أخبار السياسة المحلية

مراجعات نقدية حول تجربة تجمع المهنيين في الفترة من يوليو 2018 وحتى مايو 2020

الخرطوم – صقر الجديان

مراجعات نقدية حول تجربة تجمع المهنيين في الفترة من يوليو 2018م وحتى مايو 2020م

تمهيد:
* هذه الورقة تهدف إلى النظر إلى تجربة تجمع المهنيين بصورة نقدية بالتركيز على أسباب وعوامل الضعف المختلفة في التجربة التحالفية لاسيما تلك التي أدت لإنقسام التجمع في العاشر من مايو 2020م، وبالتالي فهي تستعرض الأزمات والمشاكل والأخطاء خلال فترة عمل التجمع خاصة في الفترة من يوليو 2018م وحتى مايو 2020م عبر جوانب التجربة الثلاثة المحددة في الجانب النقابي والتنظيمي والسياسي، ولا تستهدف بنفس القدر الجوانب الإيجابية والتي كانت موجودة أيضا بكثرة.

* تأسس تجمع المهنيين كإمتداد لتاريخ طويل للحركة النقابية السودانية منذ فجر الاستقلال، حيث ظلت النقابات والتحالفات النقابية تقوم بأدوار أساسية في التأثير على الفعل والتطور السياسي لا سيما ذلك المتعلق بالنضال ضد الأنظمة العسكرية والدكتاتورية وقيادة النشاط المدني المعارض الساعي لاستعادة الأنظمة الديمقراطية والحفاظ عليها.

* سيطر نظام الإنقاذ بشكل تام على النقابات ومنع أي عملية تنظيم ديمقراطي، عبر منع النشاط النقابي وحصره على الكادر الحزبي الملتزم، ليُحول النقابات إلى مكاتب تابعة للحزب يعين فيها الكادر كيفما يرى ويقرر الحزب، كل ذلك دفع الفاعلين في المجال النقابي من المعارضين لنظام الإنقاذ إلى اللجوء لبناء وتأسيس النقابات والأجسام المهنية المستقلة (الموازية)، وهي الأجسام المهنية التي كانت لا تنتظر اعترافاً من السلطة وتعتمد في نشاطها على عضويتها وعلى القضايا التي تطرحها بل كانت في الغالب في حالة حصار ومطاردة من السلطة وأجهزتها الأمنية.

* نشطت خلال فترة حكم نظام الإنقاذ العديد من الأجسام المهنية والنقابات المستقلة الموازية وفي قطاعات مهنية مختلفة من أبرزها قطاعات الأطباء والمعلمين والمحامين وأساتذة الجامعات والصحفيين، ومع اختلافات كبيرة في طبيعة تكوين تلك الأجسام وعدد عضويتها وطبيعة ونطاق نشاطها إلا أنها كانت تتفق بالتأكيد وعلى الأقل على عدم شرعية نقابات النظام وعلى النضال في سبيل تأسيس نقابات وأجسام مهنية حقيقية، وهذا الاتفاق هو ما شكل عصب التقارب والتنسيق بين هذه الأجسام المختلفة على مر مختلف سنين حكم نظام الإنقاذ الذي استمر لثلاثة عقود.

* تشكّلت معظم النقابات المستقلة والأجسام المهنية الموازية على أساسين مختلفين، ففي جانب تكون بعضها على أساس سياسي سلطوي مباشر حيث استهدفت بصورة مباشرة النضال في سبيل إسقاط النظام بصورة أولية لتتشكل عضويتها بشكل أساسي من عضوية الأحزاب السياسية المعارضة، بينما تكون الشكل الآخر من النقابات المستقلة والمهنية الموازية على أساس المطالب النقابية والمهنية المشتركة بدون وضع إسقاط النظام كهدف أولي لنشاطها وحركتها ما جعل عضويتها متنوعة لتضم بالإضافة لعضوية المنسوبين للأحزاب المعارضة عدد اخر من المهنيين والنقابيين والموظفين غير المنتمين بالضرورة لمنظومات سياسية.

* كأي تجربة إنسانية قابلة للنقد والتصويب كان من المهم أن تقيم تجربة تجمع المهنيين السودانيين في سياقها التاريخي ولأن أغلب إخفاقات الثورات السودانية نتجت عن عدم المشافهة والاعتراف عبر وجود محاكمات تاريخية تضع أصحاب القرار في مواجهة مع الجماهير، وفي سبيل الوصول إلى خلاصات الدروس المستفادة وعصارة التجربة من نقاط ضعف وقوة، ليس على سبيل التفشي ورمي أطراف الصراع بالاتهامات والمسؤوليات، إنما في سبيل العمل على تطوير تجارب الشعب السوداني في طريق النضال نحو الديمقراطية واستدامتها وحتى تتم الاستفادة من التجربة وتلافي أخطائها ومشاكلها.

* إننا لا ندعي بأي شكل من الأشكال النقاء الثوري والطهرانية السياسية واليقينية العالية بصحةِ الموقف أو الرأي دون وضع اعتبار للاختلاف الموضوعي، فمن لا يعمل لا يخطئ، فقد كنّا نعمل بجد ومثابرة ودون تواني، نعمل كثيراً نخطئ ونصيب ثم لابد أن نقف معترفين بتجردٍ عما اقترفناه من فشل وأخطاء لسوء التقدير وقصر النظر غالباً ومحاولات التكسب الفاشلة نادراً ونحتفل ايضاً بانتصاراتنا مهما كان حجمها صغيرة أو كبيرة واضعين أمامنا هدف التطور وتقديم الافضل في كل محاولة جديدة ولن نيأس، لا يهمنا في سبيل ذلك سوى المساهمة في أن نرسم الطريق للأجيال المقبلة، وعن كيفية اتخاذ القرار والعمل في فريق واضعين أمامهم نقدنا الذاتي حتى لا يقعوا في ذات الافخاخ وحتى يتمسكوا على الدوام بخيوط الضوء والأمل التي نؤمن تماما ًأنها لن تنقطع مادام الشعب السوداني موجوداً على أرض السودان.

تواتر التخلق في الفترة من 2016 وحتى 2018م
* بدأت الجهود في سبيل تشكيل تجمع المهنيين منذ العام 2012م واستمرت بصورة متذبذبة خلال السنين التي تلت ذلك حتى العام 2016م، وذلك بعد إضرابات الأطباء في أكتوبر ونوفمبر من نفس العام، تشكلت خلال فترة الإضراب صلة بين كل من لجنة أطباء السودان المركزية والتحالف الديمقراطي للمحامين وشبكة الصحفيين السودانيين على أساس التضامن النقابي، حيث ساهم المحامون في الدفاع عن الأطباء المعتقلين والذي تعرضوا للفصل التعسفي خلال فترات الإضراب، بينما دعم الصحفيون الأطباء عبر تكثيف التغطية الإعلامية للإضراب.

* بنهاية شهر نوفمبر من العام 2016م عُقد أول اجتماع ضم ممثلي الأجسام الثلاثة للنقاش حول السبل المختلفة التي يمكن من خلالها تطوير أدوات التضامن والتآزر النقابي، ليكون التفكير حول تحالف نقابي يضم الأجسام المهنية والنقابية الموازية النشطة والفاعلة في القطاعات المختلفة، تواصلت لقاءات الأجسام الثلاثة حتى بداية العام 2017م أسفر عن ميثاق أولي حدد خطوطا ًعامة للتحالف المنشود، إلا أن الجهود حيالها لم تُسفر إلى بزوغ الجسم الجديد والذي كان مقترحاً ان يسمى شبكة المهنيين السودانيين (شمس)، ليتراجع النشاط بعد ذلك حتى نهاية العام 2017م حيث انضمت للأجسام الثلاثة لجنة المعلمين ومن ثم رابطة الأطباء البيطريين الديمقراطيين، وفي بواكير العام 2018م اجتمع ممثلو الأجسام الخمسة وتوافقوا على تكليف سكرتارية تمهيدية تضم ممثل من كل جسم من الأجسام الخمسة بغرض صياغة ميثاق للتحالف الجديد ولائحة منظمة لأعماله في فترة زمنية وجيزة والتواصل مع أي أجسام أخرى مهنية موازية في القطاعات المختلفة يمكن أن تكون جزء ًمن التحالف الجديد.

* في الفترة من يناير وحتى يوليو 2018م، ساهمت السكرتارية التمهيدية بصورة أساسية في تأسيس تجمع أساتذة الجامعات حينما بادرت بدعوة عدد من أساتذة الجامعات لاجتماع تأسيسي أنتج عن انتخاب المكتب التمهيدي لتجمع الأساتذة والذي أصبح مباشرة جزء ًمن التحالف الجديد وأضيف ممثل منه للسكرتارية التمهيدية كما استطاعت السكرتارية التمهيدية أن تضم للتحالف كل من مبادرة استعادة نقابة المهندسين ونقابة أطباء السودان الشرعية، وتم تطوير ميثاق حدد الأهداف المشتركة ولائحة تنظيمية داخلية صاغت الهياكل المختلفة ومهمة ووظيفة كل هيكل.

