تمدد الإضرابات يحاصر الانقلاب.. جدل المهني والسياسي
الخرطوم – صقر الجديان
شهد السودان، مؤخراً، العديد من الإضرابات شملت عدداً من المؤسسات الحكومية، وطالبت في معظمها بزيادة الأجور وتحسين بيئة العمل.
ولم تقتصر الإضرابات على القطاع الحكومي، حيث أضرب التجار في بعض أسواق سنار وسنجة وأبو دليق وسوق ليبيا احتجاجا على زيادة الضرائب.
لكن أشهر وأبرز الإضرابات كان للعاملين بقطاع الكهرباء الذين تمّت الاستحابة لمطالبهم بشأن هيكل الأجور.
وحالياً بدأت إضرابات أخرى مثل إضراب أطباء الامتياز وعمال النظافة ووزارة البنية التحتية بالخرطوم ووزارة الزراعة وعمال هيئة المياه.
وبحسب مصادر «التغيير» أن العديد من الهيئات والوزارات والمؤسسات الحكومية بصدد تنفيذ الإضراب للمطالبة بحقوقهم المادية، فيما توالت دعوات أخرى للإضراب بهدف إسقاط انقلاب 25 اكتوبر 2021م.
وساءت الأوضاع العامة في البلاد بعد انقلاب 25 اكتوبر الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على حكومة الفترة الانتقالية، وتدهور الاقتصاد تدهوراً مريعاً وضع معظم الشعب على حافة الفقر.
زعزعة الانقلاب
وتقول عضوة لجنة المعلمين السودانيين قمرية عمر لـ«التغيير»، إن معظم الإضرابات الحالية فعل ثوري، لكنها تشير إلى أن هنالك نوعين من الإضرابات.
وتضيف: «هنالك الإضراب السياسي والعصيان المدني وهذا يهدف لإسقاط وزعزعة الأنظمة العسكرية الانقلابية، وهذا في معظم الأحيان تكون وراءه أحزاب سياسية أو نقابات منتخبة».
وتابعت: «والثاني الإضراب المهني والذي يهدف لزيادة الأجور وتحسين بيئة العمل أو كل ما هو مرتبط بالرضا الوظيفي، وأحياناً كلها تساهم في زعزعة الأنظمة».
وترى قمرية أنه إذا نجح الإضراب في دفع الحكومة لتحقيق مطالب العمال فهذا يعتبر نجاح للمضربين ونجاحاً للرافضين لسياسات الحكومة، فبدلاً من انفاق الأموال هذه على قمع المتظاهرين وشراء «بمبان» مثلاً، الأفضل أن تذهب هذه الأموال للفصل الأول لمرتبات العاملين.
وتعتقد أن الإضراب المهني يمكن أن يؤدي ذات الغرض للإضراب السياسي عموماً.
آخر الحلول
لجنة أطباء الامتياز نفّذت إضراباً جزئي وشاملاً في «31» مستشفى بالبلاد للحالات الباردة، وهي تتحه لتمديد فترة الإضراب بعد تجاهل وزارة الصحة الاتحادية لمطالبها.
وبرّرت لجنة الأطباء اللجوء للإضراب بأنه آخر الحلول بعد أن فشلت جهودهم في استرجاع حقوق الأطباء المتمثّلة في المرتبات وتحسين بيئة العمل.
وأوضحت اللجنة في بيانات متتالية، أنها تقدمت أكثر من مرة بطلب للاجتماع بوزارة الصحة إلا أنها لم تلب طلبهم، ونوّهت إلى أنهم نظموا وقفات احتجاجية للمطالبة بصرف المرتبات ومتأخرات «8» أشهر.
لكن وزارة الصحة تجاهلت طلب الاجتماع، وتجاهلت الإضراب الذي نفذه الأطباء، مما دفعهم إلى التصعيد وتمديد الإضراب لثلاثة أيام أخرى.
وهي ذات المبرّرات التي دفعت فئات أخرى لانتهاج الإضراب للحصول على الحقوق وتحقيق أهداف تحسين بيئة العمل.
جدل القانون
ووصف الخبير النقابي، سكرتير نقابات عمال السودان الأسبق في حقبة الديمقراطية وأمين اتحاد العمال السابق حسن محمد علي، الإضرابات الحالية بأنها غير قانونية ولا يغطيها القانون الدولي للنقابات باعتبار أنها تجاوزت الإجراءات القانونية والمعايير المتبعة والتي تنص على المطالبة من قبل العمال لصاحب العمل ثم المحكمة ثم الإضراب.
وأوضح حسن لـ«التغيير»، أن الإضرابات موجودة في العمل النقابي وهي تهدف لأخذ حقوق العمال فقط وليس لها هدف سياسي آخر «لكن تم تغيير لهذا المفهوم بواسطة الحزب الشيوعي السوداني في حقبة السبعينيات والثمانينيات».
وأضاف: «حالياً استخدمت الإضرابات والاحتجاجات العمالية السياسية بكثافة خلال الفترة الانتقالية لإسقاط الحكومة».
واعتبر حسن محمد علي، أن بعض الإضرابات تشكّل جريمة كإضراب الأطباء الذي يمكن أن تنجم عنه وفيات وأضرار بالمرضى.
وشدد على أهمية إجازة قانون للعمل بواسطة اللجان الثلاثية «الحكومة والعمال وأصحاب العمل» بما يحدِّد المسؤوليات وينظم العمل والإضرابات بطريقة مهنية صحيحة في حالة الإخلال بالشروط.
حلول ومحاذير
وأمن الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي في حديثه لـ«التغيير»، على أن الإضراب حق مشروع لنيل الحقوق في ظل الأوضاع الحالية عقب ارتفاع معدلات التضخم وتراجع الجنيه السوداني وبالتالي تأثر قطاعات كبيرة من العاملين في الدولة بهذا الأمر.
وأشار فتحي إلى ضرورة تلافي سلبيات الإضراب بعدم تضرّر المواطنين خاصةً فيما يتعلق بالخدمات في مرافق الدولة.
وشدّد على أهمية وجود اجتماع ثلاثي يضم وزارة المالية والمجلس الاعلى للأجور ووزارة العمل بشأن زيادة الأجور، وقال: «كان نقول بحضور النقابات لكنها محلولة حالياً، لكن المهم إيجاد مخرجة للأزمة».
وأضاف: «في اعتقادي أن الحل الفردي لمجموعة محدّدة والاستجابة لمطالبها لن يحل المشكلة لجهة أن كافة العاملين بمؤسسات الدولة يعيشون معاناة كبيرة ستظهر إضرابات جديدة لذلك لابد من حل موحد بزيادة الأجور».
وحذر فتحي في الوقت ذاته من طباعة العملة لتغطية الفصل الأول المتمثّل في المرتبات لما له من آثار تضخمية يمكن أن تقلّل من جدوى زيادة الأجور.
إقرأ المزيد