هل القاهرة مهيأة سياسيا للجمع بين البرهان وحميدتي
القاهرة – صقر الجديان
تحاول القوى المدنية في السودان ممثلة في تنسيقية تقدم إقناع مصر بلعب دور متقدم في حل النزاع السوداني عبر جمع طرفي الصراع، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل القاهرة مهيأة فعلا لتحقيق اختراق في هذا الصدد بعد أن فشلت مبادرات سابقة.
وجدت القوى المدنية السودانية ترحيبا من القاهرة للمشاركة بفاعلية في تسوية الصراع الذي يعصف ببلدهم واقترب من إتمام عامه الأول، وحاولت تشجيعها على تحقيق اختراق سياسي في الأزمة بالجمع بين قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان والدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وحرّكت زيارة قام بها وفد تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) بقيادة رئيس الحكومة السودانية السابق عبدالله حمدوك إلى القاهرة أخيرا، جانبا من المياه السياسية في العلاقة بين القوى المدنية ومصر، إذ أبدت الأولى عدم ارتياحها لدور مصر سابقا، وساورها اعتقاد قبل اندلاع الحرب أنها تدعم الجيش على حساب القوى المدنية.
وتكرس هذا الاعتقاد بعد نشوب الحرب بين الجيش والدعم السريع، ولم تخف القاهرة انحيازها للمؤسسة العسكرية انطلاقا من قناعتها بأن الحفاظ على تماسك الجيوش هو حفاظ على وحدة الدولة، لكن هذه المعادلة بدأت تظهر عليها علامات سلبية في السودان، حيث بدا اختراق الجيش من قبل قوى إسلامية وسيلة لعودتها إلى الحكم، وهو ما شجع القاهرة على زيادة انفتاحها على قوى مدنية وعدم غلق الباب أمام الدعم السريع.
وتعلم مصر حجم المخاطر التي يحملها وجود جماعة الإخوان داخل الجيش السوداني، فقد سبب ذلك إزعاجا كبيرا لها أثناء فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، وهي ليست مستعدة لإعادة الحياة إلى هذه الجماعة في دولة يمثل استقرارها أهمية حيوية للأمن القومي المصري، ولذلك يعد اختراقها للجيش خطا أحمر يمكن إزالته بالتسوية.
عبدالله حمدوك: استقرار السودان من استقرار مصر وانهياره كارثة عليها
وأدى تضخم دور الحركة الإسلامية داخل الجيش السوداني، وما تردد حول قفزها عليه ورغبتها الحثيثة لاستمرار الأزمة، إلى تنبيه القاهرة البرهان لخطورة هذا المسعى، والعمل على توسيع أطر التعاون مع قوى مدنية متعددة، ترى فيه منبرا جيدا.
وشهدت الفترة الماضية انفتاحا مصريا على غالبية القوى السودانية، عسكرية ومدنية، ومشاركة بدرجات مختلفة في اجتماعات إقليمية ودولية لوقف الحرب، واستضافة ورش عمل سياسية على الأراضي المصرية بحضور نخب متباينة تولدت لديها قناعة بأن القاهرة مستعدة للقيام بدور نشط في الأزمة، وتجاوز حساسيات سابقة.
وأكد حمدوك قبيل اختتام زيارته إن القيادة المصرية وافقت على طلب للائتلاف بإمكانية حث قائدي الجيش والدعم السريع على اللقاء في القاهرة لإيقاف الحرب، قائلا “رحبوا بالأمر، فاستقرار السودان من استقرار مصر وانهياره كارثة أمنية كبرى عليها”.
ووصف حمدوك زيارة القاهرة بأنها “مفتاحية” والتقى فيها مسؤولين مصريين رفيعي المستوى والأمين العام للجامعة العربية وناقش وقف الحرب والأوضاع الإنسانية.
وترى دوائر سودانية أن الاجتماعات التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة بين نائب القائد العام للجيش شمس الدين الكباشي وقائد ثاني الدعم السريع عبدالرحيم دقلو، شكلت اختراقاً كبيراً، حيث دخلت مصر في التفاوض المباشر لأول مرة.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن القاهرة قد تكون مستعدة مستقبلا لاستضافة لقاء بين حمدوك والبرهان لتذويب الهوة التي نجمت عقب تأجيل لقاء كان سيعقد بينهما في وقت سابق، بينما عقد لقاء بين حمدوك وحميدتي في أديس أبابا، ونجاح القاهرة في جمعهما سيكون مؤشرا إيجابيا على تفاعلها مع الأزمة ومقدمة لإمكانية عقد اجتماع بين البرهان وحميدتي، تنصل منه الأول أكثر من مرة، ووضع شروطا قاسية لإتمامه.
