دارفور.. من يقف وراء تجدد الصراع
الخرطوم – صقر الجديان
فجأة، تجدّد الصراع في محلية بليل بولاية جنوب دارفور- غربي البلاد، إثر أعمال عنف خلفت «11» قتيلاً وعشرات الجرحى، وسط اتهامات لـ«جهات» بالضلوع في الأحداث!!.
وكانت السلطات دفعت في وقتٍ سابق بتعزيزات مشتركة من الجيش، الشرطة، الدعم السريع، المخابرات العامة والحركات المسلحة إلى الإقليم للسيطرة على الأوضاع، لكنها لم تفلح في حفظ الأمن بدارفور.
ويؤكد مراقبون ضرورة فرض هيبة الدولة من خلال إجراءات عاجلة لسحب القوات المشتركة في الصراع وإبدالها بقوات مشتركة بقيادة القوات المسلحة وتنشيط محاكم العدالة الناجزة لكل من يرتكب جريمة، لإيقاف الصراع.
وقف العدائيات
ووقع طرفا النزاع بمنطقة بليل– الرزيقات والداجو- اتفاقاً لوقف العدائيات، تعهدا بموجبه بنشر ثقافة السلام ونبذ العنف والعنصرية.
وسبق أن وقعت قبائل بإقليم دارفور اتفاقيات صلح فيما بينها لوقف التصعيد، ولكن سرعان ما عادت الخلافات بينها مجدداً.
ودرجت السلطات على تكوين لجان للتحقيق في أحداث العنف المتكررة بدارفور منذ حقبة الحكومة المعزولة، من دون إعلان النتائج والتوصل إلى الجناة.
اتهامات متبادلة
أصابع الاتهام بشأن الصراع، وجهت من نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي، قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي»، لجهات- لم يسمها- بإدارة غرف لنسف الاستقرار بدارفور، كما اتهم معسكرات النازحين بإيواء المجرمين والأسلحة، مؤكداً تصديهم لكل من يريد أن «يفرتق البلد».
لكن نائب حاكم إقليم دارفور محمد عيسى عليو أطلق تصريحاً خطيراً الاسبوع الماضي، قال فيه إن الكشف عن المتورطين في أحداث دارفور يمكن أن يهدد أمن السودان كله.
فيما اعتبرت المنسيقية العامة للنازحين واللاجئين، تصريحات حميدتي بمدينتي نيالا وزالنجي مؤخراً، والتي وجه فيها اتهامات للمنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين، يعقوب محمد عبد الله «فوري»، بمثابة إعلان حرب.
بدروها، أكدت هيئة محامي دارفور وشركاؤها، رفضها لاتهامات حميدتي حول أحداث بليل، والتي تناول فيها اتهامات دامغة لمنسق عام معسكرات النازحين.
ودائماً ما تشير الاتهامات إلى تورط منسوبي الدعم السريع في الصراعات الأهلية بالإقليم، واستهداف النازحين.
أسباب تجدد الصراع
واعتبر الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين آدم رجال أن تجدّد انفجار العنف في دارفور سببه أن اللجنة الأمنية لنظام المخلوع البشير لا تريد الاستقرار في السودان عموماً وإقليم دارفور خصوصاً، باعتبار أن الاستقرار يجعل الكل ينادي بالحكم المدني الديمقراطي.
وقال لـ«التغيير»، إن العنف في دارفور لم يتوقف بل هنالك نوع من الاختفاء في فترة معينة ليعود بصورة أكثر دموية وبشاعة ضد المواطنين في الإقليم.
وأكد أن غياب العدالة أحد الأسباب التي تؤدى إلى استمرار القتل، واتهم جهات- لم يسمها- بدفع أموال لأسر الضحايا نيابة عمن يقوم بهذه الأفعال.
ولفت رجال إلى أن القوى المناهضة للانتقال الديمقراطي تعمل على زعزعة الاستقرار في كل السودان لإطالة فترة حكمها.
وطالب الشعب السوداني بضرورة التوحّد من أجل إسقاط الحكم العسكري وإقامة حكومة مدنية كاملة.
نمط جديد
من جانبه، قال رئيس هيئة محامي دارفور الصادق السندكالي، إن هنالك عدة أنواع من العنف منها العنف القبلي التقليدي المرتبط بالتنازع ما بين المزارع والرعي الكلي الناشئ عن المراحيل واستخدامات الأرض والمياه وهي من شاكلة العنف التقليدي في مثل مجتمعات دارفور.
وأضاف لـ«التغيير»: «لكن عنف النمط الجديد والذي ظهر مع الدولة وآلياتها باستخدام السلاح ضمن خطط الدولة لتحقيق أهدافها السياسية واستخدام رمزية القبائل وتوسعت دائرة العنف ونطاقه وساد ثقافة القبلية والتنازع القبلي على المكاسب السياسية والسلطوية والرغبة في الهيمنة واستثمار النفوذ».
وتابع: «هذا النوع والذي خرج عن سيطرة الدولة شكل مراكز قوى جديدة ولم يعد مقدوراً عليه وصار مهدداً للدولة والمجتمع بدارفور واستقرار البلاد».
ولفت السندكالي، إلى من أسباب تطور الصراعات المحلية التنافس على قيادة الدولة «وهنا يجب علينا ألّا نقحم الجيش فالواقع هو أن هنالك صراعاً بين عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد ممثلة في البرهان وحميدتي بعد أن آلت لهما إدارة البلاد وظلا يستخدمان كافة أدوات الصراع والتنافس فيما بينهما بما في ذلك الأدوات المحلية والنفوذ القبلي والجهوي».
وقال إن «ما يحدث في دارفور أحد انعكاسات التنافس بينهما كما وهنالك من يتحدث بأن محاولة الانقلاب في أفريقيا الوسطى بأطراف سودانية وهذا أيضاً لا يستبعد علاقته بطموحات أطراف الصراعات الداخلية».
مجرد واجهة
لكن الخبير العسكري المقدم «م» عمر أرباب، يقول إن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» يعتقد أن صراعه مع الجيش هو في الأصل صراع مع المؤتمر الوطني ومع الحركة الإسلامية وأن الجيش مجرد واجهة لهذا الصراع.. «لا أعتقد أن يقود هذا الصراع لمواجهات مباشرة بين الطرفين».
وأضاف لـ«التغيير»: «لكن بلا شك سيقود إلى سباق تسلح كما هو واضح من خلال العروض والحشود العسكرية والتي هي رسائل توجه للداخل أكثر من هي لعدو خارجي.. وخطورة الأمر أنها ستزيد من انتشار السلاح وستكون خصماً على الوضع الاقتصادي المأزوم أساساً».
ليس نزاعاً قبلياً
وذهب الخبير في شؤون دارفور عبد الله آدم خاطر، إلى أن الضمانة الأساسية لعدم استمرار حالة السيولة الأمنية في دارفور أن المواطنين بالإقليم امتلكوا الشعور بأن العنف والنزاع غير مجدٍّ ولا يأتي بنتائج، لذلك هم ضد العنف والانفلات الأمني.
وقال لـ«التغيير»، إن ما حدث أخيراً ليس نزاعاً قبلياً كما يسميه البعض، وإنما هي نهايات النزاعات المسلحة التي تنتهي بمشاكل اقتصادية مثلما حدث في جبل مون وكرينك.
ولفت إلى أن أحداث محلية بليل تعود إلى أن مجموعات من غرب أفريقيا يريدون تسكينهم في دارفور ليحصلوا على الأرض بالعنف وهذه ضد إرادة الوطن والمواطن.
ونبّه إلى أن القضية الأساسية في الوقت الراهن أن الدولة أو الحكومة هي التي يجب أن تقوم بالمبادرات الصحيحة، ولا مناص أن الحكومة الانتقالية المرتقبة يجب أن تعطي الفرصة الأولى لوضع السياسات المدنية لتتمكّن من حفظ حقوق المواطنين في الإطار المدني والسلام، ولتنفيذ الاتفاقات بشكل يحفظ أمن البلد ويساعد على التنمية والاستقرار.
عموماً، الاتهامات بإشعال الحريق في الإقليم لا تستثني أحداً بالنظر إلى الطريقة التي تتفجّر بها الصراعات من وقت إلى آخر، وغير مستبعد أن يكون أحد وجوه صراعات القيادات العسكرية أو الحركات الحاملة للسلاح وربما أطراف أخرى محلية أو إقليمية- كما يذهب بعض الخبراء- وتبقى الحقيقة أن المتضرّر الأول والأخير هو مواطن الإقليم الذي يعاني النزوح واللجوء وانعدام الأمن منذ العام 2003م.
إقرأ المزيد