هاجس الغذاء يدفع السودان لتوسيع استزراع الأسماك
مساع لاعتماد آليات أكثر تحفيزا لصغار المنتجين وزيادة كفاءة طرق التربية مع توفير الأعلاف.
الخرطوم – صقر الجديان
وجه المسؤولون السودانيون أنظارهم مرة أخرى إلى الفرص المهملة في الاقتصاد الأزرق أملا في تحقيق الأمن الغذائي في ظل تضاؤل هوامش البلد في توفير احتياجاته من القطاعات الإستراتيجية وفي مقدمتها الزراعة.
تدفع هواجس تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء السودان لمطاردة الجدوى من وراء توسيع قطاع الاستزراع السمكي على الرغم من كثرة التحديات التي يواجهها من حيث توفير التمويلات والإمكانيات اللازمة لتجسيد طموحه بالنظر إلى الظروف الصعبة.
واجتمعت محن الجفاف وتداعيات الحرب والظروف الاقتصادية العالمية المتقلبة لتبني جدارا أمام توفير الغذاء للسودانيين الذين يكابدون لتوفير مستلزماتهم اليومية في ظل التضخم القياسي وتآكل رواتبهم بسبب ضعف قيمة الجنيه.
ولئن كانت التقلبات المناخية أحد أسباب تأخر الأمطار مما أضر بشدة بالإنتاج الزراعي في السنوات الأخيرة، إلا أن الحكومة تفكر في تنمية الثروة البحرية عبر توسيع رقعة مزارع الأسماك في المناطق الخاضعة لسيطرتها حتى مع قلة الإمكانيات والتمويلات.
سر الختم عبداللطيف: ترقية تجارب القطاع مهمة لتغطية عجز يبلغ 11 ألف طن
ويحاول البلد الذي شهد تراجعا في معدلات النمو وظروفا طبيعية قاسية تتمثل في الجفاف أثرت سلبا على الزراعة وتسببت في شحّ في الأموال، دعم صناعة الثروة السمكية بكل الطرق لتحقيق عوائد إضافية لخزينة الدولة.
وتعول وزارة الزراعة والثروة الحيوانية على مشاركة القطاع الخاص في تعزيز تجارب سابقة في هذا المضمار وإدخال أنظمة التربية الحديثة والتوسع أكثر في هذا المجال.
وقال سر الختم عبداللطيف مدير عام بالوزارة في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية الرسمية إن “ترقية تجارب صغار المنتجين عبر الشراكات التعاقدية أمر مهم لتضييق الفجوة في الإنتاج والتي تقدر بأكثر من 11 ألف طن”.
ويعاني البلد من أزمات اقتصادية متنوعة بسبب انخفاض قيمة الجنيه وازدياد معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، فيما تحاول السلطات معالجة عجز الإيرادات بفرض رسوم وضرائب.
والبلد كغيره من دول المنطقة العربية تعرض إلى محن متتالية، وبينما كان يحاول تعديل البوصلة بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير باغتته الأزمة الصحية العالمية، ثم تداعيات الحرب في شرق أوروبا لتفاقم أوجاعه.
وتقول الحكومة إنها مهتمة بتطوير قطاع الأسماك وزيادة الموارد لتسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي وتخفيف حدة الفقر.
ولتحقيق غايتها اعتمدت قبل أشهر خطة إستراتيجية ترتكز على تطوير إنتاج الأسماك برفع سلاسل القيمة المضافة بالتصنيع والتعبئة والتغليف، إضافة إلى اعتماد آليات أكثر تحفيزا لصغار المنتجين وزيادة كفاءة طرق التربية مع توفير الأعلاف وغيرها.
ويقدر الإنتاج السنوي من المصائد في البلاد بحوالي 65 ألف طن سنويا، كما أن التقديرات الرسمية تشير إلى أن القطاع يوفر قرابة 50 ألف فرصة عمل مباشرة.
ويمثل قطاع الأسماك موردا متجددا ويساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويوفر سلعة ذات طلب عال في الأسواق العالمية.
وتتوفر في السودان موارد مائية تشكل قاعدة لتنمية وتطوير الثروة السمكية من المصائد الطبيعية الداخلية والبحرية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم الاقتصاد المحلي.
