نقابة للصحفيين في السودان.. تجربة “تاريخية” تثير قلق بعض القوى
الخرطوم – صقر الجديان
في خطوة وصفت بـ”التاريخية”، أعلن صحفيون سودانيون، تشكيل أول اتحاد لهم، في أول تجربة نقابية منذ 33 عاما، ليطالبوا من خلالها بحقوقهم بعد سنوات من الاضطهاد في عهد عمر البشير، والقمع بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي.
وانتخب مئات الصحفيين الذي شاركوا في العملية، عبد المنعم أبو إدريس، الصحفي بوكالة الأنباء الفرنسية نقيبا للصحفيين، و39 آخرين لمجلس النقابة، رغم عدم الاعتراف بها رسميا، لكن نشطاء وصفوها بأنها “خطوة مهمة نحو إعادة ترسيخ الحريات بعد الانقلاب العسكري”.
واعتبرت الصحفية السودانية، مشاعر دراج، والتي تم انتخابها عضوة في مجلس النقابة، وتحدثت لموقع “الحرة” أن “تأسيس نقابة بعد 33 عاما من القمع والظلم خلال فترة نظام الديكتاتور المخلوع الرئيس عمر البشير، إنجاز عظيم”.
وراقب العملية الانتخابية جماعات من المجتمع المدني، منها محامون منتمون للمعارضة.
وتم حل آخر نقابة للصحفيين المستقلين في عام 1989 عندما تولى عمر البشير السلطة.
وفي عهد البشير، تعرض الصحفيون للسجن والتعذيب، وتم القبض على المئات، وقضى بعضهم سنوات خلف القضبان بسبب كتابة تقارير ومقالات لم تعجب الحكومة.
واعتبر، خالد أحمد، سكرتير شبكة الصحفيين المهنيين التي كانت ضمن قوى الحرية والتغيير التي قادت الثورة ضد نظام البشير أن “النقابة هي تتويج لنضالات الصحفيين السودانيين في مواجهة الشمولية”، مضيفا أن “النقابة الحالية جاءت نتيجة لحوار عميق بين الأجسام الصحفية”.
وكان لنقابات الظل، التي نشأت لمعارضة استبداد عمر البشير الذي ملأ النقابات بأعضاء موالين للنظام، دور أساسي في الانتفاضة التي أطاحت به في عام 2019.
تنقية السجل الصحفي
وتضم النقابة 1164 عضوا، شارك 659 منهم في الانتخابات التي جرت، الأحد، رغم محاولات منع إجراءها من قبل الموالين لنظام البشير والمتحالفين مع النظام العسكري القائم.
وقال رئيس لجنة الانتخابات، فيصل محمد صالح، الذي شغل منصب وزير الإعلام في الحكومة التي قادها مدنيون في الفترة بين الانتفاضة والانقلاب “بصورة ديمقراطية تامة انتخب الصحفيون نقيب الصحفيين… الانتخابات تمت وسط إقبال وحماس كبيرين للصحفيين وبصورة سلسلة”.
أما عدد الصحفيين الحقيقي فهو “غير معروف”، بحسب أحمد، “باعتبار أن اتحاد الصحفيين في فترة النظام السابق كان يسمح في السجل الصحفي لكل العاملين في مكاتب الإعلام في الوزارات الحكومية أن يكون جزءا من السجل الصحفي”.
وأوضح “ستجد ضباطا في الشرطة يحملون بطاقات صحفية تتبع لاتحاد الصحفيين الذي تم حله من قبل حكومة الثورة، وكان يستفيد من هذه العضوية في عملية الانتخابات، حيث السجل الصحفي وقتها كان يحتوي على أكثر من خمسة آلاف صحفي، وهذا الأمر غير صحيح لأن العاملين في الصحافة لا يتعدى الألفين”.
