هل يعود حمدوك رئيسا لوزراء السودان؟ (تحليل)
شهران ونصف مضت منذ استقال عبد الله حمدوك، من منصبه رئيسا لوزراء السودان، لم يظهر خلالها إعلاميا، وصارت أخباره غائبة.
الخرطوم – صقر الجديان
ـ المحلل السياسي يوسف حمد: من الراجح أن يتولى حمدوك رئاسة الوزارة مرة أخرى
ـ مصدر مقرب من رئيس الوزراء السابق: حمدوك لن يكرر تجربة يعرف أنها لن تنجح
شهران ونصف مضت منذ استقال عبد الله حمدوك، من منصبه رئيسا لوزراء السودان، لم يظهر خلالها إعلاميا، وصارت أخباره غائبة.
لكن الحديث عن الرجل عاد مجددا، وفق ما تناقلته وسائل إعلام محلية عن عودة مرتقبة لمنصب رئيس الوزراء في إطار تسوية سياسية للخروج بالبلاد من أزمتها المستمرة منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتزامنت أنباء العودة مع زيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، إلى الإمارات، والتي يقيم فيها حمدوك عقب استقالته في 2 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وزار البرهان، الإمارات في 10 مارس/ آذار الجاري، لأربعة أيام، أجرى فيها عددا من اللقاءات مع مسؤولي البلد الخليجي.
واللافت في الأمر أن الحديث عن عودة حمدوك، لم يتم التصريح به رسميا من السلطات، أو حتى الجهات المبادرة بحل الأزمة.
لكنها ظهرت بشكل واضح في تصريحات وبيانات لقوى الثورة التي تقود الاحتجاجات، والتي قطعت بعدم قبولها لعودة حمدوك، باعتباره أحد أطراف الأزمة الحالية، بعد توقيعه اتفاقا سياسيا.
ومنذ 25 أكتوبر الماضي، تشهد البلاد احتجاجات تطالب بـ”حكم مدني ديمقراطي كامل”.
ويرفض المحتجون إجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية وشعبية “انقلابا عسكريا”، في مقابل نفي الجيش ذلك.
وفي 21 أغسطس/ آب 2019، بدأت بالسودان مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام عام 2020.
** لقاء ونفي
مع تزايد الأنباء عن عودة حمدوك، نفت عقيلته “منى عبد الله”، في 13 مارس، الحديث عن مفاوضات تجري معه لعودته لمنصب رئيس الوزراء مجددا، أو توليه منصبا سياديا، في رسالة منسوبة لها تناقلتها عدة وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة “السوداني” (خاصة).
وقالت زوجة حمدوك، إن “ذلك محض شائعات سمع بها حمدوك مثله مثلكم، ولا يدري مصدرها، ولماذا في هذا الوقت بالذات”.
إلا أنها أكدت خبر لقاء حمدوك بالبرهان في الإمارات، وأوضحت أنه “لم يتطرّق للحديث عن العودة أو اتفاقية وخلافها”.
وعلى ذات نسق النفي، أعلنت “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان” (يونيتامس)، في 14 مارس، أنها لا تتدخل في عملية اختيار رئيس وزراء للبلاد، باعتبار أنها “شأن سوداني بحت”.
وأفادت البعثة الأممية، في بيان، “لسنا هنا لفرض أي حل على السودانيين والسودانيات، ولكن لتسهيل الوصول إلى حل”.
وأضافت “الحل يجب أن يكون سودانيا، وهناك كثير من الإشاعات تحيط بالعملية، وآخرها أننا قمنا باختيار رئيس وزراء للسودان”.
ونفت البعثة صحة ما يتردد، وقالت “لسنا بصدد ذلك، ولا نملك حتى أي اقتراح بهذا الخصوص، اختيار رئيس أو رئيسة وزراء هو شأن سوداني بحت”.
ومنذ 10 فبراير/ شباط الماضي، تجري البعثة مشاورات مع الأطراف السودانية بحثا عن حل للأزمة السياسية الراهنة في البلاد.
** رفض ثوري
تبقى عودة حمدوك، لرئاسة الوزراء مرهونة بالأساس على اتفاق مع المكون العسكري، وبحسب مراقبين تبرز أول عقبة تواجه مخطط إعادته للمنصب، قوى الثورة التي تقود الاحتجاجات، والتي ترفع شعارات “لا تفاوض، ولا شراكة، ولا مساواة”.
