العنف ينذر بإفشال اتفاق السلام الهش في السودان
مخاوف داخلية ودولية من التوظيف السياسي للاقتتال القبلي.
الخرطوم – صقر الجديان
باتت المخاوف من التوظيف السياسي للاقتتال القبلي في السودان تهدد تماسك اتفاق السلام الهش. ويحذر محللون من المزيد من اتساع رقعة العنف في البلد الذي يعاني من عدم استقرار سياسي وتداعياته على المنطقة وعملية التحول الديمقراطي.
يزداد حجم التوتر في جنوب دولة السودان ليهدد السلم الأهلي ليس في هذه المنطقة فحسب، بل في ربوع البلد الذي يبحث أساسا عن مخرج من نفق الاضطرابات والمظاهرات المستمرة منذ عدة أشهر.
وبدأ نزاع بين قبيلتي الهوسا والبرتا بسبب مقتل مزارع في ولاية النيل الأزرق الخميس الماضي وأودى بحياة العشرات، امتدت تداعياته كالنار في الهشيم لتشهد عدة محليات بالإقليم هجمات عنيفة مع رفض عدة قبائل منح الهوسا إدارة أهلية باعتبارها ليست من أصحاب الأرض، بينما تعالت الأصوات المنادية بترحيلها من الولاية. كما نُفذت ضد المنتمين إلى الهوسا حملات انتقامية في الأحياء والشوارع.
واتسع نطاق الاضطرابات ليشمل ولايات أخرى في شرق السودان من بينها كسلا والقضارف، ما سبب مخاوف من أن تعصف أعمال العنف في جنوب السودان بالوضع في البلاد وتؤدي إلى إفشال اتفاق السلام “الهش” قبل الانتخابات التي يأمل المجتمع الدولي أن تجرى العام المقبل.
وجدي صالح: الانقلاب يحاول مقايضة الاستقرار بالتحول الديمقراطي
وتعتبر الهوسا واحدة من أهم قبائل أفريقيا ويقدر عدد المنتمين إليها بعشرات الملايين ويعيش أفرادها في مناطق تمتد من السنغال إلى السودان.
وتضع تقديرات عدد أفراد تلك القبيلة في السودان عند نحو ثلاثة ملايين شخص وهم مسلمون يتحدثون لغة الهوسا التي تنتشر في غرب القارة ويتركزون بشكل رئيسي في إقليم دارفور وولايات كسلا والقضارف وسنار والنيل الأزرق على الحدود مع إثيوبيا وإريتريا.
ويحذر محللون من تفاقم حالة الاحتقان والمواجهات في ظل التوترات وعدم الاستقرار السياسي الذي يشهده السودان ومحاولة البعض استغلال هذه الأحداث وتوظيفها سياسيا.
وحمل تحالف الحرية والتغيير السلطة الحاكمة مسؤولية التطورات العنيفة التي تشهدها ولايات عدة وأعلن عن إرسال وفد إلى النيل الأزرق للوقوف على الأحداث على الأرض والتضامن مع الضحايا.
كما اتهم المتحدث باسم التحالف وجدي صالح عناصر النظام الذي عزل عام 2019 بتأجيج أحداث النيل الأزرق من خلال فرض “سياسات الانحراف عن شعارات الثورة”.
وقال صالح إن “أحداث النيل الأزرق من منتوجات الانقلاب، التي تقف خلفها عناصر النظام البائد بفرض سياسات يحاولون من خلالها الانحراف عن شعارات الثورة ومقايضة الاستقرار مقابل التخلي عن التحول المدني الديمقراطي”.
واعتبر بيان للحرية والتغيير أن “قوات الشرطة وغيرها من القوات النظامية تواصل فقدان هيبتها وثقتها لدى المواطنين في كافة ربوع البلاد”، متحدثا عن غياب تام عن مناطق الأحداث، و”مماطلة” في الاستجابة لنداءات المواطنين للتحرك المسبق لحفظ الأمن.
كما شجبت الجبهة الثورية أحداث العنف والاقتتال الأهلي في النيل الأزرق وطالبت القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الولاية بتفعيل وسائل التوعية بين المواطنين لتفويت الفرصة على من أسمتهم بـ”أصحاب الغرض والمتربصين بالسلام”.
