشددت على أهمية أن يواصل المجتمع الدولي تركيزه على السودان.
بيان يأتي ضمن جهود إماراتية متواصلة لحل الأزمة والتخفيف من تداعياتها على مختلف الأصعدة.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتّاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) معارك لم تفلح سلسلة هدن متتالية في إيقافها، ما خلف آلاف القتلى، أغلبهم من المدنيين، ودفع إلى فرار ملايين الأشخاص، معظمهم من الأطفال.
ومنذ اندلاع الأزمة لم تتوقف جهود دولة الإمارات وقيادتها ودبلوماسيتها على مدار الساعة لبحث جهود وقف التصعيد.
وأعربت دولة الإمارات في بيانها الصادر الثلاثاء عن قلقها البالغ إزاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان وانعدام الأمن الغذائي الشديد به.
كما أعربت عن قلقها الشديد عقب إعلان المجاعة في أجزاء من شمال دارفور، خاصة في مخيم زمزم الذي يأوي أكثر من نصف مليون نازح، واحتمال حدوث مجاعة في مخيمي أبو شوك والسلام، والولايات السودانية التسع الأخرى التي يعيش سكانها في ظل مستويات جوع كارثية.
خارطة طريق
وتضمن البيان خارطة طريق إماراتية لمكافحة الأزمة الإنسانية التي تواجه السودان بشكل عام والمجاعة بشكل خاصة، ورؤية أوسع لإنهاء الحرب التي تشهدها البلاد.
خارطة طريق حددت فيها مطالب محددة من كل طرف، معلنة في الوقت ذاته دعمها لمختلف الجهود الإنسانية والدبلوماسية لإنهاء الأزمة.
وفي هذا الصدد أكدت دولة الإمارات أن الأزمة الإنسانية في السودان تتطلب استجابةً طارئة تساعد فيما يلي:
– تأمين وقف إطلاق النار.
-تيسير إيصال المساعدات الإنسانية بشكل سريع.
وتفصيلا، كشفت الإمارات في هذا الصدد أن الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة لا تزال عالقة على الحدود السودانية في الوقت الذي يعاني فيه الآلاف من الجوع في مخيم زمزم وشمال دارفور.
مطالب لجميع الأطراف
ولمواجهة تلك الأزمة حددت الإمارات مطالب لأطراف الأزمة وللمجتمع الدولي ولمجلس الأمن الدولي وهي:
– قيام القوات المسلحة السودانية برفع القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية.
– قيام قوات الدعم السريع بتمكين المنظمات الإنسانية من ممارسة عملها في أمان ودون خوف من التعرض لأي هجمات وذلك ليتسنى لها الوصول إلى المحتاجين.
– دعوة المجتمع الدولي إلى زيادة عاجلة في حجم المساعدات الإنسانية.
وشددت دولة الإمارات في هذا الصدد على أن التطورات المروعة التي تحدث على الأرض تتطلب زيادة عاجلة في حجم المساعدات الإنسانية التي يتم إيصالها عن طريق الحدود وعبر خطوط النزاع من أجل إنقاذ الملايين من الأرواح. فلا يمكن للمجتمع الدولي أن يسمح باستخدام الشعب السوداني كورقة مساومة سياسية.
– دعوة مجلس الأمن إلى استخدام كافة الأدوات المتاحة له لمواجهة الوضع الكارثي في السودان، وبما يشمل النظر في منح الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، إن اقتضى الأمر، تفويضاً للوصول إلى المحتاجين في جميع أنحاء السودان، سواء عبر خطوط النزاع أو عن طريق الحدود.
وشددت على أن “هذا الإجراء الحاسم من جانب المجلس ضروري لتنسيق الجهود الدولية لجلب المساعدات اللازمة من الدول المجاورة من أجل وقف هذه المجاعة”.
تحذير إماراتي
وأدانت دولة الإمارات وبشكل قاطع استخدام المجاعة كسلاح في الحرب.
وبينت أن “حرمان المدنيين من الوصول إلى المساعدات الإنسانية التي يحتاجونها، وشن الهجمات بشكل عشوائي مما يجعل من المستحيل على السكان طلب المساعدة، تعتبر انتهاكات واضحة للقانون الإنساني الدولي”.