ويزخر البلد بالعديد من أصناف الأسماك سواء في أنهاره أو في البحر الأحمر، وتشير التقديرات إلى أن لديه قرابة 34 نوعا، إلا أن 11 نوعا منها تعد الأكثر تداولا في السوق المحلية.
وتختلف الأسعار حسب نوع السمك، وهو يتراوح في العادة ما بين ألفين وخمسة آلاف جنيه (3.5 و8.8 دولار).
ويدرك المسؤولون وأهل القطاع أن صيد الأسماك وتجارتها يشكلان أحد أبرز الموارد الاقتصادية المتجددة للبلاد حيث لا تزال صادراته بعيدة عن مستوى الطموحات.
وخلال السنوات الأخيرة سعى المسؤولون لدعم هذا القطاع وجعله محركا في سلسلة التجارة المحلية وفي الوقت ذاته توفير الغذاء للسكان وبأسعار في المتناول.
وتعتبر شركة دال للاستزراع السمكي بمنطقة جبل أولياء التي تعمل في العاصمة الخرطوم منذ فترة رائدة في هذا المجال، حيث تستخدم نظام الأقفاص العائمة، والذي يعتبر من أحدث الأنظمة ذات الكفاءة الإنتاجية العالية.
وبذلت الشركة جهدا كبيرا في ترسيخ هذه التجربة، ويؤكد أصحابها أنهم مستعدون لتقديم الدعم الفني والخدمات للمنتجين في مجال الاستزراع السمكي خاصة وأن القطاع الخاص له إسهام كبير في مجال المسؤولية المجتمعية.
وتشكل السواحل على البحر الأحمر بطول 750 كيلومترا، والمصائد الداخلية في البحيرات من المصادر الرئيسية لعمليات الإنتاج، فضلا عن البحيرات الاصطناعية.
وتشير المعطيات المنشورة على المنصة الإلكترونية للوزارة إلى أن البلد يضم خمس مصائد داخلية كبيرة أهمها بحيرة خزان جبل أولياء والتي تمتد حتى محافظة كوستي في ولاية النيل الأبيض، ويقدر مخزونها بحوالي 15 ألف طن.
النيل الأبيض أكثر جهات البلاد توفيرا للفرص الاستثمارية بالقطاع وهي تضم 18 مزرعة للأسماك بمنطقة القطينة
وتمتلك ولاية النيل الأبيض فرصا واسعة للاستثمار في مجال إنتاج وتصنيع وتصدير الأسماك دون غيرها من ولايات البلاد، وهي تضم 18 مزرعة للأسماك بمنطقة القطينة.
ويؤكد الصادق بخيت مدير إدارة الأسماك والأحياء المائية بوزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية أن ثمة تركيزا على أنشطة الحماية باعتبارها تمثل الاستدامة لإنتاج الأسماك بالمسطح المائي وتحافظ على المخزون.
أما بحيرة خزان الروصيرص والتي تقع على النيل الأزرق خلف الخزان، فيقدر المخزون السمكي فيها بنحو 1700 طن ويبلغ الإنتاج الحالي 1200 طن، ومعظم الإنتاج يستخدم في صناعة الأسماك المجّففة.
وتقع بحيرة خزان سنار على النيل الأزرق ويقدر مخزونها بنحو ألف طن والإنتاج السنوي الحالي يصل إلى ألف طن، وتمثل صناعة الفسيخ والأسماك المجّففة نسبة عالية من الإنتاج.
وفضلا عن ذلك هناك بحيرة خزان خشم القربة الواقعة على نهر عطبرة، ويقدر مخزونها بنحو 800 طن، وتنتج نحو 500 طن سنويا.
أما بحيرة النوبة الواقعة في الجزء الشمالي من البلاد خلف بحيرة السد العالي، فيقدر المخزون السمكي بها بنحو خمسة آلاف طن.
وأكدت مديرية الأسماك والأحياء المائية بوزارة الزراعة في كثير من المرات على ضرورة إنفاذ مشروع إنشاء الهيئة القومية للأسماك لتطوير القطاع والنهوض به والإسراع بإجازة وتطبيق قانون الأسماك.
وأشارت في تقرير أصدرته مؤخرا إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه القطاع الربط الشبكي ووسائل الحركة البرية.