“مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني”: أيّ حلّ سياسي يوقف الحرب في السودان؟
الدوحة – صقر الجديان
أتمّت الحرب في السودان شهرها التاسع، وقد دخلت البلاد على إثرها في أزمة نزوح غير مسبوقة، فضلاً عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا نتيجة إعلان “قوّات الدعم السريع” تمرُّدها على الجيش السوداني في الرابع عشر من نيسان/ إبريل 2023.
في محاولة لفهم مسارات هذه الحرب وتداعياتها، نظّم “مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني” في الدوحة، أوّل من أمس الأربعاء، عبر منصّة “زووم”، ندوة بعنوان “تطوّرات الأوضاع في السودان وتأثيراتها المستقبلية”، شارك فيها ثلاثةُ باحثين سودانيّين، هُم: عبد الله علي إبراهيم، ومحمد فاروق سليمان، وخالد النور، وأدارها: حسن علي.
بدأ إبراهيم الندوة باستعارة من عالَم الأدب متسائلاً: “ماذا لو استغلق الأمر على الكاتب أثناء إنشائه الرواية، وأُصيب بـ’حبسة كتابية’؟ قد يبدو الحلّ هو أن يجعل إحدى الشخصيّات تحمل مُسدّساً وتطلق الرصاص عشوائياً، وبعدها تسير الرواية إلى الأمام”.
وهذا ربّما ما وصل إليه الوضع في السودان: “الاستغلاق”. لكن في المقابل “علينا تفكيك هذا الاستغلاق الطويل”، حسب إبراهيم. صحيحٌ أنّ البلاد تشهد “سيلاً من المبادرات والحُلول، لكنّ هذا لا يُجدي إذا لم يكن هناك تشخيص أوّلي سليم”.
الحوار الوطني سيرورة شعبية لا تُختزل بتفاوض العسكر
ورأى إبراهيم أنّ بعض القوى السياسية في البلاد “تجترُّ التاريخ” وتُعيد إحالة المشاكل الراهنة إلى النظام السابق، من دون الالتفات إلى الحاضر، وتتّكل على مبدأ أنّ كلّ حرب في السودان انتهت إلى صُلح، لكنّ السؤال: “كيف سيأتي هذا الصُّلح، وعلى حساب مَن؟ خصوصاً أنّ هذه أوّل حرب أهليّة تجري داخل الخرطوم، فالحروب الأهلية السابقة كان ميدانها الأرياف”.
ونبّه أستاذ تاريخ أفريقيا والإسلام في “جامعة ميسوري” الأميركية إلى أنّ التحليل الاجتماعي القائم على ثالوث الطبقة والعِرق والجندر قد تمّ تفكيكُه؛ فالقوى اليسارية مثلاً تخلّت عن التحليل الطبقي، وكذلك الجندر قد فُصل عن وعي الحركة الاجتماعية، في الوقت الذي يجب علينا ألّا ننسى أنّ الانقلابات يخوضها الرجال والعسكر، وتكون النساء ضحيّتها الكبرى.
أمّا بخصوص مقولة “حرب الجنرالين” السائدة في الأوساط الصحافيّة لتوصيف النزاع المُسلَّح بين قائد الجيش عبد الفتّاح البرهان وقائد “قواتّ الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فرأى إبراهيم أنها ليست دقيقة، كونها تُساوي بين الطرفين، ولا “تضع بشكل صريح قوّات الدعم السريع في خانة المليشيا”.
وختم إبراهيم مداخلته بمقولة لتي. أس. إيليوت: “عِشنا التجربة وغاب المعنى”، فالسودانيّون خاضوا تجربة الحرب التي غيّبت عنهم المعنى، والذي لا يُستعاد إلّا بتنظيم التفكير فيما يحدث.
بدوره، أشار الناشط السياسي محمد فاروق سليمان إلى أنّ “قوى الحرّية والتغيير”، بعد الرابع عشر من نيسان/ إبريل 2023، هي شيء مُختلف تماماً عن الائتلاف السياسي الذي كانت عليه إبّان الثورة، ورأى أنّ الحرب قد توّجت فشل عملية الانتقال السياسي.
ولقراءة ما سماه “وضعية الانحلال السياسي” في السودان، يجب أن نعود، وفقاً لسليمان، إلى الفترة بين عامَي 2005 و2010، حين كان يُرجى من الحركة السياسية دورٌ حقيقي، ولكن بعد عام 2010، تراجعت هذه الإرادة، واكتفت القوى السياسية بالمراقبة بعد “اتفاق نيفاشا للسلام” (2005) الذي جمع الشمال والجنوب.
حرب دمويّة هي المولود الشرعيّ لثقافة الإفلات من العقاب
ولفت سليمان إلى أنه عكس ما كان يُروَّج له بأنّ الانفصال بين الجنوب والشمال سيُفضي إلى الاستقرار، فإنّ ما رأيناه يقول العكس، حيث راحت النزاعات القبَلية تشتعل وتزداد بعد إعلان انفصال الجنوب عام 2011.
لكن أبرز أشكال الانحلال، برأيه، ظهر عام 2018، مع الثورة، حيث كانت المُعارضة تعمل بلا مؤسّسات ولا قيادة، واكتفت بـ”القيادة الشبحية”. وختم بأنّ “كلّ المدنيّين اليوم ضحايا، فهذه الحرب مولودٌ شرعيّ لثقافة الإفلات من العقاب”.
الوجود المُفرط للبندقية هو أوّل ما لفت إليه الصحافي خالد النور في مداخلته، التي رأى فيها “استمراراً لعسكرة السياسة”، حيث تُحاول القوى السياسية خطف النقاط من خلال الاختباء وراء البندقية وعمليات إلغاء الآخر كَسِمةٍ واضحة.
وتابع النور: “رغم أنّ الشعب هو المُتضرّر الأكبر في هذه الحرب، ولكن لا صوت له فيها. حتى القوى الشبابيّة التي قادت ثورة كانون الأوّل/ ديسمبر 2018 مُختفية اليوم عن المشهد.
وانتقلنا من حالة النزاع المُسلّح إلى حرب واضحة ضدّ المدنيّين. فالقوى المدنية تعيش حالة انتظار لما ستُفضي إليه الحرب من نتائج”.
ولفت إلى أنّ هناك قوىً سياسية لم تصبر وسارعت للتحالف مع القوى العسكرية، ما أفضى إلى “حالة من ضعف الإرادة الوطنيّة، وديمومة الفراغ السياسي، والتدخّل الخارجي القويّ”.
وختم بأنه ليس من شأن البندقية أن تُقرّر المستقبل السياسي للسودان؛ فـ”هذه قضيّة شعبيّة تتشكّل عبر سيرورة حوار الوطني، وليس الاكتفاء بالتفاوض العسكري البحت، لأن هذا يُعيد تحفيز البندقية من جديد، كما أنّه من غير الالتفات إلى ضرورة الإصلاح السياسي، لا جدوى لأيّ فعل آخر”.