* عقب الإعلان عن التجمع في يوليو 2018م بدأ التجمع في تنفيذ خطته التي كانت معتمدة على مخاطبة القضايا المهنية التي تشغل الجميع والتي كان في مقدمتها حينها قضية الأجور، حيث تم إعداد دراسة ضافية حول وضع الأجور في السودان وتحديد مطالبات واضحة برفع الحد الأدنى للأجر ليواكب متطلبات المعيشة، كما تم تنسيق حملة إعلامية وجماهيرية مصاحبة للدراسة، الحملة التي كان من المقرر أن تخُتتم بنهاية العام بضغط كبير وجماهيري على السلطة وعلى البرلمان في شكل وقفات ومواكب في سبيل زيادة الحد الأدنى للأجر.

* بالإضافة إلى ذلك فقد تعاونت السكرتارية التمهيدية مع جمعية وعي الثقافية ونظمت عدداً من الورش التي حضرها ممثلين عن أجسام التجمع المختلفة بالاعتماد على الميثاق المتفق عليه والأهداف الواردة به، تم تطوير خطة عمل تفصيلية للتجمع لمدة عام كامل، وهي الخطوة التي تم اعتمادها لاحقا بواسطة هياكل التجمع، لتشكل هي بالإضافة إلى الميثاق واللائحة أوراق التجمع الأساسية التي تم إعلان تجمع المهنيين السودانيين في يوليو 2018م بمشاركة ثمانية اجسام بناءً على الاتفاق حولها.

* ظهرت منذ البداية عدد من الإشكالات والتباينات حتى خلال فترة عمل المكتب التمهيدي، حيث تعاملت الأجسام المهنية المختلفة بدرجات متفاوتة من الجديدة والالتزام مع مجهودات تأسيس تجمع المهنيين، وذلك ما أدى إلى تأخر عدد من الأجسام في الانضمام للتجمع والتوقيع على الميثاق كمبادرة المهندسين ونقابة الأطباء الشرعية والذي تأجل الإعلان عن الجسم بسببهما أكثر من مرة، كما لم يكن تحالف المحامين فاعلاً في السكرتارية التمهيدية بل احتاجت السكرتارية التمهيدية أن تعقد مع تحالف المحامين عددا كبيراً من الاجتماعات حتى يتم تفعيل نشاط التحالف بصورة أفضل، كما حدثت أزمة صغيرة داخل التحالف وبينه وبين التجمع حينما تم اكتشاف أن ممثل التحالف الأستاذ حاتم الوسيلة والذي كان يتواجد نيابة عنه في السكرتارية التمهيدية للتجمع لم يكن مفوضاً بالحضور والتمثيل بواسطة التحالف إنما عبر كتلة واحدة فقط داخل التحالف (الجبهة الديمقراطية للمحامين). قبل الإعلان في يوليو 2018م عقد مجلس التجمع اجتماعاً حضره ممثلو الأجسام الثمانية وتم فيه إجازة الأوراق الثلاثة، كما تم الاتفاق على أن تواصل السكرتارية التمهيدية باعتبارها السكرتارية التنفيذية حسب اللائحة، قبل الإعلان بلحظات طلبت شبكة الصحفيين ألا يتم إدراج اسمها في قائمة الموقعين على الميثاق المعلن نسبة لأزمة داخلية بسيطة، وفعلا خرج الميثاق الأول للتجمع بتوقيعات سبعة أجسام لتنضم الشبكة لاحقا ويرحب تجمع المهنيين بانضمامها عبر بيان منشور.

* تم تنفيذ جزء كبير من خطة الضغط في سبيل تحسين الأجور إلا أن المظاهرات التي اشتعلت منذ منتصف ديسمبر كانت ترسم مساراً مختلفاً لعمل التجمع، حيث تسارعت الخطوات الداخلية في سبيل دعم وتعضيد الحراك الجماهيري والعمل على توفير غطاء واسع يستطيع ضمان استمرار التظاهر وتقليل التكلفة والوصول لأهداف الجماهير، وبعد أن أعلن التجمع عن حشد جماهيري أمام البرلمان للضغط في سبيل رفع الحد الأدنى للأجور كآخر نشاط ضمن حملة الأجور، كانت الجماهير قد صعدت حراكها وتم حرق دار المؤتمر الوطني في عطبرة في التاسع عشر من ديسمبر ليقرر التجمع عبر اجتماع للسكرتارية تم فيه مشاورة أجسام التجمع تحويل بوصلة ووجهة التجمع نحو دعم وتعزيز الحراك الجماهيري ليخرج أول بيان يعبر عن ذلك بصورة واضحة تحت عنوان (بيان حول تغيير طبيعة ومكان موكب 25 ديسمبر) ليمثل أول دعوة من تجمع المهنيين لتظاهرة جماهيرية في سبيل إسقاط النظام.

* من الأحداث الداخلية المهم ذكرها في ذلك الوقت حادثة تجميد عضوية مبادرة استعادة نقابة المهندسين في منتصف ديسمبر 2018م في التجمع وهي التي حدثت كنتيجة لعدم التزام المبادرة في نشاطات التجمع في قضية الأجور بالإضافة لسلوك غير منضبط تم بواسطة أحد ممثلي المبادرة باشمهندس مهيد صديق في أحد اجتماعات مجلس التجمع في ديسمبر وهو التجميد الذي تم إلغائه لاحقاً في يناير 2019، والحادثة الأخرى المهمة هي تحول تنظيمي في أن مجلس التجمع قرر وعقب بداية الاعتقالات تجميد الاجتماعات الأرضية للمجلس وتحويلها لاجتماعات اسفيرية كما تقرر تكليف السكرتارية بترتيب الهياكل البديلة التي تستطيع أن تضمن استمرار عمل التجمع في حالة استمرار وتوسع الاعتقالات.

* استطاع تجمع المهنيين السودانيين خلال فترة وجيزة أن يطور إعلان الحرية والتغيير اعتماداً على إعلان الحرية والكرامة والذي كانت قد أطلقته مبادرة (حراك) في منتصف العام 2018، وعبر حركة مكوكية تم ضمان توقيع الكتل السياسية المعارضة الأساسية على الإعلان ليتم إطلاقه في بداية يناير، ليشكل إعلان مبادئ الثورة والذي ضمن تشكيل القيادة التنسيقية للثورة والتي استطاعت أن تضمن استمرارها وتنويع أساليبها وخططها، وربما الحادثة الوحيدة التي تستطيع الذكر خلال فترة تطوير إعلان الحرية والتغيير هي محاولة تكوين منسقية الانتفاضة السودانية (ماس) والتي كان العمل على تكوينها يسير بصورة تشبه طريقة تشكل تحالف قوى المعارضة السودانية في بداية العام 2018 بالتزامن مع التظاهرات المحدودة التي قادتها قوى المعارضة آنذاك، ولكن سرعان ما اقتنعت جميع القوى بالعمل تحت إطار إعلان الحرية والتغيير لاسيما مع النجاح منقطع النظير لموكبي التجمع في 25 و31 ديسمبر 2018م.

* بدأت الأزمة الداخلية بتجمع المهنيين السودانيين تأخذ شكلها المتصاعد منذ حادثة اكتشاف التسريبات الصوتية لمجموعة من أعضاء التجمع المنتمين للحزب الشيوعي السوداني في بداية يناير 2019، حيث كشفت عن تنسيق بين هؤلاء الأعضاء في المواقف المختلفة داخل التجمع على أساس انتمائهم للحزب، على الرغم من أنهم كانوا ينتمون ويمثلون عددا من الأجسام المهنية المختلفة، خرجت التسريبات للعلن إبان فترة الحراك السري بعد اندلاع ثورة ديسمبر وقبل سقوط البشير في 11 أبريل 2019، حيث تم هذا التسريب عبر جهاز الأمن بعد أن اعتقل أحد أعضاء مجلس تجمع المهنيين ووجدت التسجيلات الصوتية في هاتفه.

* على الرغم من أن اكتشاف (الفراكشن) حينها لم يفجر الأوضاع داخل التجمع، واستطاع أن يستمر موحداً لأكثر من عام عقب اكتشاف الحادثة إلا أنها كانت محورية بعد ذلك في تصاعد الأزمة وفي التآكل التدريجي للثقة بين الأعضاء والمكونات المختلفة داخل التجمع، الثقة التي كانت تمثل العامل الأهم في فعالية وعمل التجمع لا سيما مع حداثة التجربة وضعف وهشاشة هياكله التنظيمية، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار التوسع الضخم والكبير للمهام التي كانت واقعة على عاتقه أثناء فترة الثورة ومباشرة عقب سقوط البشير والتوسع الكبير الذي حدث أيضا في عدد الأجسام المنضوية داخله، حيث زادت من ثمانية أجسام قبل اندلاع الثورة لتصل إلى ثمانية عشر جسم مهني ونقابي مختلف.

#وحدةقوىالثورة

#وحدةتجمعالمهنيين

إعلام التجمع

الجمعة 4 فبــــراير 2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى