إلغاء الطوارئ في السودان يختبر جدية المعارضة في حل الأزمة السياسية
المكون العسكري يستبق احتجاجات ذكرى فض الاعتصام لتهدئة المجتمع الدولي.
الخرطوم – صقر الجديان
يختبر قرار رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين جدية المعارضة السودانية في حل الأزمة السياسية بعد أن استجاب المكون العسكري لأهم مطالبها الرئيسية. وبانتظار الخرطوم طريق معقد للتوصل إلى اتفاق سياسي ينهي أزمة مستمرة منذ أكتوبر الماضي.
ألقى مجلس السيادة الانتقالي في السودان بمسؤولية حل الأزمة السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيغاد، على القوى المعارضة، واستجاب لمطالب دعته إلى إلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين لبناء الثقة مع الأحزاب والتيارات الفاعلة في الشارع.
وأصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان الأحد مرسوما برفع حالة الطوارئ لتهيئة المناخ لحوار وطني لإنهاء الأزمة السياسية الراهنة.
وأعلن محامون في الخرطوم الاثنين إطلاق السلطات السودانية سراح العشرات من المعتقلين في سجون مختلفة بالبلاد، استجابة لتوصيات أصدرها مجلس الدفاع والأمن القومي الذي يتشكل من قيادات تابعة للمكون العسكري.
وجاءت الخطوة بعد تصاعد وتيرة الضغوط التي مارستها الآلية الثلاثية على مجلس السيادة بشأن اتخاذ خطوات جادة لتهيئة نجاح العملية السياسية.
الواثق البرير: القرار خطوة رئيسية لتفكيك إشكاليات الأزمة المعقدة
وبدا أن الحوار الذي عقدته الآلية مع قيادات مجلس السيادة الخميس الماضي واللغة الحاسمة التي استخدمها عقب مقتل متظاهرين في مواكب نظمتها تيارات معارضة السبت، من العوامل التي أدت إلى اتخاذ قرار رفع الطوارئ والإفراج عن المعتقلين.
وتخشى دوائر عسكرية أن يأتي التشبث بمواقف تشكل إجماعا بين القوى المدنية الفاعلة والأطراف الدولية الداعمة للحوار بنتائج عكسية تضع السلطة أمام صعوبات جديدة تواجهها على جبهات داخلية مختلفة.
وفي تلك الحالة قد تكون السلطة عرضة لانقلاب داخلي، وتفقد أدوات مناورة كان يمكن استخدامها للحفاظ على قدر من المكتسبات التي تحققت الفترة الماضية.
وضرب المكون العسكري عدة عصافير بحجر واحد بقراره الأخير، حيث استبق احتجاجات حاشدة الجمعة المقبل، تزامنا مع الذكرى الثالثة لفض اعتصام مجزرة القيادة العامة، واستهدف التهدئة في ظل استنفار واسع داخل قوى سياسية عديدة.
ويدفع القرار تحالف قوى الحرية والتغيير لتبديل مواقفه ليصبح أكثر ليونة وصراحة في مسألة قبول الحوار من عدمه، لأن رؤيته التي تقدمت بها للآلية الثلاثية للمشاركة في العملية السياسية تصدر مطالبها إلغاء حالة الطوارئ وإتاحة الحريات العامة والإفراج عن المعتقلين وتحسين الأوضاع الاقتصادية كمقدمة مناسبة للقبول بالحوار.
وجاء قرار مجلس السيادة بعد سبعة أشهر من الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وهي فترة شهدت ردات فعل سياسية وحقوقية، وألقت السلطات الأمنية القبض على متظاهرين ومحسوبين على قوى سياسية معارضة.
وقال الحقوقي ورئيس لجنة التحقيق في قضية فض الاعتصام أمام القيادة العامة نبيل أديب إن استخدام الطوارئ ضد المتظاهرين أمر تعارض مع الوثيقة الدستورية التي تتضمن مواد “وثيقة الحقوق” التي لم يجمد مجلس السيادة العمل بها منذ قراراته في أكتوبر الماضي، وأن إيقاف المحاكمات التي تجري وفقا لقانون الطوارئ السبيل لاستكشاف نوايا مجلس السيادة في ظل حالة التوجس التي تسيطر على قوى عديدة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه على القوى المدنية الإسراع في خطواتها نحو سد الفجوات البينية، لأن الأنظار ستتجه إليها الفترة المقبلة وستكون أمام اختبار مدى قدرتها على السير نحو التوافق من عدمه بعد أن أظهر المكون العسكري استجابة أولية للتنازل من أجل نجاح الحوار.
