هجوم وتضييق مستمر على حرية العمل النقابي في السودان بعد الانقلاب
الخرطوم – صقر الجديان
بعد مرور عام على انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 بدا كما لو أن النظام السابق قد عاد بالكامل، وذلك عقب مرور ثلاث سنوات فقط على الإطاحة به عبر ثورة شعبية في نيسان/ابريل 2019.
فبينما عملت الثورة السودانية على تفكيك بنية النظام السابق، قبل أن تبدأ في بناء مؤسسات جديدة، بما في ذلك الشروع في إنشاء نقابات واتحادات مهنية، في خضم عملية التحول المدني الديمقراطي، إلا أن الانقلاب قطع طريقها على مدى أكثر من عام، وذلك من خلال إعادة واجهات ونقابات النظام السابق.
في الوقت الذي انتخب الصحافيون السودانيون نقابتهم بعد أكثر من ثلاثة عقود على آخر نقاباتهم الديمقراطية في آب/اغسطس الماضي، أعاد قرار للسلطة الانقلابية اتحاد الصحافيين السودانيين الذي كان أحد واجهات النظام السابق إلى الواجهة مرةً أخرى، بجانب اتحادات أخرى مثل اتحاد المرأة.
لكن، القرار الأكثر تأثيراً الذي اتخذته سلطات الانقلاب، هو إعادة نقابة المحامين السودانيين التي حلتها لجنة إزالة التمكين، عقب تشكيل الحكومة الانتقالية في العام 2019.
رغم قرار إعادة نقابة المحامين المحلولة إلى الواجهة مرةً أخرى، إلا أنه بالجانب الآخر، واجه مقاومة كبيرة من النقابات والقوى السياسية المعارضة للانقلاب العسكري.
كما أن قرار العودة أسفر عن وجه العنف لدى قيادات النقابة المحلولة والذين ما إن صدر قرار بعودتها حتى هاجموا مقر المحامين بالعاصمة السودانية الخرطوم، مستخدمين الهراوات وعبوات الغاز الممسيل للدموع، كما أطلقت مجموعات موالية للنظام السابق الرصاص على المقر. وبعد يوم من هجوم قوى النظام السابق على الدار، استولت الشرطة والقوات الأمنية على مقر المحامين، في انتظار صراع قانوني تخوضه اللجنة التسييرية لنقابة المحامين ونقابة المحامين المحلولة.
إعادة النقابة لصالح النظام السابق، بجانب الهجوم الذي شنوه على الدار، أثار ردود أفعال داخلية وخارجية رافضة للمسلك الذي وصف بالإرهابي، ومحاولة تقويض التقدم الديمقراطي المحرز.
ولعبت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين دوراً بارزاً في كتابة مسودة الدستور الانتقالي والتي تمثل الآن إطار تفاوض بين المدنيين والعسكريين، حيث تعد كتابتها مسودة دستور من بين دوافع إعادة النقابة المحلولة إلى الواجهة مرةً أخرى.
وتزامناً مع الهجوم على مقر النقابة في بدايات الشهر الحالي، أصدرت قوى الحرية والتغيير بياناً حول «إرجاع نقابات النظام السابق، كما نظمت موكب داعم للحرية النقابية».
وقال البيان: شهدت الأيام الماضية انتهاكات نقابية عديدة من فصل ونقل تعسفي في بنك السودان المركزي وإعادة الذين تم إزالة تمكينهم بواسطة لجنة التفكيك والذين مكنهم الفساد والمحسوبية في عهد نظام المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية.
وأضاف البيان: كما شهدت تحركات متسارعة من قبل عناصر النظام المباد على المستوى النقابي قضت بإلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من حزيران/يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة، حيث عمل قاضي دائرة الطعون في المحكمة العليا محمد علي أبوسبيحة، في تنفيذ توجيهات منسوبي النظام السابق في إرجاع أموال وعناصر ونقابات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
واعتبرت قوى الحرية والتغيير كل محاولات إحياء ممارسات وواجهات النظام السابق ونفخ الروح فيه من جديد محكوم عليها بالفشل وستنتهي إلى الخسران والانهزام أمام الشعب السوداني الرافض والمقاوم والمصمم على عدم إعادة عقارب الساعة للوراء، وكما هزمت تلك الجماهير وقالت قولها الفصل في ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018 ستعيد الكرة مرة أخرى وتقتلعهم من مؤسسات الدولة التي أفسدوها.
ورأى البيان أن تلك الإجراءات استهدفت نقابة المحامين السودانيين ولجنتها التسييرية، وأنها لم تكتف بإصدار قرار إرجاع نقابة الحزب المحلول وأحد واجهاته، بل سعت للاستيلاء على دار المحامين بالقوة يوم الثلاثاء الأول من تشرين الأول/اكتوبر الماضي، وأنه نتيجة لصمود المحامين والقطاعات الثورية المختلفة فشلت محاولات الاستيلاء على الدار سواء بشكل مباشر أو من خلال فرض حصار على الموجودين داخل الدار.
