أخبار السياسة المحلية

مصر تسعى لتطويق تداعيات أزمة كروية مع السودان

مساعي التهدئة المصرية لا تكفي لتخفيف حدة الاحتقان وسط مواصلة السودانيين الشحن السلبي تجاه مواقف القاهرة السياسية من الخرطوم وقضاياها.

الخرطوم – صقر الجديان

تحركت دوائر سياسية وإعلامية مصرية لتطويق تداعيات الأزمة الكروية التي اندلعت عقب مباراة الأهلي المصري والهلال السوداني في القاهرة مؤخرا بعد أن اتخذت منحى خطيرا مع انفلات الخطاب المعادي على منصات التواصل الاجتماعي بين مواطنين من البلدين، تزامنًا مع سيل من الشكاوى التي قدمتها إدارتا الناديين في محافل رياضية إقليمية ودولية.

والسبت أجرى وزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي اتصالا هاتفيا بنظيرته السودانية هزار عبدالرسول العجب، أكد فيه حفاظ الدولة المصرية على عمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين.

وأعاد الوزير المصري التذكير بجملة المشروعات المشتركة في مجالات عديدة بين البلدين، لافتا إلى أنه سيجري قريبا زيارة إلى السودان للتباحث حول الأنشطة المختلفة.

وتزامن ذلك مع انطلاق حملات إعلامية دشنتها صحف وقنوات رسمية مصرية يومي الأحد والاثنين شدّدت على أهمية الحفاظ على الروابط التاريخية والشعبية بين البلدين للتأكيد على فصل الأزمة الكروية عن أي إطار سياسي.

أماني الطويل: الوضع بحاجة إلى تحركات سياسية لخلق بيئة أكثر إيجابية

وبرهن الخطاب المصري، الذي أخذ على عاتقه مهمة الوصول إلى تهدئة الأجواء المشحونة، على مخاوف من أن تقود حالة الغضب التي تسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي في السودان وتفاعل قطاع من المثقفين والسياسيين معها إلى وضع المزيد من الأشواك على طريق التنسيق بين البلدين في ملفات مهمة، مع استمرار الأزمة السياسية في السودان وعدم قدرة القوى المختلفة على تشكيل حكومة جديدة.

ويبدو أن مساعي التهدئة المصرية لن تكفي لتخفيف حدة الاحتقان وسط مواصلة السودانيين الشحن السلبي في البلاد تجاه مواقف القاهرة السياسية من الخرطوم وقضاياها.

وعمدت أطراف مدنية سودانية، بينها مسافات تباعد كبيرة مع القاهرة، إلى توظيف الموقف الكروي، الذي يفيد بأن لاعبي الهلال تعرضوا لمضايقات عقب هزيمتهم أمام الأهلي، في استكمال بناء جدار العداء لمصر، مستفيدة من تراكمات سابقة.

وقالت الخبيرة في الشؤون السودانية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية أماني الطويل إن “المساعي المصرية لتواصل وزيري الرياضة ستكون مؤثرة، لكن الوضع بحاجة إلى تحركات سياسية موازية لخلق بيئة أكثر إيجابية”، مشيرة إلى أن “الحالة الراهنة ترجع إلى السيولة السودانية المرتبطة بعدم التوافق السياسي ووجود أطراف لديها مواقف سياسية سلبية تجاه القاهرة”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “العلاقات المصرية -السودانية تعترضها حساسيات قديمة، وهو أمر يتولد بين دول الجوار العربي، خاصة إذا كان هناك تباين في المستوى الاقتصادي والتوجهات السياسية. والوضع بالنسبة إلى البلدين اتخذ أبعادا تتعلق بطبيعة الشعب السوداني المُسيس ويبقى تأثيره فاعلاً في أي مواقف خلافية بين البلدين، إلى جانب تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي التي تسهّل التفاعل مع أي حدث”.

وأشارت إلى أن الأزمة الجديدة الكروية يمكن وصفها بـ”الشعوبية”، وبعض النخب السودانية ترفض الشحن المستمر ضد مصر، لاسيما أن الواقع يشير إلى وجود “تغول” سوداني ضد مصر، وأياً كانت الملاحظات على الأداء الرسمي المصري تجاه الخرطوم في النهاية تأخذ السياسات العامة المصرية بعين الاعتبار مصلحة السودان وشعبه، وهناك اهتمام حكومي كبير بتقديم الخدمات الصحية والثقافية والتعليمية بشكل مجاني للسودانيين الموجودين على الأراضي المصرية.