المكون العسكري ضرب عدة عصافير بحجر واحد بقراره الأخير، حيث استبق احتجاجات حاشدة الجمعة المقبل، واستهدف التهدئة في ظل استنفار واسع داخل قوى سياسية عديدة
وأضحت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) التي تبنت أطرافها مواقف متباينة من المشاركة في العملية السياسية، في وضعية أفضل بعد الاستجابة لجزء من مطالبها وهو أمر تسعى له الآلية الثلاثية التي تبحث عن توافق عام حول الحوار يشمل القطاع الأكبر من الأحزاب الفاعلة وإن لم يكن ذلك بمشاركة كافة القوى والتيارات المعارضة لضمان الوصول إلى صيغة تُفضي إلى إنهاء حالة الجمود الحالية.
ولدى دوائر سودانية عدة قناعة بأن هناك أطرافا ستظل معارضة للحوار وتصر على اللاءات التي رفعتها منذ الانقلاب على السلطة المدنية (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية)، غير أنها ستقبع في موقف المعارضة، إذا توافقت قوى الحرية والتغيير على قرار واحد بشأن المشاركة في الحوار.
ومن المتوقع أن تكون المواكب المركزية التي قررت تنسيقيات لجان المقاومة وعدد من الأحزاب تنظيمها الاثنين، ومظاهرات الثالث من يونيو اختبارا للقوى المدنية للتأكد من جدية المكون العسكري قبل تحديد موقف نهائي من المشاركة في العملية السياسية من عدمه، على أن تحاول لملمة صفوفها للتوافق حول رؤية متماسكة خلال الحوارات غير المباشرة التي ستتواصل خلال الأيام المقبلة.
وأوضح الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير أن حزبه سيعلن موقفه من القرارات الأخيرة بعد اجتماع داخلي يعقده، وهناك آمال تعقدها القوى السياسية لتكون القرارات الأخيرة خطوة لإجراء حوار يسهم في تفكيك إشكاليات الأزمة المعقدة.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن القوى السياسية تنتظر نتائج القرارات على أرض الواقع، مع وجود مخاوف من أن تكون كغيرها من القرارات التي صدرت دون أن تُغير من الأوضاع في البلاد قائلا “نأمل أن تُستكمل بالارتداد عن الإفراجات المتتالية لعناصر تنظيم الإخوان التي سمحت بعودة رموز النظام السابق للهيمنة على مفاصل الدولة التي تشكل عائقا رئيسيا أمام مسار التحول الديمقراطي”.
وتعول بعض القوى السياسية على دخول المزيد من الأطراف الإقليمية ودول الجوار كضامنين وميسرين وداعمين لحوار سوداني – سوداني ارتكانا على التجربة السابقة التي واجهت مشكلات عدة في حين أن الوضع الحالي يشير إلى قضايا شائكة أكثر تعقيدا من ذي قبل دون أن يترتب على ذلك اللجوء مرة أخرى إلى العنف.
وأشار عضو تحالف الحرية والتغيير بشرى الصائم إلى أن الشارع السوداني لديه رؤى متباينة من القرارات الأخيرة، وثمة قطاع يعتبرها خطوة نحو الحل السليم وتهيئة المناخ المناسب للحوار، ويرى آخرون أن ما ذهب إليه مجلس السيادة نتيجة ضغوط مارسها الشارع وتضحيات المتظاهرين يشكل في أحد جوانبه فشلا لانقلاب أكتوبر.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المكون العسكري لجأ إلى تلك القرارات بعد أن فشل في حل الأزمات الخانقة التي تحاصره على مستوى تزايد ضغوط المجتمع الدولي أو استمرار صحوة الشارع وتضاعف معاناة الغلاء التي أثرت على مواقف الكتل الصامتة، فضلا عن الانفلات الأمني والصراعات المسلحة في الهامش، ما أدى إلى تراجع عوامل الاستقرار في الحكم وبدا مطلوبا تقديم تنازلات لإنهاء الوضعية القائمة.
ومنذ الثامن من يناير الماضي أطلقت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال عملية سياسية للخروج من الأزمة السياسية، تشمل الأحزاب والمجتمع المدني والحركات المسلحة والجماعات النسائية ولجان المقاومة التي تتظاهر في الشوارع قبل أن تتوسع لتضم الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد وتعلن بدء حوارات غير مباشرة بين الأطراف المختلفة منذ الثاني عشر من مايو الجاري دون أن تتجاوب معها كافة القوى الفاعلة.
إقرأ المزيد