مخاوف من مجاعة بـ«الأبيض» جراء حصار الدعم السريع
الابيض – صقر الجديان
أعيش في ظروف صعبة منذ بداية الحرب حيث لم أتمكن من مغادرة منزلي ولا أملك مالاً لاستئجار آخر أو حتى لشراء الطعام”.. هكذا تحدثت السيدة (م. أ) وهي من سكان مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان- وسط السودان- والتي تعمل “بائعة تسالي” لتعول أسرتها الكبيرة المكونة من تسعة أفراد.
وفرضت حرب 15 ابريل 2023م بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع واقعاً مأساوياً في المناطق التي شهدت اشتباكات متكررة، فضلاً عن امتداد آثار الحرب اقتصادياً وأمنياً حتى على المناطق الآمنة.
وقالت السيدة (م. أ) : “أصبحنا نعيش في وضع يزداد سوءاً كل يوم، لا يوجد خبز والرغيفة الواحدة لا تكفي حتى لطفل.. ونحن مرضى ولا نجد ثمن الدواء.. أطفالي يعانون من الجوع الشديد ولا نعرف مصيرنا فمع وجبة واحدة في اليوم أصبحنا نأكل ما لا يكفينا وأطفالي يشعرون بالدوار من شدة الجوع والوضع لا يبدو أنه سيتحسن قريباً”.
تفاقم المعاناة
الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه (م. أ) التي تعمل على إعالة أطفالها الستة ووالدتها وأختها وابنتها التي فقدت زوجها في إحدى المعارك ينسحب على المئات من المدنيين بحاضرة شمال كردفان، والذين أصبحوا عاجزين عن الحصول على الغذاء بسبب سوء الأوضاع المعيشية التي فرضتها الحرب الحالية.
وتفاقمت معاناة سكان المدينة معيشياً واقتصادياً وأصبحوا يواجهون خطر المجاعة جراء ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وانعدام السيولة النقدية نتيجة حالة الحصار المفروضة عليهم منذ المواجهات العسكرية التي دارت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مايو الماضي.
وتواجه المدينة حصاراً محكماً من قبل قوات الدعم السريع التي وسعت من نقاط تفتيشها بعد أن فرضت “رسوم تحصيل” على جميع ناقلات البضائع في معظم الطرق المؤدية من وإلى الأبيض، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الضرورية مثل الدقيق، السكر والعدس بشكل غير مسبوق.
وقالت مصادر محلية ، إنه حتى الاثنين الماضي شهدت المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً داخل أسواق المدينة حيث بلغ سعر كيلو السكر 3400 جنيه، كيلو العدس 4600 جنيه، كيلو الأرز 4000 جنيه، ووصل سعر رطل الزيت إلى 2200 جنيه، رطل البن 13 ألف جنيه.
وأوضحت أن كيلو اللحمة البقري بلغ 6000 جنيه والضأن 10 آلاف جنيه، وأشارت إلى أن بعض المخابز شهدت زيادة في أسعار الخبز حيث تبيع بعض المخابز 6 قطع خبز بألف جنيه وأخرى تبيع سبعة.
مجاعة وشيكة
وفي السياق وصف المواطن رياض صديق، الأسعار بأنها “غير معقولة”، وقال : إن المواطنين أصبحوا عاجزين عن شراء السلع خاصة النازحين في مراكز الإيواء الذين كان قد توقف دعمهم بسبب التضخم.
وأضاف أن بعض التجار لجأوا إلى تخزين السلع وبيعها بأسعار زهيدة مما تسبب في ندرتها وارتفاع أسعارها مما يجعلها صعبة المنال عليهم في ظل هذه الظروف.
من جانبها، قالت المواطنة التومة فضل الله الوضع المعيشي بأنه أوشك على إحداث كارثة إنسانية، وأضافت ، أن النازحين يعيشون في ظروف صعبة للغاية والمساعدات المقدمة لهم قليلة جدا ولا تكفي حتى لوجبة واحدة وتأتي على فترات متباعدة.
وتابعت: “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فهناك مجاعة وشيكة تهدد سكان المدينة”.