وتستضيف مصر ما يقرب من خمسة ملايين سوداني في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة تعانيها، وترى دوائر مصرية في هذا الأمر دليلا على حسن النوايا تجاه الشعب السوداني وأن عدم الانخراط في الأزمات السياسية بالشكل المطلوب سببه الهجوم المستمر على أي تحرك تقوم به القاهرة في هذا الإطار، بل والتشكيك في أهدافه.

وأشارت أماني الطويل لـ”العرب” إلى “وجود طرف ثالث يحاول النفخ في أي أزمة بين البلدين، وإن كانت بسيطة”، موجهة أصابع الاتهام إلى صفحات إثيوبية ناطقة بالعربية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت على أن البيئة السياسية تسهم في تكرار المشكلات التي تعكر صفو العلاقة بسبب الأداء الشعوبي العام.

عبدالرحمن أبوخريس: جماهير الفريق المصري هي السبب الرئيسي في نشوب الأزمة

وانتشرت خلال الأيام الماضية فيديوهات مفبركة تتضمن توجيه هتافات عنصرية من جانب جماهير الأهلي المصري ضد الهلال السوداني، وعمدت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي (هوية مؤسسيها غير معروفة)، وعبر مجموعات خاصة بتطبيق واتساب، إلى نشر معلومات مغلوطة من جانب الطرفين، وهو ما أسهم في احتداد الأزمة.

وكان البعد الذي انطلق منه تصعيد فريق الهلال ضد الأهلي، ويرتبط بتوجيه هتافات عنصرية ضد الشعب السوداني، عاملا رئيسيا في التصعيد الحالي، وقد ثبت عدم صحته، لكن تداعياته السلبية لا تزال مستمرة ومتفاعلة داخل قطاعات عديدة.

ويواجه الموقفان الرسميان المصري والسوداني انتقادات لتأخر تدخل العقلاء من الجانبين لتطويق الأزمة مبكراً وعدم السماح بتصاعدها.

وأخفقت مبادرة شعبية دشنها مثقفون مصريون وسودانيون قبل لقاء العودة بين الفريقين بالقاهرة في تهدئة الأجواء، واستمر التصعيد بلا قدرة على ضبطه ومنع خروجه إلى مسارات قاتمة.

وبدا خطاب الأهلي المصري أخف حدة ولم يشر إلى تقديم شكوى مماثلة ضد الهلال لدى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) واكتفى بالتأكيد، في بيان أصدره السبت، أنه “أرسل خطابا إلى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم أوضح فيه كل الحقائق ورفع الأمر كاملاً إلى مؤسسات الدولة المصرية المعنية”، مبديا حرصه على تمتين العلاقات بين الشعبين.

واعتبر المحلل السياسي السوداني عبدالرحمن أبوخريس أن خطوة الأهلي التي صاحبها حراك سياسي مصري غير كافية، وأن المسبب الرئيسي للأزمة هو جماهير الفريق المصري التي تعاملت مع مضيفها الهلال بشكل غير حضاري.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحديث عما جرى داخل ملعب المباراة على أنه صادر عن قلة من الجمهور جراء حالة الشحن المعتادة في كرة القدم “أمر ليس دقيقا لأن بعض وسائل الإعلام المصرية مضت على هذا النهج”.

وأوضح أن الزيارة المرتقبة من قبل وزير الرياضة المصري إلى السودان والاعتذار عما حدث، وكذلك اعتذار الفريقين المصري والسوداني عن الأحداث التي شهدها اللقاءان في الخرطوم والقاهرة، يخففان من حدة الأزمة، وأن الارتكاز على تحقيقات جارية من الاتحاد الأفريقي للعبة (كاف) أو الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قد يسهم في تصعيد الأزمة في ظل اقتناع أطراف سودانية بعدم حياديهما.

وطالب وزراء الثقافة والإعلام في البلدين بإعداد خطة مستقبلية للتعامل مع حالات الانفلات الشعبي التي تظهر من حين إلى آخر، وبأن تبقى العلاقات بين البلدين أكثر من مجرد انتظار تحقيقات تجريها جهات إقليمية أو دولية، وإذا كانت للحكومة المصرية مصلحة في إنهاء الاحتقان الحالي فإن تلطيف الأجواء مع نظيرتها السودانية والاعتراف بالخطأ الذي وقع في مباراة القاهرة يساعدان على حل المشكلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى