صحافيو السودان يقتنصون انتصارا ديمقراطيا وسط أزمة سياسية معقدة
الاهتمام بانتخابات النقابة في الداخل والخارج أحدث حراكا وصلت أصداؤه للسلطة.
الخرطوم – صقر الجديان
للمرة الأولى منذ 33 عاما، استطاع صحافيو السودان أن ينتخبوا نقيبا يمثلهم ويعبّر عن آرائهم بحرية في انتخابات ديمقراطية، وصفها نشطاء بأنها خطوة مهمة نحو إعادة ترسيخ الحريات وتمثل إلهاما لكيانات ونقابات مهنية أخرى راقبت وساندت الصحافيين لنجاح انتخاباتهم.
حرّكت انتخابات نقابة الصحافيين السودانيين مياه التحول الديمقراطي الراكد، ما جعل الاقتراع الذي جرى على مستوى النقابة لأول مرة منذ حوالي ثلاثة عقود يأخذ أبعادا سياسية تفوق تأثيراته على المستوى المهني، حيث منح الأمل لمجتمع تابع العملية الانتخابية بكثافة لتجاوز الأزمة السياسية المعقدة.
وأعلنت اللجنة المشرفة على انتخابات نقابة الصحافيين السودانيين مساء السبت عن فوز مرشح قائمة “الوحدة الصحافية” عبدالمنعم أبوإدريس بمنصب نقيب الصحافيين، بإجمالي 205 أصوات من جملة 659 ناخبا هو العدد الكلي لمن حضروا الانتخابات بنسبة تصل إلى 60 في المئة، حيث يبلغ عدد أعضاء النقابة نحو ألف عضو، وتستمر عملية فرز الأصوات لانتخاب أعضاء مجلس النقابة المكون من 39 شخصا.
وواجه الصحافيون صعوبات عدة للوصول إلى مرحلة الاقتراع واصطدموا بالتشكيك في مشروعيتها من جانب اتحاد الصحافيين الذي تعرض للحل وسط خلافات أسهمت في تأخير خطوة مهمة بدأ الترتيب لها منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
محمد عبدالعزيز: النقابات في السودان تمثل حجر زاوية في بناء دولة مدنية
وتعد هذه أول انتخابات للنقابة التي تعرضت للحل عقب انقلاب البشير على السلطة في الثلاثين من يونيو عام 1989، ومنذ ذلك الحين أضحى هناك “اتحاد للصحافيين السودانيين” سيطر عليه النظام بتسكين عناصر حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
وشهد الوسط الصحافي السوداني انقساما حادا بين عدد من الأجسام الصحافية قبل أن تتوافق ثلاثة أجسام فاعلة على ضرورة المضي قدما لتحصين مسار تدشين النقابة وشهدت الفترة الماضية جمعيات عمومية شارك فيها صحافيون بكثافة كبيرة وانتخبوا لجنة لتنقية الكشوف والتجهيز للانتخابات إلى أن تحقق هدفهم.
وأحدث نجاح الانتخابات والمشاركة الفاعلة فيها وما حظيت به من اهتمام في الداخل والخارج حالة من الحراك على مستوى المجتمع المدني قد تصل أصداؤه إلى هياكل السلطة العليا، لأن النقابة من الكيانات التي خضعت للنظام السابق لسنوات طويلة ولم يكن الطريق ممهدا أمامها للوصول إلى المرحلة الحالية التي بدت فيها ككيان مستقل سيكون له تأثير في المستقبل لجهة التفاعل المجتمعي مع الأوضاع السياسية في البلاد.
وعبرت القوائم الثلاث التي شاركت في الانتخابات عن التباينات السياسية بين القوى المختلف، إذ أن “شبكة الصحافيين السودانيين” لديها خلفية قريبة من الحزب الشيوعي والقوى اليسارية، فيما يجمع “التحالف المهني للصحافيين السودانيين” أطيافا من اليمين واليسار، وضمت مجموعة “الوحدة الصحافية” التي فاز عنها عبدالمنعم أبوإدريس بمقعد النقيب تيارات من الوسط والمهتمين بالتحول الديمقراطي، إلى جانب البعض من المحسوبين على الحركة الإسلامية.
وقال المرشح على رأس قائمة الوحدة الصحافية بالانتخابات محمد عبدالعزيز، إن الانتخابات شهدت تنافسا ديمقراطيا في أجواء إيجابية والجميع توحد لإعلاء المهنة والارتقاء بها بعيدا عن أي خلافات أخرى، والرابح الأكبر منها الجماعة الصحافية في المقام الأول والحراك النقابي الديمقراطي، لأن الانتخابات سوف تصبح ملهمة لكيانات ونقابات مهنية راقبت وساندت الصحافيين لنجاح الاقتراع.