رؤية شاملة
أيضا أعادت الإمارات في بيانها التأكيد على رؤيتها الشاملة لحل الأزمة في السودان، وكررت دعوتها إلى الأطراف المتحاربة إلى ما يلي:
– الموافقة على وقف إطلاق نار فوري ودائم.
– إعطاء الأولوية لإنقاذ حياة الإنسان بدلاً من التركيز على الأهداف العسكرية.
– السماح بمرور المساعدات الإنسانية دون عوائق وبشكل آمن وسريع ومستدام في جميع أنحاء البلاد.
– المشاركة في محادثات السلام بشكل بناءّ.
دعم محادثات السلام
وأشادت دولة الإمارات بجهود الولايات المتحدة في تنظيم محادثات وقف إطلاق النار المقبلة في جنيف، وبجهود المملكة العربية السعودية وسويسرا لاستضافة هذه المحادثات بشكل مشترك.
وأكدت أنها ستواصل “دعم كافة الجهود الدبلوماسية الجارية التي تهدف إلى التوصل لحل سلمي لهذا الصراع”.
وفي يوليو/ تموز الماضي، دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الجيش وقوات الدعم السريع إلى مفاوضات جديدة في 14 أغسطس/ آب الجاري في سويسرا، تحت رقابة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والإمارات، ومصر.
وأواخر الشهر الماضي، وافقت الحكومة السودانية على الدعوة لعقد مفاوضات جنيف للتوصل إلى وقف إطلاق النار في البلاد. كما رحب قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بالدعوة الأمريكية لإجراء محادثات في سويسرا، مؤكدا المشاركة فيها.
دعم إنساني إماراتي
على الصعيد الإنساني أكدت دولة الإمارات إنها ستظل شريكاً إنسانياً للسودان، حيث خصصت 70 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة في السودان من خلال وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، بالإضافة إلى مبلغ 30 مليون دولار للدول الإقليمية من أجل دعم اللاجئين السودانيين في دول الجوار.
ويمثّل هذا التمويل – الذي عقدت الإمارات سلسلة اتفاقيات مع منظمات أممية خلال يونيو/حزيران الماضي بشأن تنفيذه – ضمن تعهد دولة الإمارات، الذي أعلنته خلال مشاركتها في “المؤتمر الإنساني الدولي للسودان والدول المجاورة”، الذي عُقد في باريس أبريل/نيسان الماضي، الذي تبلغ قيمته 100 مليون دولار.
ويأتي هذا بالإضافة إلى 130 مليون دولار سبق أن قدمتها الإمارات كمساعدات منذ اندلاع الأزمة.
وبتلك المساعدات ترتفع قيمة المساعدات الإماراتية للسودان منذ بدء الأزمة الحالية إلى أكثر من 230 مليون دولار، في حين ترتفع قيمة المساهمات الكلية المقدمة من دولة الإمارات إلى السودان، خلال الأعوام العشرة الماضية إلى ما يزيد على 3.5 مليار دولار.
وتأتي المساعدات الإماراتية للسودان ولدول الجوار في إطار حرص القيادة الإماراتية المستمر على تقديم الدعم الإنساني والإغاثي للشعب السوداني الشقيق، والاهتمام الكبير الذي توليه للتحديات الإنسانية والتزامها بمواصلة مد يد العون والمساندة والدعم الإنساني له.
ومنذ بداية الأزمة بالسودان وحتى اليوم، لم تتوقف جهود الإمارات لوقف التصعيد وإنهاء الأزمة بالحوار والطرق السلمية.
جهود دبلوماسية وإنسانية انطلقت منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي، وتطورت على مدار الفترة الماضية وفقا لتطورات الأزمة حرصا على التخفيف من وطأتها وتداعياتها الإنسانية.
ومنذ بدء العلاقات بين دولة الإمارات والسودان قبل 5 عقود وحتى اليوم، تتدفق مساعدات إماراتية إغاثية وإنسانية واقتصادية وتنموية.
مساعدات تتدفق كنهر عطاء ينبع من دار زايد لإغاثة أبناء النيل، الأمر الذي يجسّد خصوصية العلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين من جانب، ومن جانب آخر يؤكد أن التزام الإمارات بمد يد العون والمساعدة للأشقاء في السودان التزام تاريخي بدأ منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ويتواصل حتى اليوم بتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات.
دعم يتواصل على مر التاريخ منزه عن أي غرض، سوى حرص القيادة الإماراتية على الوقوف إلى جانب السودان وأهله.