السودان.. إضراب المعلمين يهدد الموسم الدراسي بالفشل
الخرطوم – صقر الجديان
دخل إضراب المعلمين في السودان شهره الثاني، بمطالب تتصدرها زيادة نسبة الإنفاق على التعليم، ورفع الحد الأدنى للأجور، فيما تسبب الإضراب بتوقف الموسم الدراسي، وسط توقعات بانهياره.
وقالت لجنة المعلمين السودانيين (كيان نقابي يقود الإضراب)، إن الأزمة ستستمر ولا حلول تلوح في الأفق، بسبب ما سمته “تعنت الدولة في الاستجابة للمطالب العادلة التي يرفعها المعلمون”.
ومع صمت السلطة الانتقالية تجاه حراك المعلمين، أعربت عائلات سودانية عن مخاوفها من ضياع مستقبل أبنائها في ظل موسم دراسي شارف على الانتهاء ولم يتلق فيه الطلاب أي دروس، في حين أبدى البعض تعاطفاً مع القضية، خصوصاً ما يرتبط بالأجور التي تحتاج لزيادة لتغطي تكاليف المعيشة.
وخصّص السودان نسبة 10.7% من ميزانية العام الجاري للتعليم، و14.7% للصحة لتصل جملة الإنفاق على القطاعين الخدميين إلى 25.4% من حجم الموازنة.
وبلغ إجمالي الإيرادات المتوقعة في الموازنة 7.363 تريليون جنيه (نحو 12.7 مليار دولار)، بينما بلغ إجمالي الإنفاق 8.196 تريليون جنيه (نحو 14.1 مليار دولار)، وهو ما يشير إلى ذهاب نحو 2.49 تريليون لقطاعي التعليم والصحة.
أبرز مطالب المعلمين السودانيين
ويطالب المعلمون في إضرابهم المستمر منذ ديسمبر الماضي، برفع نسبة الصرف في قطاع التعليم في الموازنة العامة للدولة إلى 20%، ورفع الحد الأدنى لأجور المعلمين من 12 ألف جنيه (20.5 دولار) إلى 69 ألف جنيه (118 دولاراً)، حتى يتوافق مع متطلبات المعيشة في ظل تراجع اقتصادي، وتضخم متصاعد.
وحدّد المعلمون الأجر المطلوب استناداً إلى دراسة تشير إلى تكلفة معيشة عائلة صغيرة من 5 أفراد، تصل إلى 570 ألف جنيه (975 دولاراً) في الشهر.
قال عضو لجنة المعلمين السودانيين معاوية عابدين وراق لـ”الشرق”، إن “الميزانية التي أجيزت قبل أيام كانت بمثابة دلالة سالبة من الدول، ليست لكونها تجاوزت مطلبنا برفع نسبة الصرف إلى 20%، بل تضمنت تنصلاً من وزارة المالية عن اتفاق توصلت إليه مع المعلمين خلال مشاورات رعاها مجلس السيادة يقضي بزيادة الصرف على التعليم إلى 14.8%، وصرف البديل النقدي وبدل اللبس وإرجاء النقاش بشأن زيادة الأجور”.
وأضاف: “ليست هناك حلول قريبة، وسوف نواصل الإضراب لحين الاستجابة لكل مطالبنا العادلة والمشروعة، والتي نعتقد أنها تقود لحل جذري لمشكلات التعليم والارتقاء الأكاديمي للطلاب، ولن نرضى بأي مسكنات في علاج الأزمة لأنها اثبت فشلها ولا تؤدي إلى استقرار العملية التعليمية”.
ونبّه وراق إلى مساعٍ جديدة يقودها مجلس السيادة لحل هذه الأزمة، وقال: “جلسنا مع عضو المجلس السيادي الفريق ياسر العطا، ولمسنا جديته وحرصه على حل الأزمة وعودة الدراسة، ولكن في تقديرنا أن أي جهود في سبيل الاستجابة لمطالبنا ستصطدم بتعنت وزارة المالية”.
وحث عضو لجنة المعلمين السودانيين، أولياء أمور الطلاب على ضرورة تفهم طبيعة الإضراب، وأنه لا يهدف إلى هدم وتعطيل مسيرة التعليم، وإنما لأجل إصلاح العملية التعليمية وتحسين مستويات الطلاب.
قلق أولياء الأمور في السودان
وأعرب محمد المبروك، أحد أولياء الأمور، عن شعوره بـ”الأسى شديد” في كل صباح عندما يرى أبناءه الأربعة أمام عينيه يجلسون في المنزل بعيداً عن قاعات الدراسة كما يجب، وهو ما يثير قلقه وخوفه المستمر على ضياع مستقبلهم العلمي.
وأضاف المبروك لـ”الشرق”: “لقد أنفقت كل ما لدي من أموال لتوفير احتياجات أبنائي مع بداية العام الدراسي وسدد الرسوم المطلوبة، ورغم ذلك يجلسون في المنزل لأكثر من شهرين بعد أن أغلقت المدارس أبوابها في وجوههم بسبب إضراب المعلمين”.
وتابع: “نعتقد أن المعلمين لديهم مطالب عادلة يجب الوفاء بها، فأجورهم ضعيفة ونحن نتضامن ونتعاطف معهم ولا نلومهم مطلقاً ونحن نحمل الدولة ضياع مستقبل أبناءنا”.
تأجيل الامتحانات
لجنة المعلمين السودانيين طالبت خلال مؤتمر صحافي في الخرطوم، الأحد، وزارة التربية والتعليم بتعديل التقويم الحالي، ورفع نهاية الموسم الدراسة (امتحانات الشهادة الثانوية) إلى شهر سبتمبر المقبل، بدلاً من مايو حتى يتمكنوا من تعويض فترة التوقف وإكمال المقررات الدراسية.
وحذرت من أن الاستمرار في التقويم الحالي ستكون نتيجته كارثية على التحصيل الأكاديمي للطلاب، مثلما حدث العام الماضي، عندما أصرت وزارة التربية والتعليم على تطبيق نفس التقويم رغم التوقف الطويل للدراسة.
“كف عفريت”
في المقابل يرى الخبير التربوي الهادي السيد عثمان، أن تعديل التقويم الدراسي يؤدي إلى “كوارث صحية على الطلاب لأن أي تمديد في مدة الدراسة يعني دخوله في فصل الصيف، ففي ظل تردي البيئة المدرسية المتمثلة في الاكتظاظ ونقص المقاعد الدراسية والكهرباء سيتعرض التلاميذ لخطر الإصابة بأمراض عديدة بينها السحائي”.
وقال عثمان لـ”الشرق” إن “التقويم الدراسي (الامتحانات) يتم تحديده بما يتناسب مع معطيات المناخ، وفي كل السنوات الماضية كانت السنة الدراسية تنتهي في مارس كحد أقصى لتفادي العمل في فصل الصيف وما فيه من مخاطر على الطلاب، فلا ينبغي اللجوء لأي تمديد حتى إذا اضطرت الوزارة إلى تجميده”.
وأعرب عن آسفه الشديد على “التعليم الذي صار في خطر ومستقبل الطلاب الذي يضيع لأنهم فقدوا فرصة الدراسة، وصاروا مهددين في الشوارع والأحياء السكنية بمخاطر المخدرات والخطف وشتى الجرائم”.
وتابع: “يجب على الدولة الاستجابة لمطالب المعلمين والذين اظهروا مرونة تجاه الحلول المطروحة، فالتعنت نتيجته كارثية، نحن نريد أن يعود الطلاب إلى قاعات الدراسة فهي أكثر أمناً لهم من المنازل”.