استهداف نقابة المحامين
ويأتي استهداف نقابة المحامين، بهذا الشكل الإجرامي، وفقاً للبيان بغرض معاقبتها على دورها في إعداد مشروع الدستور الانتقالي لسنة 2022 الذي أربك المشهد السياسي للانقلاب والنظام السابق.
ورأى البيان، أن مسلكهم واستخدام العنف، راكم الغضب الشعبي تجاههم وجلب عليهم الرفض والإدانات الإقليمية والدولية وذهبت خططهم جفاءً، في تحقيق أي نتيجة أو أثر سياسي أو قانوني مؤثر على وجود وطرح الإطار الدستوري الانتقالي، بوصفه أحد المرتكزات الأساسية لاستعادة الانتقال الديمقراطي، خاصة وأن أبرز قيادات نقابة المحامين ما زالت السلطات تحاصرهم وتلاحقهم بالبلاغات والسجن ومحاولات القتل والاغتيال المعنوي.
وشدد البيان على أن القرارات الصادرة عن «أبوسبيحة» قبل وبعد انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر من العام السابق، بنقض قرارات لجنة التفكيك يعتريها العوار القانوني ومناقضة لأهداف الثورة السودانية في تفكيك بنية التمكين، وأنها قرارات طال الزمن أم قصر لن تكون سارية النفاذ لكونها تخالف استحقاق ثوري ودستوري وسياسي.
ووفقاً للبيان، فإن أحد أهم انتصارات الحركة النقابية مصادقة الحكومة على الاتفاقيات التي تدعم حرية العمل النقابي وحرية التنظيم، مشيراً إلى أنه في هذا الإطار، ووفقا للمعايير الدولية التي تجرم استخدام النقابات كأدوات إرهاب، فإن حل نقابات النظام السابق هو أمر حتمي، وواجب الثورة الضروري، خاصة أن قادة هذه النقابات والاتحادات مدونة في مواجهتهم بلاغات جنائية كانت ستقودهم إلى ساحات المحاكم، لولا سوء القضاء وعدم نزاهة الأجهزة العدلية المحتقنة بعناصر نظام الإنقاذ وحزبه المحلول.
ولفت إلى أن النظام السابق، يخوض معركته الأخيرة في مواجهة الشعب السوداني مسنوداً ببعض أطراف الانقلاب، والتي ذكر البيان أنها تعلم بأن مؤشرات ودلالات تحلل الحزب المحلول وتفسخه باتت واضحة للعيان، موضحاً بأن النظام السابق وحزبه المحلول لن يحكموا هذه البلاد مرة أخرى عبر بوابات الاستبداد والانقلابات العسكرية.
الحراك العمالي
وأكدت قوى الحرية والتغيير دعمها للحراك العمالي الحالي، داعية جماهير الشعب للمشاركة في موكب الحرية النقابية، تأكيداً على الاستحقاقات المسلوبة والمعلن بواسطة التنظيمات المهنية والحرفية.
ويوم الاثنين الماضي، سيرت عشرات النقابات العمالية والمهنية، موكباً انطلق من أمام مكتب مسجل تنظيمات العمل ووصل إلى المحكمة الدستورية بالخرطوم.
وجاء موكب النقابات، حسب بيان لتجمع المهنيين، تمسكا بالحرية النقابية وبحق التنظيم وفقا للاتفاقيات الدولية المصادق عليها من دولة السودان، بجانب رفض قرار إعادة واجهات النظام السابق، بالإضافة إلى عدم شرعية اللجان المعينة بأوامر من مجلس السيادة الانقلابي، وفقاً للبيان.
وطالبت الكتل النقابية، باستقلالية القضاء وعدم تسييسه لصالح واجهات النظام السابق، بجانب إقالة مسجل تنظيمات العمل وقاضي المحكمة العليا أبو سبيحة، وإيقاف الانتهاكات النقابية ضد العاملين والعاملات في الخدمة المدنية.
وأشار إلى، إنه حينما تم إسقاط نظام حزب المؤتمر الوطني المحلول، كانت هناك آمال وتطلعات عريضة، في مقدمتها اقتلاع النظام، واجتثاث جذوره وواجهاته التي قال إنها امتصت دماء وأموال العمال في تنظيمات العمل، وإصلاح الجهاز القضائي من أجل تحقيق مبدأ فصل السلطات في الدولة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وضد الإنسانية وإنفاذ العدالة.
ولفت إلى أن أول تلك الخطوات، تمثلت في حل نقابات واتحادات الحزب الواحد، وبدأ أصحاب المهن والحرف المختلفة بتفويض لجان تسييرية تدير وتسيير مصالح العمال والمهنيين، وذلك لإرساء التحول الديمقراطي، وملء الفراغ النقابي بعد إجازة قانون تفكيك نظام 30 حزيران/يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة وواجهته.
