مقالات الرأي

هل كان ربيعاً ؟!

 

في الطريق إلى فوبرتال للقاء صديق قادم من هولندا، قابلت في القطار عبد القادر طبيب ليبي يعمل في مشافي ألمانيا منذ عدة سنوات سألته عن الأحوال في ليبيا التي لم أتمكن من زيارتها رغم تجوالي الكثير في أفريقيا، قال أن ليبيا الآن دولتان ومليشيات تجوب البلاد من شرقها إلى غربها، لا أمان في البلاد  والناس يعيشون ظروفاً معيشية صعبة في بلاد غنية بالثروات.

يتحدر عبد القادر من مدينة سرت التي شهدت مقتل القذافي. سألته مباشرة: هل تحن إلى أيام القذافي ؟ قال: راحت ليبيا يوم موته. أدهشني كثيراً عبد القادر، كنت أعتقد أن هناك إجماعاً ليبياً على سقوط القذافي، الرجل الذي جثم على صدور الليبيين ل 42 عاماً، حكم فيها بالحديد والنار.
ولأن الأقدار أرادت أن تبين لي ظني الخاطئ، قابلت نورة ربة منزل تقيم في ألمانيا منذ العام 2012، كنت في أحد المطاعم وأسرتي الصغيرة حين استأذنت نورة للجلوس إلى طاولتنا لحين تجهيز طاولة لها وابنها، تعرفت إلينا بلطف وحين علمت أنها من ليبيا بادرتها بالسؤال: هل ليبيا أفضل اليوم أم قبل الثورة؟ لم تفكر كثيراً وقالت بسرعة: لا أستطيع أن أنكر أن القذافي كان ديكتاتوراً لكن العلاج كان مؤمناً والدراسة بالمجان لجميع الليبيين من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة، كان من السهل الحصول على منزل، الوظائف كانت متوفرة والمعيشة رخيصة ، لم نكن نشكو من شيء، آمنين في بيوتنا ولا نريد أكثر من ذلك، الآن تشردنا، لم يتبق من أسرتي أحد في ليبيا.

رغم الصيام حرصت وصديقي السوري سميح على مشاهدة مباراة بايرن ميونيخ ودرامشتات في الدوري الألماني على ملعب الأخير، لا تبعد المدينة كثيراً من مقر إقامتي، تشاء الأقدار أن نلتقي مجموعة من الليبيين الذين لم يختلف حديثهم عن معظم الليبيين الذين قابلتهم، أحسست في حديثهم حنين لأيام ” الديكتاتور” الذي ملء الدنيا وشغل الناس حياً وميتاً، وقبل عدة أشهر لفت شاب ليبي شبيه للقذافي، الأنظار عندما تجول وهو يرتدي أزياء شبيهة بتلك التي كان يرتديها القذافي ويعتلي سيارة مكشوفة ويقلد الرئيس السابق في كل شيء حتى في طريقته في التحية على الناس، وتم تداول المقاطع المصورة بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي وانقسم المعلقون بين من يحن لتلك الأيام وبين الذي يعتقد أن واقع ليبيا اليوم ما هو إلا نتيجة لحكمه.

ثم قابلت ياسر الأمين الذي عاش في ليبيا سنوات طويلة وأسرته قبل أن يصل إلى أوروبا وسألته عن حقيقة الحياة هناك خاصة وأنه عاش في فترة القذافي وكذلك بعد الثورة قال: كان القذافي محبوباً رغم كل ما يشاع عنه، لا مكان للحرية في ذلك البلد، البطالة لا وجود لها وفرص العمل متوفرة حتى للأجانب، البلاد آمنة وأسعار السلع الغذائية كانت مضبوطة  وكذلك الملابس، بعد سقوطه البلاد لم تعد آمنة، وتقاسمت المليشيات السلطة والثروة وانتشر الفساد وانهارت الحياة الاجتماعية والثقافية، لم يعد الناس يثقون في بعضهم البعض.

الحرية لا ثمن لها مهما كانت التضحيات، لكن هل كان ربيعاً فعلاً؟ هل حياة الناس في ليبيا اليوم أفضل ؟ كذلك اليمن ، العراق أو تونس ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى