مدير الكشف الأثري في السودان يتحدث عن الأضرار التي لحقت بالآثار نتيجة الفيضانات
الخرطوم – صقر الجديان
عاشت السودان أيام قاسية بعد أن غمرتها السيول والفيضانات وأودت بحياة العشرات ودمرت آلاف المنازل، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ وأن البلاد منطقة كوارث طبيعية.
لم تسلم آثار السودان وتاريخها الثقافي الممتد عبر آلاف السنيين من تلك الكارثة.. حول الأضرار التي لحقت بالتاريخ الثقافي للسودان وحجم الأضرار وكيف تمت معالجتها وكيفية تلافيها مستقبلا للحفاظ على التراث الإنساني العالمي أجرت “سبوتنيك” مقابلة مع مدير إدارة الكشف الأثري بالهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية، عبد الحي عبد الساوي.
هل كان لديكم استعدادات لمثل تلك السيول والفيضانات وما هى الأضرار التي لحقت بالآثار السودانية؟
فيضان نهر النيل هذا العام شهد ارتفاع غير مسبوق، وهناك ارتفاعات مسجلة للمناسيب طوال القرن الماضي، منها منسوب 1946 ومنسوب 1988، وهي أعلى المناسيب منذ أن بدأت عملية الرصد في العام 1902، لذا لم يكن هناك توقعات في الآثار بأن يزيد ارتفاع منسوب النيل عن المناسيب السابقة والتي لم نشهدها من قبل، لذا تضررت بعض المواقع الأثرية من هذا الفيضان، مثل موقع المدينة الملكية بمنطقة البجراوية وهو أحد مواقع التراث العالمي التابعة لـ “يونسكو”.
ما حجم الضرر الذي لحق بهذا الموقع؟
في الحقيقة هناك جزء من هذا الموقع، وهي مباني تسمى “الحمام الملكي المروي”، وهي الأقرب لنهر النيل هي الأكثر تأثرا، إذ أحاطت المياه بجزء من المبنى، لكن تضافرت الجهود وتحركنا واستطعنا أن نعمل “ترس” أمام المياه الداخلة إلى محيط المبنى، وتم شفط المياه الموجودة أمام المبنى، وتم عمل ترس آخر”حاجز”، والآن يتم شفط المياه المتراكمة بين الترسين لكي يتم تجفيف الموقع تماما، كما أن هناك مواقع أخرى لم تتأثر بالفيضان، ولكنها تأثرت بالسيول من الوادي، مثل موقع “النقعة”، وهي إحدى مدن المملكة الكوشية في مروي، والذي تأثر فيه مبنى صغير، إذ دخلت المياه إلى محيطه وإلى داخله وسيتم شفطها خلال ساعات، أما بقية المناطق البعيدة عن النيل فالأخبار عنها جيدة ولم تتأثر كثيرا.
المعروف أن تاريخ السودان ضارب في القدم وهناك موروث ثقافي كبير.. ما هى أهم المناطق لديكم؟
لدينا مواقع أثرية كثيرة جدا في السودان، وهي شاهدة على تاريخ طويل جدا في بلادنا، إذ يبدأ هذا التراث من مواقع ما قبل التاريخ وحتى العصر الإسلامي، لدينا كل الفترات التاريخية تقريبا بدأ من العصر الحجري القديم ثم العصر الحجري الحديث ثم مواقع المجموعات الحضارية التي تقع بين مصر والسودان، أو في مصر وجزء منها في السودان، ثم موقع ما قبل “كرما” وهي حضارة مهدت لقيام مملكة كرمة”2500 قبل الميلاد”، كما شهدت كرمة أول دولة في السودان ونطلق عليها “كوش الأولى” لأن تاريخ السودان يمتد ما بين كوش الأولى “كرما” وحتى عصر ما بعد المسيحية أو عصر ما بعد مروي، وهذا التاريخ تمثل في عدد من المواقع، مثل كرمة القديمة وهي عاصمة دولة كرما والتي كانت دولة مركزية لعبت دور كبير جدا في التجارة بين السودان والشرق عبر مصر، وبعدها قامت حضارة “نبتة” وهى في الحقيقة امتداد لكرما، وكان مركز إشعاع حضارة نبتة في مدينة “نبتة” التي هى منطقة جبل البركل، وازدهرت حضارة نبته”كوش الثانية”، حتى أنهم في فترة من الفترات حكموا مصر والسودان لفترة تقارب الـ100 عام، بعدها تحولت العاصمة من “نبته” جبل البركل إلى البجراوية الحالية، وتحويل العاصمة لا يعني أن هناك حضارة أخرى قامت، لكن تحولت العاصمة لدواعي أمنية واقتصادية.
ما هي المعتقدات التي كانت سائدة في هذا الوقت؟
في فترة كوش الثانية “نبتة” كانت الديانة فرعونية، باعتبار أن آمون ولد في جبل البركل حيث مصدر المياه، وكما قلنا في فترة كوش الثانية كانت الديانة فرعونية لمولد آمون في جبل البركل في السودان، وهذا يعني أن الكوشيين هم الأبناء الحقيقيين لآمون، لذا يسمى جبل البركل عند الفراعنة بـ”الجبل المقدس”، والكوشيين حكموا مصر والسودان واعتبروها بلد واحدة، وعندما ضعفت دولة الكوشيين الثانية ساروا جنوبا واتخذوا من مروي عاصمة لهم والتي هى البجراوية الحالية.
هذا الكم من التراث العالمي.. هل هناك اهتمام حكومي ودولي به ليكون أحد ركائز الاقتصاد؟
في منطقة مروي والتي تضم البجراوية ومدافن الملوك المروية وموقع النقعة و المصورات الصفراء، والتي تقع على بعد 180 كيلومتر شمال شرق الخرطوم، كل تلك المواقع مسجلة في كشف التراث العالمي، وأيضا في الشمال حيث مواقع مملكة نبتة أو كوش الثانية، كطل تلك المواقع مسجلة ضمن التراث العالمي.
ما موقع تلك المناطق على الخريطة السياحية العالمية؟
هناك عدد مقدر من السياح يأتون لزيارة هذه المواقع، وهناك شركة واحدة أجنبية تعمل في هذا المجال، إذ أن السياحة الأثرية في السودان هى سياحة موسمية لأن فصل الصيف لدينا حار جدا، أما في الشتاء فيأتي عدد مقدر جدا من السياح لزيارة هذه المواقع.
هل تمثل السياحة الأثرية أهمية اقتصادية لكم؟
نعم، تمثل أهمية اقتصادية كبيرة جدا، وكل ما تحتاجه هو دخول القطاع الخاص في الاستثمار السياحي وإنشاء بعض البنى التحتية الخاصة بالمواقع الأثرية، والتي تقدم الخدمات للسياح مثل الحمامات والاستراحات والنزل وغيرها، نحن نحتاج لتلك المشاريع خلال الفترة القادمة من أجل التنمية السياحية، وما تم تنفيذه من بنى تحتية ومرافق في منطقة البجراوية يعد مثالا، نظرا لأنه يحتوى على مركز معلومات للسائحين ومرافق خدمية، نتمنى أن تكون هناك خدمات للسائحين في باقي المواقع.
إذا مازالت السياحة في السودان بكرا وتحتاج إلى اهتمام كبير من الدولة؟
السياحة على وضعها الحالي تساهم بقدر جيد في الدخل القومي، لكن إمكانيات السياحة الأثرية في السودان أكبر من ذلك، ونتمنى أن يكون هناك تخطيط سليم لتنميتها في المستقبل.
هل كان هناك اهتمام دولي بالآثار السودانية في ظل الظروف الراهنة؟
تلقينا دعما من الجهات الرسمية في والشعبية، كما أن منظمة اليونسكو أبدت استعدادها لإرسال خبراء لتقييم الوضع وذلك للتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف لوضع حلول جذرية مستقبلية لعدم تكرار مثل هذه الأزمات، ونطالب كل من يهتم بالتراث العالمي ولديه القدرة على إيجاد حلول لهذه المشاكل فإننا نرحب بها.