وبمجرد ظهور اسم حمدوك لتولي رئاسة الوزراء مجددا، بادرت قوى ثورية إلى إعلان رفضها لهذه الخطوة باعتبارها إعادة تجربة أثبتت فشلها في تحقيق أهداف الثورة.
وفي 9 مارس الجاري، أصدرت 9 من تنسيقيات لجان مقاومة للمدن، و22 لجنة مقاومة الأحياء، بيانا مشتركا، أعلنت فيه رفضها لعودة حمدوك لرئاسة الوزراء، باعتبار أنها خطوة تجسد فشل الطبقة السياسية في تحقيق أي تطور للدولة.
وأضافت: “ليس من الصواب أو الحكمة تكرار الأخطاء، إن تسمية رئيس الوزراء من أي جهة كانت اختطاف لسلطة الشعب، وتكريس لنشوء حاضنة سياسية جديدة، ونخبة جديدة تهيمن على السلطة”.
وعاد حمدوك إلى منصبه في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عقب “إقامة جبرية” فرضها عليه الجيش إثر عزله في 25 أكتوبر.
وتولى حمدوك، رئاسة الوزراء لأول مرة، في أغسطس/ آب 2019، عقب توقيع الوثيقة الدستورية بين الجيش وقوى مدنية لإدارة الفترة الانتقالية التي تنتهي مطلع 2024.
** أسباب الرجوع
يدفع العديد من المؤيدين لعودة حمدوك بما يعتبرونها أسبابا تجعله الرجل المناسب لقيادة المتبقي من الفترة الانتقالية، كونه يحظى بقبول خارجي وداخلي كبيرين، قد لا يتوفر لأي شخصية أخرى في الساحة السياسية.
ويدعم المؤيدون لحمدوك، رأيهم بأنه خلال عامين من فترة الانتقال الأولى حقق عدة مكاسب على رأسها إعادة البلاد إلى المجتمع الدولي، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ أكثر من 20 عاما.
كما أن حكومته توصلت إلى تفاهمات مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمانحين بشأن ديون البلاد الخارجية، وشهدت الشهور الأخيرة من فترته استقرارا وثباتا لسعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار.
ويضاف إلى ذلك الأمل في أن يصبح حمدوك منقذا من التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ إجراءات البرهان في 25 أكتوبر.
وتشهد البلاد ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الخبز والوقود، مؤخرا، عقب إجراءات اتخذتها الحكومة، في 7 مارس الجاري بتحرير كامل لسعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار.
حيث وصل سعر العملة المحلية في البنوك إلى 600 جنيه لكل دولار، مقابل 445 جنيها قبل هذه الإجراءات.
** احتمالات
وبالنظر إلى حالة عدم الاستقرار المستمر للأوضاع السياسية والتدهور الاقتصادي، يبدو أن أي خطوة متوقعة بما فيها عودة رئيس الوزراء السابق لمنصبه.
ويقول مصدر مقرب من رئيس الوزراء السابق، للأناضول، “لا أتوقع أن يقبل حمدوك بمقترح يعيده للمنصب في ظل الوضع الراهن”.
ويضيف ذات المصدر، مفضلا حجب هويته، “حمدوك، يمتلك معرفة وأدوات تجعله لن يكرر تجربة يعرف أنها لن تنجح، في ظل الراهن السياسي الحالي”.
إلا أن المحلل السياسي يوسف حمد، يرى أن عودة حمدوك لمنصبه “راجحة”.
ويشير حمد، في حديث مع الأناضول، إلى أن “الرجل لا مانع لديه من العمل مع العسكر الموجودين في السلطة الانتقالية، رغم فشل محاولته الأولى عقب توقيعه اتفاق 21 نوفمبر الماضي، مع قائد الجيش”.
ويضيف “من الراجح أن يتولى حمدوك رئاسة الوزارة مرة أخرى في ظل التحركات الإقليمية والدولية الداعمة لعودته”.
ويلفت حمد، إلى أن “ما يعزز هذه الخطوة حالات انشقاق قوى سياسية (عن قوى الحرية والتغيير)، وبالتأكيد يمكنه أن يستفيد من ذلك، ويخلق له أرضية تجعله مقبولا لدى البعض، معتمدا على التسويق الإقليمي والدولي لشخصه”.