وأشارت إلى أنه مع هطول الأمطار يزداد الوضع سوءاً بسبب المنازل المتهالكة التي تضررت من دوّي الأسلحة، والنازحون يعيشون في مدارس مكتظة، وإذا لم يتم نقلهم إلى ظروف أفضل فمن المتوقع تفشي الأوبئة والأمراض مما قد يؤدي إلى كارثة صحية حقيقية، وعبرت عن أملها في الوصول إلى وثيقة مشتركة تضمن أساسيات الحياة للمواطنين.
وكانت مصادر ميدانية أوضحت أن مراكز إيواء النازحين داخل المدينة بلغت 167 مركزاً، حيث تضم ما لا يقل عن 5044 أسرة، وقالت لـ(التغيير)، إن معظم النازحين يعانون من أوضاع اقتصادية وصحية قاسية.
وأكدت تزايد عدد النساء والأطفال الذين يتسولون في الأحياء بحثًا عن المساعدة من الآخرين حيث توقفت العديد من الأعمال بشكل رسمي، وحتى الأسر التي كانت في وضع جيد سابقاً أصبحت تعاني من تدهور حاد في أوضاعها المعيشية.
وأوضحت المصادر أن بعض الأسر تعتمد بشكل كبير على التحويلات المالية من أبنائها المغتربين كل عشرة أيام لتأمين وجبة واحدة في اليوم، وحتى شاي الصباح وهو تقليد يومي لم يعد في متناول الكثير من السكان بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية.
تردي صحي
ونبهت المصادر- على الصعيد الصحي- إلى أن المدينة تشهد نقصاً حاداً في الأدوية والعلاجات، وانتشار بعض الأمراض نتيجة الجوع ونقص الفيتامينات مما أدى إلى تفشي التهابات حادة بين السكان وظهور حالات من الوهن والضعف البدني الشديد.
وفي هذ الصدد قال المواطن محمد إبراهيم، إن الوضع الاقتصادي في المدينة بات خانقاً والأسعار تشهد ارتفاعاً متسارعاً مما يجعل الحالة الاقتصادية متردية بشكل كبير.
وأضاف ، أن النازحين يفتقدون للمأوى والغذاء الكافي، وحالة المواطنين في الأحياء ساءت بشدة حيث توجد مجاعة خفية تضرب الناس.
وحذر إبراهيم من أنه إذا استمرت الحرب والحصار على المدينة لشهرين آخرين فإن الأوضاع قد تتدهور إلى درجة من السوء مثلما حدث في مناطق أخرى بكردفان.
واختتم حديثه بالقول إن الحصار على المدينة لا يزال قائماً بنسبة كبيرة، باستثناء شارعي بارا وزريبة البرعي، اللذين يتم من خلالهما إدخال البضائع.
بينما قال الشاب محمد أحمد ، إن الوضع المعيشي في غاية الصعوبة، وأضاف “لا يوجد عمل وكل الشباب عاطلون عن العمل. لقد قضيت 13 شهراً بدون وظيفة، والناس باتت منهكة وتعيش على وجبة واحدة في اليوم، لا يوجد أي دخل مالي لأن العمل متوقف وهذا يجعل الوضع صعباً للغاية مما يؤدي إلى انتشار أمراض الجوع”.
ويبدي سكان المنطقة خشيتهم من الواقع المعيشي السيئ الذي باتوا يتعايشون معه على اعتبار أنه سيناريو جديد للموت إلى جانب سيناريوهات دوي الانفجارات والأسلحة الثقيلة التي شاهدوها في كثير من العمليات العسكرية الدامية التي دارت بين الأطراف المتقاتلة في مدينة الأبيض.
ومع اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، شهدت مدينة الأبيض مواجهات عسكرية دامية بين طرفي القتال ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وسط المدنيين جراء القصف العشوائي المتبادل بين الطرفين.
ومنذ 15 أبريل الماضي تحاول قوات الدعم السريع دخول المدينة والسيطرة عليها، فيما يواصل الجيش حماية قيادة الفرقة الخامسة مشاة والمواقع الاستراتيجية داخل المدينة.