تؤكد دراج من جانبها أن النقابة “ستعمل على تنقيح السجل الصحفي لمعرفة من هم الصحفيين الممارسين للمهنة من غيرهم، خاصة أن اتحاد الصحفيين السابق التابع لنظام الإنقاذ كان يعطي القيد الصحفي للضباط في الجهاز والشرطة ومسؤولي العلاقات العامة والإعلام بالوزارت، وفي نفس الوقت كان هؤلاء الضباط هم من يحققون مع الصحفيين عند استدعائهم”.
ويقول أحمد، “جاء تعريف الصحفي في السجل الصحفي للنقابة بحسب التعريف الدولي للعاملين في الصحافة بأن يكون عاملا فيها ودخله منها 80 في المئة، بجانب إثبات من المؤسسة التي يعمل بها”.
رفض الخطوة
وبناء على دعوى قانونية أقامها متحالفون مع نظام البشير السابق، قائلين إن هذه النقابة لا يمكن أن تحل محل الاتحاد الذي تشكل في عهد البشير، فقد أعلن المجلسُ القومي للصحافةِ والمطبوعات، رفضه إجراءَ انتخاباتِ نقابة الصحفيين، واعتبرها تفتقد للشرعية، متوعدا باتخاذ الإجراءات اللازمة.
وتقول دراج: “كنا نتوقع عدم اعتراف الحكومة الانقلابية بهذه النقابة أو إعاقة عملها، لكننا كنقابة سنعمل بكل ما في وسعنا من أجل تحقيق أهداف وبرامج النقابة لمصلحة الصحفيين”.
يؤكد أحمد أنه ليس من السهولة إعادة العمل النقابي بعد غيابه لعقود، “خاصة عقب الانقلاب العسكري، وعودة قيادات من النظام القديم لمفاصل الدولة والتي عملت على عرقلة سير العملية وعدم الاعتراف بالانتخابات”.
لكنه يشير إلى أنه تم إجراء الانتخابات “استنادا لحرية العمل النقابي ومنظمة العمل الدولية، فمن حق أي تجمع مهني أن يقوم بتشكل نقابته”.
تحسين الأجور وبيئة العمل
الصحفيون من جانبهم يأملون في أن تقدم النقابة بتشكيلها الجديد خدمات لهم، “لكن عدم الاعتراف الرسمي قد يضع عراقيل خاصة في التعامل مع المؤسسات الحكومية وإمكانية ان يأخذ ملاك الصحف عدم الاعتراف الحكومي كحجة لعدم التعامل خاصة في تعديل الأجور وتحسين بيئة العمل”، بحسب أحمد.
رغم ذلك يرى أحمد أنه “مع الشعبية والالتفاف الكبير من القاعدة الصحفية والمشاركة الكبيرة التي جرت في التصويت يمكن أن تمارس بها النقابة ضغوطا في صالح تحسين الواقع الصحفي، خاصة أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد أثرت كثيرا على صناعة الصحف وتم تشريد المئات من الصحفيين وأن الصحافة السودانية تواجه أزمة وجود حقيقي لأنها مهددة بالاندثار”.
“ملهمة لبقية الفئات”
تشير دراج، في حديثها مع موقع “الحرة” إلى أن المجلس المنتخب، سيعمل على انتزاع حقوق الصحفيين وحمايتهم من الناشرين، بجانب مقاومة الظلم الذي يقع عليهم من قبل مؤسسات تعمل على استغلال الصحفيين لفترات طويلة بدون عائد مادي مجزي”.
وأضافت أن “النقابة ستعمل على تهيئة بيئة العمل الصحفي بإلزام المؤسسات على ذلك، بجانب تحديد حد أدنى للمرتبات يراعي الوضع الاقتصادي في البلاد”.
وبحسب مراقبين فإن نجاح تجربة انتخابات نقابة الصحفيين سيكون لها ما بعدها وهي اختبار حقيقي للديمقراطية ما يدفع قطاعات مهنية أخرى لخوض التجربة.
وقال أحمد لموقع الحرة” إن “هذه التجربة أصبحت ملهمة لبقية الفئات أن تتحرك في تشكيل نقاباتها رغم العراقيل من السلطات العسكرية في البلاد”.
إقرأ المزيد