لكن حسب البيان، فإنه بعد انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021 قام قائد الانقلاب بحل جميع اللجان التسييرية للنقابات والاتحادات، الأمر الذي يوضح رعب النظام العسكري وخوفه من تَنظّم وتنظيم العمال، خاصة وأن العمال كانوا رأس الرمح في الثورات السودانية على مر التاريخ.
وقال أنه بعد مرور عام من الانقلاب العسكري، فإن من وصفهم بقضاة النظام السابق وقواه العسكرية، ما زالت تمارس أبشع الانتهاكات وسرقة أصوات وإرادة العمال.
وشدد على أن القرار القاضي بحل اللجان التسييرية وإعادة نقابات واتحادات نظام المؤتمر الوطني المحلول، فوق أنها تعد خرقاً للاتفاقيات التي صادق عليها السودان، فهي مظهر من مظاهر خرق الدستور الساري ومخالفة للقوانين السائدة وعسكرته وتسييس القضاء لصالح عودة واجهات المؤتمر الوطني.
وأكد أنه في هذه المرحلة الحرجة، فإن هناك حاجة للتوحد ضد النظام السابق وإيقاف عودة الشموليين لإدارة النقابات.
وطالب بإقالة القاضي أبو سبيحة، مشدداً على أن إسقاط الانقلاب هو المدخل لإصلاح أوضاع العاملات والعاملين في القطاع العام والخاص والأعمال الحرة. كما أكد على عدم شرعية الاتحادات المحلولة والمنتهية دورتها في العام 2019.
أيضاً أكد البيان رفضه تعيين اللجان التسيرية عبر توصية القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، بجانب رفضه عسكرة وتسييس السلطات العدلية.
وفي السياق، انتقدت المحامية، رجاء محمد ابن إدريس، الهجوم على دار المحامين السودانيين، وقالت لـ«القدس العربي»: إذا كان هناك قرار لتنفيد القانون لا يمكن أن يتم بالقوة. كما أشارت إلى أن للقرار خطوات قانونية يجب أن تتبع بما في ذلك استئناف القرار والاعتراض عليه، بجانب أن القرار صدر يوم الجمعة، وأكد على محو كل ما ترتب على لجنة التسيير بما في ذلك إعداد الدستور الانتقالي لعام 2022.
بينما قالت المحامية سلوى أبسام، لـ«القدس العربي» إن القرار يأتي ضمن عودة النظام السابق تدريجياً ومساهمة البرهان في عودتهم وإعداد المسرح لهم. بالإضافة إلى أنه مخالف لقانون لجنة إزالة التفكيك، بجانب طرحها تساؤلات حول من شكل اللجنة الخاصة باستئناف قرارات التفكيك، ومن الذي يحق له ذلك مشيرة إلى أن كل القرارات الصادرة بعد الانقلاب كانت شبه سرية.
ورأت أن القرار فوضوي ولا يستند على قانون، مشيرة إلى أن خطة النظام السابق تستند على ذهاب جميع اللجان التسييرية والنقابات لتمهيد الطريق لعودة نقاباتهم المحلولة.
فيما قال المحامي محجوب الصليحابي لـ«القدس العربي» إنه بالعودة إلى الوثيقة الدستورية، فهي تستثني المؤتمر الوطني المحلول من أي مشاركة، فإذا كانوا قد استندوا على هذا الأمر فهو باطل، باعتبار أنه كان في البلاد ثورة شعبية عطلت كل المؤسسات القائمة بما في ذلك السلطة نفسها.
وأضاف: ما حدث من هجوم على مقر المحامين ومحاولات الاستيلاء عليه بالقوة، ليس سلوك محامين وإنما سلوك بربري. مؤكدا أن القرار الصادر من لجنة الاستئنافات هو قرار القصد منه إرباك المشهد السياسي، لأن تسييرية المحامين تم الاعتراف بها من المجتمع الدولي والإعلان الدستوري الذي طرحته يمثل مخرجاً من الأزمة السودانية.
كما أشار إلى أن القرار سكت عن من هي الجهة التي يجب تسليمها دار المحامين، متسائلاً على أي أساس أتوا لاستلام الدار؟ ورغم الضغوط التي تمارسها السلطة العسكرية، يتمسك المهنيون بحقهم في إنشاء نقابات حرة وفقاً للقوانين والمعايير الدولية. بالنسبة للجنة التسييرية لنقابة المحامين، فقد تقدموا بطعون ضد قرار حلهم، فيما انتخبت مجموعات مهنية، بينها الصحافيون، نقابتهم رغم عودة اتحادات النظام السابق.
إقرأ المزيد