السودان: 3 نقاط خلاف بين العسكر والمدنيين رغم توقيع الاتفاق الإطاري
الخرطوم – صقر الجديان
تقترب أطراف الأزمة السياسية في السودان رويداً رويداً من التوصل لاتفاق نهائي يمهد لحكومة مدنية بعد نحو 29 شهراً من الانقلاب العسكري.
جاء ذلك في تصريح لهذه الأطراف، أمس الأربعاء، عقب اجتماع وصفته بـ”المفصلي”، ضم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورؤساء الأحزاب المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبحضور رعاة العملية السياسية ممثلين في سفراء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، والمسهلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد).
وقررت الأطراف مجتمعة، طبقاً لبيان لها، الدعوة لانعقاد آلية سياسية، تبدأ عملها بصورة عاجلة لصياغة مسودة الاتفاق السياسي النهائي، وكلفت لجنة تنسيقية مشتركة مع الآلية الثلاثية بصياغة جدول زمني للمهام المتبقية، والتي تشمل استكمال النقاش في القضايا المتبقية، وتحديد توقيت الاتفاق النهائي، وتشكيل هياكل السلطة المدنية الانتقالية التي تنشأ على أساسه.
وتعود نقطة بداية التسوية السياسية بين العسكرين والمدنيين لمنتصف العام الماضي، حينما أعلنت المؤسسة العسكرية رغبتها بعد 8 أشهر من انقلابها العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، في التخلي عن السلطة والانسحاب من المشهد وترك الحكم لحكومة مدنية تتفق عليها الأطراف المدنية.
وسرعان ما بدأ التواصل المباشر وغير المباشر ما بين العسكريين وقوى إعلان الحرية والتغيير، تحت رعاية اللجنة الرباعية وبتسيير من الآلية الثلاثية، وتوج ذلك بالتوقيع على اتفاق إطاري في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهو اتفاق مبدئي وضع أسساً للحل السياسي ونص على تشكيل حكومة مدنية تدير البلاد لمدة عامين تبدأ من لحظة تعيين رئيس الوزراء.
كما تضمن الاتفاق نقاطاً أخرى، أهمها دمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة، بحسب جدول زمني متفق عليه، وفقاً لعملية اصلاح أمني وعسكري، على أن تعقد ورش ومؤتمرات حول 5 قضايا لم يحسم الجدل حولها، هي تفاصيل الإصلاح الأمني والعسكري، والتعقيدات في شرق السودان، وتجديد خريطة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، واستكمال السلام، والعدالة الانتقالية.
بعد مضي أكثر من 3 أشهر على الاتفاق الإطاري، عقدت 3 من الورش والمؤتمرات، هي: مؤتمر تجديد خريطة التفكيك والسلام وشرق السودان، فيما تأخرت الورشتان الخاصتان بالإصلاح الأمني والعسكري والعدالة الانتقالية.
وخلال تلك الفترة أيضاً توترت العلاقة بين الجيش والدعم السريع بشأن قضية الدمج، وبرزت مؤشرات تراجع من جانب الجيش عن الاتفاق الإطاري بحجة عدم شمول الأطراف الموقعة عليه، خصوصاً بعد رفض أطراف رئيسة التوقيع، مثل حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة.
تسمية رئيس الوزراء
ومع اقتراب التوقيع على الاتفاق النهائي، يبدو أنّ الأطراف متفقة تماماً من حيث المبدأ على تشكيل حكومة مدنية، لكن “الشيطان حاضر في التفاصيل”، فالعسكر متخوفون أولاً من احتكار “الحرية والتغيير” قرار تسمية رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، ويرغبون في مشاركة أحزاب سياسية قريبة منهم في اتخاذ القرار والتأثير عليه، وهذا ما ترفضه القوى المدنية وتعتبره إغراقاً للعملية السياسية وفرصة لتسلل مجموعات سياسية غير متحمسة للتحول الديمقراطي، وربما تشكيل حكومة متحكم بها من قبل العسكر.
ولا يثير موضوع تسمية رئيس الوزراء خلافاً بين العسكر والمدنيين فقط، لكنه أيضاً محل خلاف داخل القوى المدنية نفسها، فكل حزب يريد شخصية قريبة منه ويتحفظ على بقية الترشيحات، رغم وجود اتفاق مكتوب بشأن المعايير.