7
مرشحين تنافسوا على مقعد النقيب من ثلاث قوائم بالإضافة إلى عدد من المستقلين، بينهم سيدتان
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن النقابات في السودان تمثل حجر زاوية في بناء دولة مدنية غير قابلة للارتداد، لأنها تشكل الوحدات الأولية لصناعة يتم من خلالها المشاركة في القرار السياسي بشكل غير مباشر، وهناك رغبة لتجاوز سلبيات تجربة الحكم السابق عبر الاتجاه نحو تكوين كيانات تكون نواة لعملية بناء الدولة المدنية.
ويضع سودانيون النقابة الوليدة تحت المهجر لمراقبة مدى قدرتها على تجاوز التحديات التي تجابهها، لأنها قد توضع في تحدٍّ مواجهة السلطة الحاكمة في الوقت الحالي التي حاولت إفساد الانتخابات بحديث دوائر قريبة منها عن عدم مشروعيتها.
وأوضح عبدالعزيز لـ”العرب” أن أولى التحديات تتعلق بعدم وجود مقر للنقابة الجديدة وعلى السلطة توفير مقر لها أو إرغام اتحاد الصحافيين المحلول تسليم مقره للمجلس المنتخب الجديد، وأن الصحافيين ينتظرون كيف ستتعامل السلطة مع النقابة، وهل ستتجه إلى التعاون أم تقف حائلا أمام نجاح التجربة الوليدة؟
ويخشى متابعون من أن تواجه النقابة أزمات كيانات مهنية أخرى تأثرت سلباً بالخلافات السياسية داخلها في ظل توقعات بأن يتشكل مجلس النقابة من قوائم وتيارات سياسية مختلفة، بجانب مدى تسليم السلطة الحاكمة بمشروعية النقابة من عدمه.
شيرين أبوبكر: النقابة عليها آمال كبيرة للمساهمة في تهيئة بيئة العمل المناسب
ودعا نقيب الصحافيين المنتخب عبدالمنعم أبوإدريس، وهو مراسل وكالة الأبناء الفرنسية في الخرطوم، المؤسسات الدولية والإقليمية والنقابات النظيرة على مستوى العالم، إلى “النظر لتجربة نقابة الصحافيين السودانيين التي تعبّر عنهم ومن ثم التعامل معها على أساس أنها الممثل الشرعي”، معتبرا أن تجربة الانتخابات تؤكد الرغبة الحقيقية للوصول إلى الديمقراطية ورسم الطريق نحو الانتخابات العامة في البلاد.
وتنافس على مقعد النقيب 7 مرشحين من ثلاث قوائم بالإضافة إلى عدد من المستقلين، بينهم سيدتان، بينما تنافس 110 من الصحافيين على عضوية مجلس النقابة.
وقالت المرشحة على منصب نقيب الصحافيين شيرين أبوبكر، إن الصحافيين يمرون بظروف استثنائية جراء صعوبة الأوضاع السياسية والمهنية، وعلى الرغم من ذلك فإن الأجيال المختلفة والآراء المتباينة تلاقت حول هدف واحد وهو نجاح الانتخابات ووضع أساس لكيان يستطيع احتواء العاملين في مجال الصحافة والدفاع عن حقوقهم.
وأكدت في تصريح لـ”العرب”، أن النقابة عليها آمال كبيرة للمساهمة في تهيئة بيئة العمل المناسب، باعتبار أن ذلك على رأس المطالب المتفق عليها، فضلا عن الارتقاء بمستويات الصحافيين على مستوى التدريب والتأهيل وزيادة الأجور، وهي مطالب لن تتحقق بسهولة، فمازالت الطريق طويلة وثمة تضحيات مطلوبة للحصول عليها.
وشددت على أن الانتخابات خطوة تمهيدية لوضع البرامج التي ستسير عليها لتحقيق أهداف الصحافيين، ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة ضم برامج القوائم المختلفة في خطة واحدة يتفق عليها الجميع لتحديد الأولويات، ومن المهم توافر إرادة للتوحّد وعدم تكرار ممارسات سابقة تمكنت من خلالها البعض من كسر شوكة الصحافيين.
وتعول كيانات نقابية في السودان على القاعدة الحالية من الصحافيين لخوض معارك تدافع عن استقلال مهنتهم بعد أن أثبتوا قدرتهم على تجاوز جملة من المشكلات التي تعرضوا لها طوال فترة حكم البشير، وأن الثمن الذي دفعوه في سبيل عدم الانصياع للنظام السابق يُشكل مقدمة مهمة لتدشين نقابة مستقلة.
إقرأ المزيد