وبدوره حمل الحزب الشيوعي سلطات إقليم النيل الأزرق “المسؤولية كاملة في تراخيها عن حماية المواطنين والتغافل عن بوادر الأزمة التي امتدت لأكثر من شهرين وعمليات التحشيد القبلي التي تمت والتسليح الذي ساهم في إشعال الفتنة”.
ودعا في بيان إلى تكوين لجنة قانونية للنظر في أصل الصراع الدائر الآن وتحديد من قام بعملية التسليح ومصادر السلاح.
وعقد ائتلاف الحرية والتغيير اجتماعا طارئا الثلاثاء على مستوى المكتب التنفيذي ناقش خلاله الأحداث التي وقعت في النيل الأزرق وما رافقها من تطورات امتدت إلى ولايات أخرى، مشيرا إلى التواصل مع كافة مكونات الولاية لوضع حد للاقتتال.
كما أعلن الاتجاه إلى دعوة مكونات الشعب السوداني “السياسية والأهلية والدينية والثقافية لتكوين أوسع جبهة للتصدي لمخططات تفتيت البلاد وإثارة خطاب الكراهية بين مكوناتها”، وتحدث البيان عن “تسيير مواكب السودان الوطن الواحد في العاصمة الخرطوم والولايات والتنسيق لإنجاحها مع كافة القوى الثورية والشعبية الأخرى الأحد المقبل”.
وأشار الائتلاف إلى ضرورة “وحدة قوى الثورة في معركتها مع السلطة الانقلابية”، كاشفا عن نيته طرح مشروع إعلان دستوري “يشكل أساسا لإقامة السلطة المدنية الديمقراطية التي تمثل أوسع قطاعات من الشعب، كطريق لوقف نزيف الدم والخلاص من الانقلاب”.
3
ملايين شخص بقبائل الهوسا وهم مسلمون ويتركزون بشكل رئيسي في إقليم دارفور وولايات كسلا والقضارف وسنار والنيل الأزرق
ودفعت السلطات السودانية بتعزيزات من الجيش وقوات التدخل السريع في محاولة لإرساء الاستقرار في الولايات التي تشهد الاضطرابات، وفرضت حظرا على التجول الليلي وعلى التجمعات في عدة محليات منها الروصيرص والدمازين، محذرة من أنها ستضرب بيد من حديد كل “مثيري الفتن والخارجين عن القانون”.
وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها حيال أعمال العنف القبلية، ودعا رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس في تغريدة على تويتر “الأطراف والمجتمعات المحلية إلى ضبط النفس والامتناع عن الأعمال الانتقامية والعمل مع الإدارة الأهلية وسلطات الإقليم لاتخاذ خطوات ملموسة نحو التعايش السلمي”.
ووصف بيرتس الخسائر في الأرواح في منطقة النيل الأزرق بأنها “أمر محزن ومقلق للغاية”.
ويؤكد وقوع المئات من الضحايا السودانيين أن الأزمة المتفاقمة التي تنشغل بها القوى المدنية في صراعها مع المكون العسكري على السلطة في الخرطوم، وتسيير المظاهرات، يمكن أن تصبح هامشية، فما يجري في غرب البلاد وشرقها وجنوبها ينذر بأن السودان يعيش على بركان من الأزمات السياسية والاجتماعية والصراعات المسلحة.
ويخشى متابعون من انفلات الأوضاع في الجنوب، فقبضة السلطة غائبة، والسلاح زاد انتشاره في أيدي القبائل المختلفة، والقوى المدنية مصرة على حصر تركيزها في الخرطوم والنيل من المؤسسة العسكرية دون اعتبار للمخاطر التي تحيط بالأقاليم.
ويضيف المتابعون أن شبح الصراع لم يعد مقتصرا على شكل العلاقة بين المركز والأطراف بالمعنى التقليدي، حيث تحاول القوى الفاعلة في كليهما التعاطي مع المشكلات بالطريقة الجهوية التي تحقق أهدافها وعدم الانتباه لما يمكن أن تقود إليه من تهديدات لوحدة الدولة، فالعنف والاشتباكات والنزاعات تتصاعد بشكل يمكن أن يمنع السيطرة عليها.
إقرأ المزيد