وأكدت المصادر ذاتها أن القاهرة غير مهيأة للجمع بين البرهان وحميدتي حاليا، بسبب تصاعد حدة المعارك في أم درمان ونجاح قوات الجيش في تحقيق انتصارات، كما أن الألغام الداخلية والإقليمية المتناثرة لا تشجع القيادة المصرية على العبور وسطها، ففكرة اللقاء أفريقية ونبعت من “إيغاد” ولا تريد القاهرة الصدام معها.
القاهرة نجحت في تفكيك أجزاء كبيرة من عقدة القوى المدنية حيال أيّ دور تقوم به في أزمات السودان
وأضافت المصادر لـ”العرب” أن مصر تنأى عن فتح باب جانبي بينما الباب الرئيسي، وهو منبر جدة، لم يغلق بعد، ولا تريد القاهرة أن تبدو كأنها في منافسة مع السعودية أو قوى أفريقية أخرى، وفكرة استدعاء القوى المدنية لها تنطوي على تصحيح بعض الأوضاع في العلاقة المتوترة تاريخيا بينهما ولا ترقى لتبني مبادرة مستقلة.
وعزفت القاهرة عن المشاركة في مفاوضات جدة بوساطة سعودية – أميركية، لأسباب خاصة بحساباتها أو ربما لعدم الترحيب بها، وتركت الأمر في عهدة هذا المنبر، ثم بدأت هيئة “إيغاد” تقدم مقاربات لحل الأزمة السودانية لرفع أسهم الصوت الأفريقي، واكتفت مصر بأدوار دبلوماسية وإنسانية من دون تأثير سياسي ملموس، وحتى قمة دول جوار السودان التي استضافتها القاهرة في يونيو الماضي تعثرت.
وأعادت زيارة وفد تنسيقية “تقدم” الحديث عن دور مصري في الأزمة السودانية، حيث لمس حمدوك ورفاقه تجاوبا من القاهرة، والتي في حاجة إلى المزيد من الوقت للتشاور مع قوى إقليمية ودولية لقياس مدى التفاعل مع أيّ مقاربة يمكن أن تقوم بها، وتحصل على ضمانات بعدم رفض قوى سودانية مؤثرة لأيّ تفاعل مصري جديد.
وقد تكون زيارة وفد “تقدم” وما حصل عليه من انطباعات إيجابية، وإقامة العديد من القوى المدنية والنخب السودانية في القاهرة، من الجوانب التي تدعم أيّ تحرك مصري، يُضاف إليها عدم ممانعة الجيش، والذي قام قائده البرهان بزيارة إلى القاهرة قبل أيام قليلة من زيارة حمدوك، وأجرى محادثات مع الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وثمّن القيادي في تنسيقية “تقدم” خالد عمر يوسف زيارة القاهرة واعتبرها “علامة فارقة في المجهود الذي تبذله التنسيقية لوقف الحرب وتخفيف المعاناة على السودانيين الذين بعثرتهم الحرب في منافي اللجوء والنزوح”.
ويقول متابعون إن القاهرة نجحت في تفكيك أجزاء كبيرة من عقدة القوى المدنية حيال أيّ دور تقوم به في أزمات السودان، وبدأت الكثير من القيادات تلمس حرصا على إنهاء صراع محتدم تعد مصر في مقدمة الدول المتضررة من تداعياته، ولذلك تظل هناك حاجة كبيرة لترطيب الأجواء مع قوات الدعم السريع وإزالة رواسب في ذهنها أن أيّ نشاط مصري يصب فقط لصالح الجيش.
ويضيف المتابعون أن هذه المسألة تآكلت مؤخرا مع وجود القاهرة في حوارات حضرتها الدعم السريع، خاصة اجتماعات المنامة، فضلا عن مشاركة أحد مفاوضيها في ورشة عقدت بالقاهرة مؤخرا حول القضايا الإنسانية، وذلك بحضور قوى متعددة من إقليم دارفور أيضا.