الإصلاح الأمني والعسكري
وتعد قضية الإصلاح الأمني والعسكري، والتي لم تحسم بعد، محل اختلاف أيضاً، فالأطراف المدنية والجيش والدعم السريع يصرّحون جميعاً بالمطالبة بدمج قوات الدعم السريع ومعه بقية الجيوش في الجيش الوطني، بغية تكوين مؤسسة واحدة ذات عقيدة موحدة، تؤدي مهامها في حماية حدود البلاد وحماية الدستور.
غير أنّ لكل رؤيته المتباينة مع الآخر حول طريقة الدمج، فالدعم السريع يريد إصلاحاً شاملاً داخل الجيش قبل الاندماج، بما يضمن تغييراً كلياً في تركيبة الجيش، ودخول أكبر عدد من عناصر الدعم السريع فيه بما يضمن استمرار التأثير مستقبلاً، أما “الحرية والتغيير” فلديها اعتقاد جازم بأنّ الإصلاح في الجيش يبدأ بتصفيته من العناصر الموالية للنظام القديم، والتي لا تضمن انقلابها على أي تحولات ديمقراطية في المستقبل، وتقترح وضع جدول زمني للإصلاح العسكري، يتم الاتفاق عليه جنباً إلى جنب مع الاتفاق السياسي، وتشرف عليه الحكومة المدنية الانتقالية، وهذا ما يرفضه الجيش ويرفض معه أي تدخل سياسي في قرارات الجيش وشؤونه الفنية.
كما يوجد خلاف في الرؤى حول مدة الدمج، حيث يقترح الدعم السريع، بحسب ما رشح من تسريبات، أكثر من 10 سنوات ويتمسّك الجيش بعامين فقط، وبخلاف ذلك يقترح الجيش دمجاً سريعاً بشكل رأسي يضمن به السيطرة على القيادات.
تلك التباينات حول الإصلاح الأمني والعسكري هي التي أخّرت تنظيم الورشة الخاصة به، وهي التي أشعلت مع مواضيع أخرى الخلافات بين الجيش والدعم السريع في الأسابيع الماضية.
ويظهر بيان أمس الأربعاء أن توافقاً، ولو نسبياً، حدث خلال اجتماع أطراف العملية السياسية، حيث جاء في البيان أنّ “الأطراف العسكرية والمدنية أمنت على توافقها على أسس ومبادئ الإصلاح الأمني والعسكري، وعلى عزمها الأكيد على تجاوز ما تبقى من نقاشات فنية في هذه القضية الجوهرية، على أن تعقد أيضاً ورشة الإصلاح الأمني والعسكري قبل شهر رمضان المقبل”.
ويقول القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير محمد عبد الحكم إنّ نقطة الخلاف الرئيسة هي مواقيت دمج القوات المسلحة وقوات الحركات الأخرى في الجيش، مشدداً على أنّ “اجتماع أطراف العملية السياسية، أمس الأربعاء، حسم ذلك بصورة واضحة، ووضع كل النقاط على الحروف”.
وأوضح عبد الحكم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “المتبقي خلافات طفيفة يمكن تجاوزها بسهولة، ومنها قضية إشراك الأطراف المتفق عليها والتي لم توقع بعد”، كاشفاً أنّ “المحاولات معهم مستمرة، ولكن لا يمكن انتظارهم إلى ما لا نهاية”.
وتوقع عبد الحكم “الشروع مباشرة وبمجرد الانتهاء من ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، بالبدء في تسمية رأس الدولة ورئيس مجلس الوزراء”.
قضية العدالة الانتقالية
ومن المواضيع التي لم تحسم بعد قضية العدالة الانتقالية، وهي الأكثر تعقيداً لارتباطها بقضية العدالة لقتلى الاحتجاجات الشعبية ولحساسيتها لدى الشارع الرافض تماماً تمرير أي نص يرسّخ مبدأ الإفلات من العقاب. ولا تتضح هنا مواقف الأطراف سوى تأكيدها على مبدأ العدالة وحق أسر القتلى في الإنصاف، فيما لم تتضح الرؤية كاملة خلال الورش الإقليمية التي عقدت في الأيام الماضية، وربما ترك الأمر برمته للمؤتمر القومي للعدالة والعدالة الانتقالية المقرر انطلاقه اليوم الخميس.